عبدالله عباس
( 2 – 2 )
من خلال قراءة التأريخ بدقة ودون انحياز ( تأريخ كتب من امينيين على معنى التأريخ ) نفهم ان تسجيل انجازات البناء بأسم الأشخاص ليس كلها نابع من سطوة الحاكم رغم وجود دلائل انهم في كثير من الحالات فرضوا كتابة التأريخ في عصورهم ‘‘
وصحوة قدرة عدالة الانسان الصادق مع نفسه ومع الاخرين ايضاً فرض كتابة التأريخ بصدق وسجل الكثير من صفحاته الناصعة باسم الاشخاص ‘ والحضارة البشرية وعلى طول وجوده على الارض يشهد الصراع بين بناء الحضارة يكون لشخص دوره المحوري في اعلى تلك الحضارة لصالح طموح البشرية وبين ا شخاص يريدون ترويض الحضارة لصالحة فقط حتى اذا بنيت اسوارها على الجماجم و قهر البشرية وتحت نفس العناوين العدل و احترام اختيارات الانسان في تلك المجتمعات الحضارية ‘وفي قراءة الفارق بين شخصنة التأريخ من عهد القياصره الى معاويه ويزيد في منطقتنا كما اشرنا في الحلقه الاولى نرى صفحات شخصنة التأريخ من نوع اخر كصلاح الدين وغاندي ومانديلا وكاسترو.
كان لاستاذي الراحل (حلمى علي شريف) رئيس التحرير أشهر صحيفة عراقية في ستينات القرن الماضي (النور) وهي كانت صحيفة الحركة الوطنية الكردستانية في تلك المرحلة تصدر في بغداد ، رأى خاص حول ظاهرة سيطرة الزعامات (الشخصية) على كل الحركات السياسية والوطنية في الشرق عموماً والشرق الاوسط على وجه الخصوص، حيث كان يرى أن هذا يعود إلى الجذور التأريخية ومتعلقة بتلك البيئة التأريخية التى كانت تعيشها شعوب المنطقة ، وكان يقول : أن ظهور الاديان الذي اعتقنته البشرية في هذه المنطقة بما فيها الرسالات السماوية التى انزل على البشرية عن طريق الرسول أختارهم الله من هذه المنطقة (الشرق الاوسط) تحديداً، ويستطرد الاستاذ للتأكيد ، حتى لانفهم أن الدين (والاديان السماوية على وجة الخصوص) مسؤولة عن هذه الظاهرة التى كانت في أكثر تجاربها على حياة الشعوب سلبية وماكان ولايزال بضد من مصالح عموم الناس فيقول : العكس هوصحيح حيث أن الشخصيات القوية ذي نزعة إستبدادية في الرأى وعدم المشورة، يتحدث لنا التأريخ أنهم اشخاصٌ لهم الشعور غير العادي بالعظمة وحب وأهمية الذات وأنه شخص نادر الوجود أو أنه من نوع خاص فريد لا يمكن أن يفهمه إلا خاصة الناس، ينتظر من الآخرين احترامًا من نوع خاص لشخصه وأفكاره، وهو استغلالي، ابتزازي، وصولي ... يستفيد من مزايا الآخرين وظروفهم في تحقيق مصالحه الشخصية، وهو غيور، متمركز حول ذاته يستميت من أجل الحصول على المناصب لا لتحقيق ذاته وإنما لتحقيق أهدافه الشخصية، هؤلاء الشخصيات ،اساؤا للدين عندما استغلوا رسالاتها للتأثير على عقول الناس، وكان يرى أنه لولا حكمة الله في التأكيد على عدم وجود الوراثة بين الرسل ، والتأكيد الثابت من الله بأن (محمد –ص ل الله علية وعلى أله)خاتم الانبياء والرسل لراى شعوب المنطقة كثير من الادعياء في وراثة النبوة لفرض انفسهم على مقدرات ليس لشعوبهم بل للبشرية كلها، ومع أن الدين الإسلامي أكثر وضوحاً من هذا الجانب، حيث لايوجد في الإسلام من يدعى رجل الدين، بل هناك علماء الدين الذين راعو نشر الرسالة وتوضيح الشريعة، لذا نرى أمثلة كثيرة في سيرة المستبدين في تأريخ المنطقة، ان هؤلاء المستبدين يقتربون (في الماضى من الزمن وحتى يومنا هذا) ويبعدون عن الجو إلى احكام الدين، حسب مصالحهم الاستبدادية لفرض سيطرتهم، حيث نرى أنهم (سيرة الشخصيات المستبدة في الحكم منذ عشرينات القرن الماضي) يلجأون ألى الدين عندما يرون تحرك الرعية بضد من الاستبداد ويروجون لـ (إطاعة الله والرسول وأولي ألامرمنكم !)، ولكن كلما تتقاطع الشريعة مع إستبدادهم روجوا لعدم تدخل الدين في أسس الحكم !
ولكن كان الاستاذ يتحدث لنا : ليس لكل التجارب ببناء الفكر والحضارة واسس الحكم لرعاية الانسان والإنسانية قادة لشخص (الرمز والزعيم) وسجل كل الإنجازات بإسمة، تجارب إستبدادية، إذا كانت الحضارة هي نتاج الفكر البشري النابض الذي هو حالة تطور وتغير وتحول مستمر يقودها إلانسان المفكر الحكيم والقوي له القدرة على إقناع الناس لكي يتبعوه لبناء تلك الحضارة، وفي الشرق أمثلة حية لهذه الشخصيات التى قادة البناء والحرية والحضارة لخدمة الإنسانية ولحرية الارض والبشر وأعلاء البناء خدمتاً للبشرية دون التفرقة وضمان الحرية والامان المشروع للفرد والمجتمع، عندما قادو شعوبهم نحو الحرية وعندما حكموهم في مراحل البناء، وسجل التأريخ كل ذلك بأسمهم، فهذا صلاح الدين الايوبى وفي اقصى الشرق غاندي وفي افريقا السوداء مانديلا .
مناسبة الحديث عن وجهة نظر الاستاذ حلمي حول دور (الشخص) ومدى إستحقات تسجيل إلانجازات بأسم الشخص، وكذلك تسجيل الهدم والتخريب أيضاً باسم الشخص، دون أن يكون هذا خطوة ضمن ظاهرة (شخصنة التأريخ)، هو إطلاعي (متأخر قليلاً) على مقال كتبه الرئيس الكوبى السابق والثورى العالمي اللامع في ستينات القرن الماضي (فيدل كاسترو) بعنوان (بدون عنف ومخدرات)، ورغم خلافنا العميق من جانب الفكري مع الرجل ، من الواضح أنه كانَ ، (الحاكم) مستند على إرادة شعبية فيما يفهم هو وشعبه لضمان معنى الحرية التى ينشدونها ورفضه للعبة التبعية لإرادةٍ تفرض عليهم خارج خط حدود بلدِهم اصحابة الشرعين ولهم حق الاختيار، لذا حاصرهم ألامريكان ولحد هذا الوقت، يقدم في هذا المقال وبالآرقام أن هذا الحصار بدلاً من أن يؤدي إلى ظهور مجتمع (متفكك) يصطاد بسهولة من قبل أمريكا، ترى ان كوبا البلد الوحيد في أمريكا اللاتينية خالي (من العنف والمخدرات) وهما ظاهرتين خطيرتين تعاني منها شعوب امريكا اللاتينية ، يشرح (كاسترو) الرئيس، والمواطن في كوبا الأن صورة أمريكا اللاتينية ويقول :
(... 27 % من الذين يقضون ضحية العنف في العالم هم من أمريكا اللاتينية، مع أن عدد سكانها لا تصل نسبته إلى 9 % من عدد سكان المعمورة. خلال السنوات العشر الأخيرة قُتل مليون و200 ألف شخص في المنطقة نتيجة أعمال عنف.
استناداً لما ذكرته،المنظمة الإيبيرية-الأمريكية للشباب، فإن نصف الشباب الأمريكيين اللاتينيين البالغ عددهم أكثر من 100 مليون بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين من العمر لا يتمتعون بفرص العمل ولا بإمكانية الحصول عليها إضافة إلى أن واحداً من بين كل أربعة شبان أمريكيين لاتينيين لا يعمل ولا يتعلّم.
وحسب منظمة الأمم المتحدة فإن الفقر يوجد عندما لا يستطيع الأشخاص تلبية احتياجاتهم الأساسية للعيش بكرامة: الغذاء الكافي، المياه الصالحة للشرب، العيش في مسكن كريم، العناية الصحية الأساسية، التعليم الأساسي... البنك العالمي يصنّف هذا الفقر مضيفاً أن الشخص شديد الفقر هو من يعيش بدخل يدنو عن الدولار وربع الدولار في اليوم.
وحسب التقرير الذي نشره كابجيميني وميريل لينش عن الثروة العالمية عام 2010، فإن ثروات الأمريكيين اللاتينيين الأغنياء قد زادت بنسبة 15 % خلال عام 2009.، وفي السنتين الأخيرتين بلغت ثروات الأمريكيين اللاتينيين الأغنياء من النمو أكثر مما بلغته في أي مكان آخر في العالم. يصل عددهم إلى 500 ألف ثري ، حسب تقرير كابجيميني وميريل لينش. هكذا نصف مليون الآغنياء مقابل 190 مليون فقير !! فبينما هناك قلة تخزن الكثير، هناك كثيرون لا يملكون شيئاً.
( هناك أسباب أخرى تفسّر العنف في أمريكا اللاتينية. للفقر والتفاوت صلة دائماً بالموت والألم. أن 64 % من الثمانية ملايين الذين قضوا بسبب السرطان في العالم هم من المناطق ذات الدخول الأدنى، التي لا يخصّص لها إلا 5 % من أموال مكافحة السرطان؟ ) وبعد هذا العرض لمأساة الشعوب أمريكا اللاتينية ذات نظم الاسواق المفتوحة برعاية مافياة الرأسمالية، لرجل حق أن يفتخر بنموذج السلطة، شعبة لايعاني من تلك المأساة لانه يقودة الارادة نابع من بلدهم، كاسترو يكتب ويقول:
(نسبة وفيات الأطفال في كوبا هي دون الخمسة بين كل ألف مولود حي؛ وعدد حالات الوفاة بسبب أعمال العنف تقل نسبتها عن الخمسة بين كل مائة ألف نسَمة ‘ مع أن الأمر يخدش تواضعنا، فإنه واجب مرير علينا التأكيد أن بلدنا المحاصَر والمهدد وموضع الافتراء، قد أثبت أن بوسع الشعوب الأمريكية اللاتينية أن تعيش بدون عنف ولا مخدرات. بل وأنها تستطيع العيش، وهذا ما حدث على مدار أكثر من نصف قرن من الزمن، بدون علاقات مع الولايات المتحدة الامريكية. وهذا الأمر الأخير لم نثبته نحن، وإنما أثبتته امريكا بعينها.)
1245 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع