الدكتور محمد عياش الكبيسي
بعد صلاة العصر من يوم السبت الماضي ودّعت الأمة الإسلامية أحد أعلامها وعلمائها البارزين وهو الشيخ محمد سرور زين العابدين (رحمه الله).
عرفت الشيخ من خلال كتابه الشهير «وجاء دور المجوس»، الذي كان قد نشره سنة 1981م باسم مستعار، وكانت ثورة الخميني آنذاك لها وهجها في الأوساط الإسلامية، وكانت أمواج المديح تتدفق مسبّحة وممجّدة باسم الخميني، وكان الخميني يردّ التحية لهؤلاء واعداً إياهم بتحرير بيت المقدس وملاحقة (الشيطان الأكبر) في عقر داره، والقضاء على مظاهر (الاستكبار العالمي) أينما كان! لقد كشفت حفلات العرس هذه التي أقامها (إسلاميون) و(قوميون) و(ثوريون) عن هشاشة مستعصية في البناء الثقافي والتكوين العلمي والاتزان الاستراتيجي لهذه النخب قبل غيرها. في ذلك الوقت أيضاً وصل إلينا كتاب للشيخ سعيد حوّى (رحمه الله) بعنوان «الخمينيّة شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف»، وقد ظهر فيه الشيخ كأنه يغرّد خارج السرب أو يعوم عكس التيار، أما الشيخ محمد سرور فقد حاول أن يهزّ ضمير الأمة وذاكرتها التاريخية ويوقظها من (أحلام اليقظة) أو حالة (الزهايمر) التي أصابتها فأنستها كل شيء، ومن موافقات القدر أن يكون الرجلان كلاهما من سوريا، وفي هذا إشارة لتقدّم الوعي السوري في هذا الشأن على من سواه. إن التساؤل الأهم الذي يواجه الشيخ سرور دائماً؛ أنه كيف يتجرأ على رمي أمة منتسبة إلى الإسلام بالمجوسيّة؟ والحقيقة أن هذا التساؤل يأتي في العادة من أولئك الذين يكتفون بقراءة السطر الأول، ثم أخذ الحكم الانطباعي الذي يحل في أذهانهم محل المسلّمات. إن الشيخ سرور قد انطلق من فرضية خطيرة ثم راح يبرهن عليها بالشواهد والقرائن، هذه الفرضية ليس لها علاقة بقضية التكفير، والحكم المعين على طائفة معيّنة أو شخص معيّن، إنه يتحدّث بأعمق من هذا وأوسع. الفرضية التي ينطلق منها الشيخ تقول بمؤدّاها العام: إن النظام الكسروي الفارسي بكل امتداداته وأجهزته العميقة لم يستسلم للفتح الإسلامي، بل راح يقود ما اصطلح عليه اليوم بالثورة المضادة، وهي ثورة متشعبة أمنياً وثقافياً ومجتمعياً، اخترقت ثقافة الأمة ونسيجها المجتمعي حتى وصلت إلى مركز القرار فيها فتم تصفية ثلاثة من الخلفاء الراشدين (عمر وعثمان وعلي)، وأسهمت في إشعال الفتن الداخلية، وحاولت المساس بالمصدر الثاني للإسلام من خلال حملة الوضع، حيث تم وضع آلاف الأحاديث المكذوبة على رسول الله، ثم ارتقوا إلى مستوى التشكيك بالقرآن الكريم، ونشر التأويلات الباطنية المضحكة استخفافاً بآيات الله. إن الشيخ يتساءل عن سرّ هذه الفتن المتدفّقة والمتعاقبة من قبل الشرق، وعن سرّ استهداف رموز الإسلام، حتى بلغ بهم الأمر إلى ذبح الحجيج وخلع الحجر الأسود من الكعبة، إنه يتكلم عن البويهيين والعبيديين والحشاشين الإسماعيليين والقرامطة وأولئك الذين جاءوا مع هولاكو لهدم بغداد وقتل أولاد العباس عمّ النبي وعمّ عليّ. وفي فصوله الأخيرة راح الشيخ يستشرف المستقبل ببصيرة ثاقبة، فاليوم عنده ليس مقطوعاً عن الأمس، والسياسة ليست بعيدة عن الثقافة، ثم راح يلتقط الإشارات من الوقائع كما التقطها من التاريخ محذراً العراق والشام والخليج من هذا الزحف الأسود، ويا ليتهم سمعوا.
873 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع