د. سامان سوراني
لا شك أن جريمة الإغتيال والتصفية الوحشية التي ارتكبتها أيادي الغدر والهمجية المحرضة الصفراء ضد ثلاثة ناشطات كوردستانیات نهار التاسع من شهر كانون الثاني 2013، في إحدی مراكز الإعلام الكوردستاني في قلب العاصمة الفرنسية باريس شأنها شأن سائر الجرائم التي تقام منذ عقود بحق الشعب الكوردستاني و رموزه السياسية نابعة من عقليات فاشية إصطفائية دغمائية ثبوتية لاإنسانية تؤمن بعمائها الإيديولوجي بالتطهير العرقي و الإستئصال الإرهابي.
هذه الجريمة ارتكبتها أطراف تسعى لعرقلة مرحلة الحل الراهنة، مرحلة المفاوضات المباشرة بين الحكومة التركية و حزب العمال الكوردستاني و الحوار من أجل الحل السلمي لقضية أكبر شعب يناضل بوسائله الدفاعية ويسعی إلی تحديث الدول التي تمارس العنف ضده لعصرنة قوانينها و تحويلها من دول تحكمها الأجهزة العسكرية والأمنية الی دول تحكمها القانون وتسود فيها الديمقراطية والتعددية، و ذلك من أجل إرجاع حقوقه الأساسية في العيش علی هذه البسيطة.
إن التصفية الدموية التي تعرضت لها كل من ليلی سويلميز، فيدان دوغان و ساكينه جانسيز لا تقلل من عزيمة الكفاح التحرري السلمي و ثبات الشعب الكوردستاني المؤمن بمستقبله المشرق و حريته و إستقلاله بعد هذه المحنة الخطيرة، بل تجلب معها صفحة و شعلة جديدة من النضال التحرري الدؤوب والمشروع.
ساكينه جانسيز (55 عاماً)، كانت ضمن مجموعة صغيرة من الناشطين الكوردستانيين، الذين أسسوا "الحزب العمال الكوردستاني". تعرضت هذه المناضلة في الثمانينات من القرن الماضي للتعذيب في سجون دياربكر (آمد) بتهمة ميولها "الإنفصالية". إستردت حريتها عام 1991 و توجهت أواخر عام 1992 بتعليمات من رئيس حزبها الی المانيا بهدف تنظيم أنشطة حزب العمال الكوردستاني هناك.
وبمرور الزمن اصبحت ساكينه كادراً مهماً لحزبها في أوروبا، خصوصا لقربها من القائد العسكري الأساسي لحزب العمال الكردستاني مراد "قره ايلان" الذي كان متمركزاً مع نحو الفي مقاتل كوردستاني في جبال قنديل. والأخير أصبح رمزاً لـ"حزب العمال الكوردستاني" تم إعتقال مؤسس الحزب عبد الله اوجلان عام 1999 المتواجد ولحد الآن في سجن جزيرة إيمرالي، شمال شرق تركيا.
التعامل مع القضية الكوردستانية بلغة التهديد والوعيد للتخلي عن الحقوق المشروعة في تقرير المصير و الإنصياع الی أوامر الشوفينيين رسالة تحمل في طياتها ثقافة التحجر و العدوانية و الإستبدادية، لايمكن أن يقبلها شعب يعيش في عصر كوكبي من سماته الإعتماد المتبادل و التأثير المتبادل.
القتلة هم من صنيعة العقلية العنصرية المقيتة التي عشعشت لعقود في الذاكرة التركية بسبب فرض أيديولوجيات عمياء و ممارسات تعصب فاشية رفضت وجود الكورد علی أرض أجدادها و لم تكن مستعدة لمجابهة ظاهرة نشوء حزب العمال الكوردستاني و فاعليتها بعقلية التعددية الفكرية والثقافية أو بإستخدام لغة وسيطة و هوية مفتوحة و هجينة، تؤمن بالحرية في الإعتقاد والتعبير و الإختلاف.
و ليعلم أصحاب العقل الإمبراطوري بأن زمنهم قد ولی في عصرنا هذا، عصر الإنسان الرقمي والعمل الإفتراضي والفاعل الميديائي و لابد الإعتراف بكامل حقوق شعب كوردستان السياسية و الإقتصادية والثقافية و فك الوصاية علی القيم والحقوق والحريات.
نحن نرفض العنف والإرهاب أياً كان مصدره و ندين و نفضح تلك الممارسات اللاإنسانية. وعلی الجهات التي تؤمن بالحل السلمي للقضية الكوردستانية نزع الألغام التي تفجر مشاريع التقريب والحوار والتوحيد والإهتمام ببناء المعادلات و خلق الصيغ الحضارية التي تتيح للمجتمع التركي والكوردستاني التعايش والتواصل أو التعارف والتبادل، بعقلية الشراكة والوساطة و بصورة مدنية تداولية.
وختاماً: نقول لديناصورات الفكر العنصري الشوفيني، التي تفبرك الأوهام الخادعة أو الأحلام المستحيلة علی حساب الشعب الكوردستاني لإنتاج مزيد من الكوارث، بأن حصيلة أعمالهم الإرهابية الهمجية هي مضاعفة الأزمة والورقة الأخيرة بأيديهم، التي هي في طريقها الی الإحتراق.
الدكتور سامان سوراني
792 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع