أ.د. ضياء نافع
التسمية الرسمية و الكاملة لهذه الجامعة هي – جامعة كادحي الشرق الشيوعية, وقد تأسست بقرار من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي البلشفي في موسكو عام 1921 , اي بعد اربع سنوات فقط من انتصار ثورة اكتوبر 1917 , ثم تم تعديل هذه التسمية في عام 1923 , اذ اضيف لها اسم ستالين , وهكذا اصبحت التسمية الرسمية لها – جامعة ستالين الشيوعية لكادحي الشرق ( ألقى ستالين خطابا مطولا فيها عام 1925 , وتم اعتماده في المناهج التدريسية لتلك الجامعة ).
الغيت هذه الجامعة نهائيا في عام 1938 نتيجة لاعادة النظر في نظام التربية والتعليم الحزبي السوفيتي آنذاك , اي ان هذه الجامعة استمرت بالعمل على مدى سبع عشرة سنة ليس الا, وهي فترة قصيرة جدا بالنسبة لاي مؤسسة اكاديمية جامعية وتاريخها في كل زمان و مكان .
تكاد هذه الجامعة ان تكون شبه مجهولة للقارئ العربي تقريبا , اذ انها تأسست والغيت في فترة كان العالم العربي آنذاك بعيدا جدا عن اخبار الاتحاد السوفيتي وما يجري فيه من احداث بشكل عام , والتي لم تكن تمتلك تأثيرا على مسيرة الاحداث في عالمنا العربي بتاتا , ولكننا نطرح موضوعنا هذا , و نحاول في مقالتنا هنا الحديث عن هذه الجامعة والتعريف بها , لانها ترتبط بعدة خريجين متميٌزين كبار لعبوا دورا مهمٌا جدا في تاريخ بلدانهم خاصة , واصبحوا اعلاما في مسيرة العالم و تاريخه بشكل عام في القرن العشرين بعد تخرجهم في تلك الجامعة , وهم كل من ( حسب الحروف الابجدية ) –
خالد بكداش ( سوريا ),و ليو شاوتسي ( الصين ) , و ناظم حكمت ( تركيا ), و نجاتي صدقي ( فلسطين), و هوشي منٌه ( فيتنام ) , و يوسف سلمان يوسف / فهد ( العراق).
من الواضح تماما , ان هذه الجامعة سياسية قبل كل شئ , وانها ترتبط بالحزب الشيوعي السوفيتي مباشرة وخططه السياسية البحتة لاعداد كوادر حزبية شيوعية عالمية تنشر اهدافه في الشرق , وقبل كل شئ في الصين وفيتنام والعالم العربي ...الخ ( اكثرية الطلبة كانت من الصين ), وكان القبول في تلك الجامعة يجري عبر قنوات الحزب الشيوعي السوفيتي ولجان التنسيق مع الاحزاب الشيوعية الاجنبية . كانت مدة الدراسة في هذه الجامعة ثلاث سنوات فقط , بما فيها تعليم اللغة الروسية , وهي لغة الدراسة طبعا . ان هذه الفترة الزمنية ( اي ثلاث سنوات ) لم تكن كافية بتاتا لدراسة اللغة الروسية واستيعابها , ثم دراسة المناهج المقررة في تلك الجامعة بشكل معمق , وقد انعكس ذلك طبعا على مستوى الجامعة , مما جعلها تكون أقرب الى مؤسسة تعليمية خاصة لاقامة دورات سياسية مكثفة وسريعة , من ان تكون جامعة اكاديمية تمنح شهادات جامعية متخصصة . كان الطلبة مقسمين الى مجموعتين – الاولى خاصة لطلبة الجمهوريات السوفيتية الشرقية لاعدادهم للعمل الحزبي اللاحق في فروع الحزب الشيوعي بجمهورياتهم السوفيتية تلك , اما المجموعة الثانية فانها تضم الطلبة الاجانب من البلدان الشرقية , الذين كانوا يعدوهم للنضال والعمل من اجل اقامة نظام شيوعي في بلدانهم عن طريق تنظيم الانتفاضات و الانقلابات والثورات هناك . كانت المناهج التدريسية ذات سمات سياسية عامة وبعيدة عن التخصص العلمي الدقيق , اما الاقسام العلمية الرئيسية في هذه الجامعة فكانت كما ياتي – العمل الحزبي / التثقيف السياسي / الحركة النقابية / الاقتصاد السياسي / الادارة القانونية / ..الخ , وكان الطلبة يخضعون للتدريب العسكري في معسكرات صيفية خاصة اثناء العطلة الصيفية , و كانت الجامعة تصدر مجلة ( من عام 1927 الى عام 1938) بعنوان – الشرق الثوري .
من أبرز خريجي هذه الجامعة – هوشي منٌه , الشخصية الفيتنامية المعروفة , ومؤسس الحزب الشيوعي الفيتنامي و جمهورية فيتنام الشمالية واول رئيس لها ومؤسس حركة المقاومة ونضالها , والتي خاضت الحرب وانتصرت , والتي أدٌى انتصارها الى تأسيس جمهورية فيتنام الاشتراكية الحالية, واطلقت اسم هوشي منٌه على عاصمة فيتنام الجنوبية . يعدٌ هوشي منٌه مفكرا ماركسيا معروفا , وهو شاعر ايضا. الاسم الثاني الذي يستحق التوقف عنده هو – ليو شاو تسي , الشخصية الصينية , الذي اصبح رئيسا لجمهورية الصين الشعبية ايام ماو تسي تونغ , والذي كان يقف اسمه جنبا لجنب مع اسم ماو , والذي اتهموه لاحقا – كما هو معروف - بانه من اعداء الثورة الثقافية وتمت تصفيته . الاسم الثالث ضمن هؤلاء الخريجين هو الشاعروالكاتب المسرحي التركي الكبير ناظم حكمت ( انظر مقالتنا – ناظم حكمت وروسيا ) . توفي ناظم حكمت في موسكو , بعد ان عاد اليها لاجئا سياسيا , ودفن فيها. الاسماء الاخرى في قائمة خريجي جامعة كادحي الشرق تستحق – بلا شك – التوقف عندها طويلا وتفصيلا ( ولا مجال لذلك في اطار مقالتنا هذه) , فنجاتي صدقي ( اول طالب فلسطيني في هذه الجامعة ) هو واحد من كبار المثقفين العرب في القرن العشرين , والذي كان يتقن اللغات الفرنسية والاسبانية والروسية , والذي اختلف مع الكومنتيرن قبل الحرب العالمية الثانية حول اتفاق هتلر وستالين, ورفض هذا الاتفاق رفضا قاطعا, وانسحب اثر ذلك من الحركة الشيوعية برمتها وتفرغ للادب والصحافة , وتوفي في اثينا . لعب نجاتي صدقي دورا مهما جدا في تعريف القارئ العربي بالادب الروسي , وهو مؤلف أول كتاب عربي عن تشيخوف ( انظر مقالتنا – نجاتي صدقي والادب الروسي ) , اما خالد بكتاش (اول طالب سوري في الجامعة) فقد كان – بشكل عام - أبرز الاسماء في الحركة الشيوعية في العالم العربي , وتشير المصادر الروسية الى انه كان يتقن اللغة الروسية بشكل جيد جدا , وقد ترجم فعلا كتاب – البيان الشيوعي لكارل ماركس الى العربية . نختتم مقالتنا هذه بالتوقف قليلا عند القائد الشيوعي العراقي الكبير - يوسف سلمان يوسف ( فهد) (اول طالب عراقي في الجامعة ) , والذي قضى سنتين دراسيتين في هذه الجامعة بدلا من ثلاث سنوات , وذلك بناء على طلبه الشخصي كما تشير بعض المصادر العراقية , (وهذا يعني ان نظام الدراسة في تلك الجامعة كان يسمح بمثل هذه الطلبات ), وتشير تلك المصادر الى ان فهد طلب تقليص مدة دراسته لانه كان يرغب بالعودة السريعة الى العراق لمواصلة نضاله , رغم ان تلك المصادر تحدثت ايضا عن زواجه من فتاة سوفيتية , وانه لم ينتظر ولادة ابنته الوحيدة منها , اذ انه سافر من موسكو عندما كانت زوجته حاملا. لا تتناول المصادر بالتفصيل الجوانب الشخصية في حياة فهد عندما كان طالبا في جامعة كادحي الشرق بموسكو , ولازالت تلك الجوانب شبه مجهولة عن القائد الشيوعي العراقي الكبير , عدا شذرات هنا وهناك , منها انه لم يكشف لزوجته مركزه الحزبي ولا مهامه الحزبية , ولا حتى اسمه الحقيقي . لقد سنحت لي الفرصة في احدى حفلات رابطة الطلبة العراقيين في جامعة موسكو عام 1961 التحدث مع ارملة فهد ومع ابنته ايضا , وسألت ارملته عن الاصدقاء الذين كان يلتقي بهم , فقالت انها لا تعرفهم بتاتا, بل انها لم تكن تعرف حتى الجهة التي سافر اليها آنذاك , اما ابنته , فقد قالت لي عندما سألتها عن سبب عدم موافقتها على الزواج ( بعد ان طلب يدها واحد من ابرز طلبة الدراسات العليا العراقيين ) انها لا ترغب بتكرار تجربة والدتها المريرة.
1184 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع