د. سعد ناجي جواد
انهم يخططون لحرب إقليمية اخرى قد تقود إلى حرب عالمية ثالثة.. ما هي بوادرها؟ وهل ستتحقق نبوءة نوستراداموس في هذا المجال
الولايات المتحدة وإسرائيل ما زالتا تبحثان عن مخارج لهزائمهما على الرغم من تبجحهما المستمر (بالانتصار). وهذا ما سيضع العالم على شفا حرب قادمة لا يمكن التكهن بنتائجها. عندما يكتب صحفي مهم مثل اندرو كوكبيرن (Andrew Cockburn – Spoils of War ,28 July 2025) مقالا بعنوان ان الهزيمة في أوكرانيا تلوح في الأفق، وان روسيا في طريقها إلى انتصار كبير وحاسم في الحرب، وان الولايات المتحدة واروبا مقبلين على هزيمة مدوية هناك، ويسال الاطراف المتورطة في تحريض أوكرانيا سؤالا محددا، ماذا انتم فاعلون؟ فان هذا مؤشر خطير يجب ان تثير الاهتمام والتساؤل. وعندما تفشل إسرائيل والولايات المتحدة في حربهما على ايران، وتكتب استاذة في جامعة جون هوبكنز المرموقة (Narges Bajoghli) في مجلة Foreign Affairs (العدد الصادر في 29 تموز/ يوليو 2025)، بان نتيجة العدوان الامريكي-الاسرائيلي الشرس والمدمر وغير المبرر الذي تعرضت له المدن الإيرانية كانت (ان الجيل [الايراني] الذي كان يسخر في السابق من خطاب النظام قد تعلم الآن، وربما لأول مرة، لماذا طرح النظام رواية المقاومة في المقام الأول)، وبدا يؤيد هذ الطرح. وهذا يعني ايضا فشل آخر لواشنطن وتل ابيب في محاولات تأليب الداخل الإيراني لإسقاط النظام. وكذلك الفشل مع المقاومة في غزة واليمن، مع احتمالية اندلاعها (المقاومة) من جديد في جنوب لبنان إذا ما استمرار الاعتداءات عليه ومحاولات نزع سلاح المقاومة بالقوة، كلها هذه تحولات لابد وان تجلب انتباه المراقبين وتقلب الحسابات الأمريكية – الاسرائيلية.
اعتادت تل ابيب، وكذلك واشنطن، ان تجعلا من هزائمهما انتصارات، ومع الأسف فان الانظمة العربية وحتى ايران منحتهما هذا الشعور الذي لا تستحقانه. والأمثلة على ذلك عديدة، لعل اخرها كان قبول ايران بوقف إطلاق للنار سريع، بعد ان جعلت الصواريخ الإيرانية المناطق الاسرائيلية في فلسطين المحتلة تدفع ثمنا باهضا لعدوانها على المدن الايرانية، وكذلك دمشق التي منحت اسرائيل انتصارات بالمجان منذ ايام الرئيس السابق بشار الاسد، حيث ظلت الترسانة العسكرية السورية في المخازن حتى دمرتها الطائرات الاسرائيلية، وفي وقت كانت فيه المدن السورية تتعرض لاعتداءات اسرائيلية متكررة، واليوم اصبحت دمشق تلهث وراء اتفاق سلام مع تل ابيب التي زادت من احتلالاتها للأراضي السورية. أضف إلى ذلك فان اعتماد الانظمة في المنطقة على نجاح عملية ترويض الجماهير وإسكاتهم بأساليب مختلفة، قد أعطى حتى الصهاينة والأمريكان انطباعاً زائفا بان الشارع العربي لم يعد له تأثير، بينما بوادر تململه بدأت تظهر، ووصل التململ حتى إلى انقرة حيث يجابه الرئيس وأردوغان حملات تشكك في دعمه الإعلامي لغزة والكاذب لسوريا، والتي تركها بعد ان هيمن عليها، عرضة للتدمير الإسرائيلي، وكذلك في دول عربية نتيجة مناظر المجاعة البشعة والقتل اليومي للأبرياء .
هذه الصور (الظاهريّة) للضعف الإقليمي، والذي يشمل ايران وتركيا، ومعها الفشل الواضح في احراز اي نجاح حقيقي في كل المغامرات السابقة، أغرت وتغري كل من إسرائيل والولايات المتحدة لشن حروب جديدة، أهمها تلك التي يُخَطط لها الان ضد ايران، ثم في جنوب لبنان وفي اليمن بالإضافة إلى تصعيد وتيرة القتل للأبرياء في غزة. الحرب او الاعتداءات القادمة، قد تكون، وبدون مبالغة، المدخل لحرب عالمية ثالثة. وهذا البدايات تبدو واضحة من خلال شعور كل من واشنطن وتل ابيب بان تبجحاتهما بتدمير المشروع النووي والصاروخي الايراني قد اثبتت زيفها، وأنهما عازمان على اعادة الكرة بقوات اكبر، مع تهديدات بدأت تشمل باكستان وروسيا والصين الذين اتهمتهم واشنطن وتل ابيب بانهم دعموا ايران. واذا ما هوجمت ايران هذه المرة، واستغلت تل ابيب الفرصة وهاجمت جنوب لبنان واليمن بدعم أمريكي فان الحرب ستتوسع وستصبح أصعب على الإيقاف من ذي قبل. كما ان حملة طمس الهوية والحقوق الفلسطينية بدأت تتآكل امام اصرار الدول على الاعتراف بدولة فلسطين، ودخول الدول الاوربية الكبرى هذا الباب. حتى وان كان هناك من يقول ان التلويح بالاعتراف هو لذر الرماد في العيون، فان الامواج البشرية التي بدات تغطي المدن الاوربية، والتي وصلت إلى استراليا المعروفة بإتباعها للسياسة الأمريكية، لابد وان ينتج عنها اجبار لهذه الدول للاعتراف بدولة فلسطين وإيقاف حرب الابادة اللاإنسانية.
قديما وحديثا، شغل نوستراداموس العالم بتنبؤاته، وفي كل مرة يقع حادث جلل يظهر من يقول انه تنبأ به ولو بصورة غير مباشرة (لعل اهمها ظهور هتلر وموته الغامض، مقتل الرئيس كندي، الحرب على العراق، واحتراق البرجين في نيويورك إلخ). بعض المطلعين على هذه النبوءات قالوا مؤخرا انه تنبأ ايضا بحرب عالمية ثالثة، وهذا ليس هو الأمر المهم، ولكن ألمهم انهم قالوا انه ذكر بانها ستبدأ من بلاد فارس. فهل ستتحقق نبوءته وتشعل الحرب القادمة التي تنوي الولايات المتحدة وإسرائيل شنها على ايران حربا عالمية ثالثة؟ بعد وصل الأمر إلى تحريك غواصات نووية قبالة السواحل الروسية، وقاصفات أمريكية عملاقة إلى قاعدة عسكرية في بريطانيا، واعادة نشر أساطيل أمريكية في المنطقة؟ واذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان نتنياهو كلما وجد نفسه يفشل في اسكات المقاومة واستعادة الاسرى يلجأ إلى الهرب نحو تصعيد العمليات العسكرية، وان الرئيس ترامب بدأ يدرك يوما بعد يوم ان كل الوعود التي اطلقها بشأن ايقاف الحروب قد اثبتت فشلها، وانه ادخل واشنطن في مواجهات جديدة، خاصة مع ايران واليمن، فان ذلك سيدفعهما إلى البحث عن انتصارات زائفة جديدة، ولكن في هذه المرة قد تكون تكلفة هذه المواجهات اكبر ومحاولات ايقافها أصعب والله اعلم.
755 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع