علي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
لم تكن النكسات القوية التي لازمت الدبلوماسية العراقية بعد الغزو الأمريكي الإيراني للعراق مستغربة إذا قورنت بالمعايير اللازمة لإختيار الدبلوماسيين العراقيين عموما،
فقد تبنت الوزارة في العهد الزيباري الأغبر سياسة التكريد فملأت الوزارة بطابور طويل من الأكراد يمتد من باب الحراسة الى مكتب الوزير، وتوزع القبول في معهد الخدمة الخارجية على الأكراد من جهة وأبناء رؤساء الكتل والأحزاب الحاكمة من جهة أخرى، ولم يبقَ من كادر الوزارة القديم إلا عدد قليل يداري خبزته ولا يجرأ على القيام بأية مبادرة جديدة خشية ركله الى خارج الوزارة بإعتباره من أزلام النظام السابق وفق رؤية العملاء الذي نزحتهم المخابرات الأجنبية والعربية من مياهها الثقيلة وأفرغتهم مع جيفتهم في العراق المبتلى بأبنائه أولا والغرباء ثانيا.
الوزارة هي لبنة الحكومة المحيرة، فرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير المالية وغيرهم متجنسين بالجنسية البريطانية وولائهم لصاحبة الجلالة وليس العراق؟ علاوة على بقية المسؤولين من وزراء ووكلاء ومدراء عامين وسفراء. كان التعيين في وزارة الخارجية لا يفرق عن بقية الوزارات حسب المحاصصة الطائفية والعنصرية. والعجيب أن بعض الدبلوماسيين الذين هربوا في العهد السابق عادوا الى الوزارة بدرجات دلوماسية عالية، مع انه لا احد يستحق هذه الدرجة بإستثناء المستشار محمد الحميميدي في بعثتنا بواشنطن الذي هرب بعد نقله الى المركز وكان بدرجة مستشار، وهو ايضا منح درجة سكرتير أول عندما نقل الى وزارة الخارجية بعد ان قدم للجهات الأمنية الهيكل التنظيمي للحزب الشيوعي لإحدى المحافظات الجنوبية فكرم على أثرها. وذكر لنا مصدر رفيع في الوزارة أن بقية الرهط مثل السفير سعد الحياني، كان موظفا إداريا وطرد من الوزارة لتلاعبه بحسابات السفارة، وكان السفيررعد الآلوسي سكرتيرا ثالثا ويسمى مهرج الوزارة مع قرينه أحمد حربي، وسعد محمد رضا كان موظفا إداريا وفشل عدة مرات في إمتحان اللغة الأنكليزية ليصبح دبلوماسيا لكن عميد المعهد د. عزمي صالح سلمه إدارة المعهد وتمكن من خلال علاقته مع أساتذة اللغة الأنكليزية في المعهد أن ينجح بدفعة قوية ويصبح دبلوماسيا بدرجة ملحق. ونقل الى البعثة العراقية في القاهرة، وعندما صدر أمر نقله الى المركز لعدم كفائته، هرب وإلتحق بالمعارضة. ولم يكن له نشاطا ملموسا، المهم عاد إلى الوزارة بعد الغزو، وتسلم درجة وزير مفوض مع الآلوسي لكنهما لم يرضيا بهذه الهبة السخية فتوسطا وحصلا على درجة سفير من خلال الخدمة الجهادية، كما يقول المثل من قلة الخيل شدوا على الكلاب سروج.
دحرج الزيباري كرة الخارجية إلى نصف الهاوية العميقة، وترك إكمال المهمة لخلفه المهووس إبراهيم الجعفري، وقد نجح الأخير في إيصال الوزارة الى الحضيض بتعيينات فريق فضائيته الإعلامية بدرجات دبلوماسية عالية في الوزارة، علما أن درجة مستشار تحتاج الى ما لا يقل عن عشرين سنة خدمة في الخارجية وإمتحانات صعبة للغاية سيما في اللغة الأنكليزية. مقابل هذه التعينات الفوضوية كان لا بد أن تعطي الوزارة ثمارها العفنة، وفعلا إستمرت المهازل في الوزارة بشكل فاضح سيما في البعثات خارج العراق.
أول صفعة تلقاها الجعفري من ما يسمى بسفير العراق في البرتغال الموما اليه سابقا، فقد أعتدى ولداه على شاب برتغالي بعمرهما بعد سكر وعربدة في أحدى الخمارات وتولاه بالضرب المبرح، ولم يكتفيا أصحاب التربية الدبلوماسية العالية بالضرب بل دهساه بسيارة السفارة التي تحمل لوحة دبلوماسية وشوها معالم وجهه وجسده. وقد ثارت ثائرة الرأي العام البرتغالي لهذه الجريمة البشعة، ويمكن لوزارة الخارجية البرتغالية أن تتخذ إجراءات مشددة سيما إذا توفي الشاب أو صار معوقا، وربما تعتبر السفير (شخص غير مرغوب) ويطرد من البرتغال، وهي فرصة ثانية لسعد محمد رضا ليعلن اللجوء مرة أخرى في دولة ثانية. ويبدو أن اولاد السفير إستمدا فكرة الميليشيات العراقية بالقتل ورمي الجثث في مكب النفايات، فرموا الشاب البرتغالي قرب مكب نفايات! لا عجب!هذه هي دبلوماسية الإحتلال.
الصفعة الثانية تتعلق بالتهريب، وهذه حالة غريبة وفريدة في العرف الدبلوماسي العراقي لما قبل الإحتلال، فقد قام دبلوماسيان عراقيان في جنيف بعملية إحتيال كبرى عبر إستيراد وإعادة بيع (600000) علبة سجائر في السوق السوداء في شمال غرب فرنسا معفية من الرسوم الضريبية. وغُرم أحد المحتالين (170000) فرنك سويسري، والمحتال الثاني (120000) فرنك، وهذه الغرامة هي أقل من مبلغ التهريب الحقيقي لكون مخالفة التهريب تسقط بمرور بضعة سنوات، لذا فإن ثلث حجم البضائع المهرّبة لا يمكن معاقبة المهربيْن عليه (دخل جيوبهما). وجاء في تقرير نشرته صحيفة (سونتاغس تسايتونغ) أن الشخصيْن أساءا إستخدام الإمتيازات الممنوحة في العادة للدبلوماسيين وبشكل غير قانوني لبيع السجائر المعفاة من الرسوم الجمركية في السوق السوداء في فرنسا على مدى ثلاث سنوات. والأمر المثير أن إجراء السفارة لا يقل خطورة عن عملية التهريب والإحتيال عندما دعمت الدبلوماسيين المحتالين مطالبة السلطات السويسرية بتخفيض مبلغ الغرامة التي هي أصلا مخفضةّ، لكن السلطات السويسرية رفضت طلب السفارة الشاذ الذي يعبر عن جهل دبلوماسي مطبق بالقوانين السويسرية والأعراف الدبلوماسية. ولولا شكوى الغرفة التجارية بهونغ- كونغ للسلطات السويسرية من أن مجهولين قد طلبوا استيراد سجائر نيابة عنها لما إنكشفت الخطة الجهنمية. علما ان الدبلوماسيين المحتالين إستوردا بإسم سفارات أخرى علاوة على هونغ كونع كالسعودية والبحرين وسلطنة عمان، ومن حق هذه السفارات أن تقيم دعاوى على السفارة العراقية لإنتحال الصفة. لاشك أن الدبلوماسيين المحتالين من أبناء العوائل الحاكمة في العراق!
الركلة الأخرى للجعفري جاءت من الأمم المتحدة بعد أن أصدرت بيانا عرت فيه الحكومة الملائكية ـ حسب تعبير الجعفري ـ من ورقة التوت الأخيرة. فقد ذكرت المتحدثة بإسم لجنة حقوق الإنسان (سيسيل بوييه) عن قيام الحكومة العراقية بإعدام (36) عراقي بتهمة قتل طلاب سبياكر، واعتبرت الأمم المتحدة دوافع الإعدام طائفية بحتة ولغرض الإنتقام فقط. كما أشارت بأن المعدومين حُرموا من الحصول على دفاع قانوني ملائم أثناء محاكماتهم، وقد أدينوا على أساس معلومات من مخبرين سريين أو إعترافات إنتزعت تحت الإكراه. كما أن المحامي الذي عينته المحكمة للدفاع على المدعى عليهم لم يتدخل أثناء إجراءات المحاكمة باستثناء بيان مدته ثلاث دقائق قبيل صدور الأحكام القضائية. مما يعني فساد القضاء العراقي في الحكومة الملائكية.
الفساد الذي إستشرى في حكومات الإحتلال دخل كل المرافق الحكومية وتجذر بها، ولا يمكن إصلاح هذه المرافق مطلقا، بل كاذب من يدعي أنه يمكن إصلاح الأوضاع في العراق. بما ان السلطات الثلاث فاسدة لا يمكن أن تنجح أي عملية إصلاح، وهذا ما يجب ان يدركه الشعب العراقي المنوم بأفيون المرجعيات الدينية والسياسية.
أما الجعفري فنقول له ما سمعناه من أحد الأطفال العراقيين وهو يقوم بحركات جميله مع الشعر، لعله يفهم ما أوقعه فيه مارد القمقم، وهناك الكثير من المطبات الدبلوماسية القادمة في الوزارة الملائكية، وما خفي وتسترت عليه الوزارة أعظم.
أنشد الطفل:
يا جعفري قم! مكانك القمقـــم
إرجع الى قم! مع مارد القمقمم
علي الكاش
1485 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع