د. محمد زاير
ظهرت حالأت من مرض الجدري في العراق في ربيع سنة 1957. كنت أنذاك طالبا في السنة الأخيرة (إستاجيرا) في الكلية الطبية الملكية في بغداد. خرجنا نحن الطلأب ومعنا طالبات التمريض إلى مدينة الثورة في بغداد, والتي كان أكثر ساكنيها من المعدان من مدينتي الحبيبة العمارة, لإجراء التلقيح ضد مرض الجدري. دخلنا أحد البيوت البسيطة فوجدنا صلبوخ وزوجته حيهن وأمه العمياء أم صلبوخ. أجرينا ألتلقيح اللأزم.
وبعد عودتي إلى البيت كتبت ماجرى لنا على شكل تمثيلية ذات فصل واحد. ومن المفارقات كان الأخ العزيز الفنان الكبير يوسف العاني منهمكا في تقديم إحدى مسرحياته على مسرح الكلية الطبية. عرضت عليه ماكتبت فاستبشر خيرا مع الضحك والتعليق وبجانبه الأخ العزيز الفنان الكبير سامي عبد الحميد الذي كان ملأزما له كالظل وأشبه بالتوئمين الذين لأ يفترقا. أعجبتهم التمثيلية كثيرا فشجعوني وأشرفوا على تقديمها على مسرح الكلية الطبية فنالت النجاح والإستحسان.
إستطعت بهذه الفترة القصيرة أن أكتشف عظمة يوسف العاني الطود العراقي الشامخ, إنسان بسيط غيور على وطنه يحمل همومه ومشاكله وتناقظاته وبؤسه وشقائه بتقديمه مسرحياته المتعددة إلى الجمهور كأروع المسرحيات المعبرة تعبيرا صادقا عما يُعانيه شعبه المغلوب على أمره رغم الملأحقات والمعانات التي عاشها في ذلك العهد.
تمر الأيام والسنون فتركت بلأدي سنة 1959 وفي سنة 1967 كنت في زيارة قصيرة إلى بيروت وفي إحدى شوارعها وبصورة مفاجئة أجد نفسي وجها لوجه أمام الأخ العزيز يوسف العاني أبو يعكَوب فكان العناق واللقاء العراقي ألأصيل واشلونك بعد إو بعد اشلونك واتريد الصدكَْ......
وتمر الأيام والسنون وفي يوم 6 شباط سنة 2011 كتبت رسالتي إليه, وبمساعدة الأخ العزيز سلأم الدليمي وصلت إليه فأجابني يوم 30 نيسان وأجبته يوم 2 مايس برسالة أرفقتها بكتابي عن حياتي في العراق (راجع الرسائل الثلأثة المرفقة).
وتمر الأيام والسنون وفي يوم 10 تشرين الأول 2016 تلقينا الخبر المفجع لفقده في وقت يحتاجه العراق الذي تكالبت عليه قوى الشر والعدوان بكل أنواعهم ومذاهبهم وأطيافهم ومن جاء معهم من أيتام بريمر الذين نشروا المحاصصات والطائفية البغيظة والسرقات وإستغلأل الدين. إن أروع ما في الفنان الكبير الوطني الغيور هو أنه لم يخن وطنه أبدا ويأتي مع المحتلين لتدمير بلده. ناضل وكافح في مسرحياته الرائعة المعبرة عن طموحات شعبه المغلوب على أمره. ألصديق الصدوق البسيط العظيم الرائد المخلص لوطنه. كم نحن بحاجة إلى أمثاله الأن ............. وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر
أُقدم تعازينا الحارة المؤلمة إلى عائلته الكريمة وإلى شعبنا ألأبي الذي سيسير على خُطى عظمائنا عاجلأ أم أجلأ, أسكنه الله فسيح جنانه وكل نفس ذائقة الموت وإنا لله وإنا إليه لراحعون.
د. محمد زاير
رسالتي الى يوسف العاني في الثاني من مايس 2011
السلام عليكم بعد نصف قرن من تمثيلية أبو اليدرى في بغداد
أخى العزيز أبو يعگوب, فخر العراق الأستاذ الكبير يوسف العانى! إلتقيت بك سنة 1956حينما كنتُ طالبا في الكلية الطبية في بغداد. إنتشر مرض الجدري آنذاك
فكتبتُ تمثيلية "أبو اليدري" التي أعجبتك كثيرا فأشرفتَ بنفسك على تقديمها على مسرح الكلية الطبية. لا أنسى أبدا مداعباتك حينما قمت أنا بدور أم صلبوخ العجوزالعمياء ذات الشخصية المتسلطة وأنا أتشاجر مع حيهن زوجة صلبوخ فأقول: ...إسِكتي
أم حلكَ الأعوج... ولكنك علقت وقلت: عليك الله إنته تقصد الحلكَ الأعوج لوالأمور الحدرانيه؟؟
تمرالأيام والسنون فسكنت السويد منذ يوم 24 آب سنة 1959 وفي سنة 1967 وبصورة مفاجئة, حينما كنت فى طريقى للألتقاء بالوالدين المرحومين فى مكة,وفي شوارع بيروت إلتقيت بك وجها لوجه للمرة الأخيرة فكانت لحظات سعيدة. وفى السويد جبت البلاد طولا وعرضا وقدمت إطروحتى عن تقوس السيقان عند الأطفال في جامعة لند السويدية , فحزت عليها بدرجة جيد جدا. لكن العراقي يبقى عراقيا مهما تغيرتالظروف, فكنت أقرأ عنك في الصحف وأراك في قنوات التلفزيون وكأني في كوكب المريخ. وبعد المصائب التى حلت ببلادنا الحبيبة وبعد أن رأيتك في تلفزيون إحدى القنوات, حمدت الله وقلت بلادنا في خير!!! ما زلت أحتفظ بالتمثيليات, وقد صدرلي كتاب في السنة الماضية في القاهرة تناول حياتي في العراق وتطرقت إليك ومنها مساعدتك لي بنقلي من مستشفى الحلة وإلى المستشفى الجمهوري في بغداد.كم أتمنى أن
أحصل على عنوانك لكى أرسل لك الكتاب مع الشكر. أتمنى أن تصلك رسالتي هذه ولا تأخذ طريقها إلى سلة المهملات. تحياتى الأخوية الصادقة ودمتم بخير مع طول العمر.
أخوك الدكتورمحمد زاير
جواب يوسف العاني يوم 20 نيسان 2011
عزيزي محمد زاير ((ابو اليدري و المايدري)) تحيه طيبه
علمت برسالتك العذبه لكنني لم اقرأها الا متأخرا فكان سروري بها كبيرا.....وما زلت اتذكر لقاءنا ببيروت في كازينو الاوتوماتيك بعد غيبتك عنا بسنوات ثق يا محمد ...انني في كتاباتي عن المسرح العراقي اعتبرت بجداره ان مسرحيتك ((الجدري)) انموذج للمسرحيه الشعبيه التعليميه وهي تدخل في اطار السهل الممتنع و الممتع...و المقدم من مجموعه شبابيه موهوبه...وحين تصفحت كتابك المرسل للدكتورعبد الامير سررت بارشفة حياتك الحلوة رغم التعب والعناء...فقد امتزجت بكفاح مخلص و صادق....
شكرا لك وما زلت اقف على الارض بثقه صادقه و امينه...اتذكر الذين سارومعنا في درب المسرح الزاهي ..واحلم بالآتي المبدع رغم المعاناة العسيرة.
يوسف العاني
2188 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع