دحيّم النفطي والانقلابات والمعارضة والديمقراطية

                     

                        د. محمد صالح المسفر

اتصل بي هاتفيا "دحيم النفطي" يوم الثلاثاء الماضي، بعد مرور خمسة أيام على محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، وسألني: هل تتابع ما يجري في تركيا؟ وإن كنت متابعا فلماذا لا تكتب عن "تلك الليلة السوداء في تاريخ تركيا"؟

قلت لمحدثي الصديق دحيّم: أنا أتابع بكل حواسي ما يجري في تركيا والصحف اليومية والأسبوعية، ووسائل الإعلام بكل أنواعها مزدحمة بالمحللين، البعض منهم ظالم والبعض منافق والبعض حاقد والبعض ناصح والبعض عاتب، لهذه الأسباب قلت "خلها تخف الزحمة" في وسائل الإعلام عندها أدلي بدلوي. دحيّم لم يعجبه قولي وراح يذكرني بمواقفي في كل الأزمات، منها موقفي من عاصفة الصحراء 1991، وحصار العراق لأكثر من 13 سنة، واحتلال العراق 2003، وموقفي من المعارضة البحرينية ومواقفي من الخلافات الخليجية-الخليجية، وموقفي من عاصفة الحزم، وغير ذلك من المواقف. يقول دحيم إن المواقف الصادقة تقال في حين وقوع الأحداث لا بعدها، الحديث بعد الأحداث تاريخ وليس رأي. لم يتركني " دحيّم " حتى أخذ مني وعدا أن أكتب عما يجري في تركيا.

(2)

حزب العدالة والتنمية الذي تأسس وعاد 2001، يُتهم بأنه حزب إسلامي، إلا أنه ينفي تلك التهمة. هو ليس معاديا للغرب ونموذج حياته يتبع النظام الاقتصادي الحر، يطمح في انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وتركيا عضو مؤسس في حلف الناتو منذ 1952. حزب العدالة والتنمية أحد الأحزاب الرئيسية في تركيا، فاعل ومؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، وهو الحزب الفائز في الانتخابات العامة، ويوجد ثلاثة أحزاب في المعارضة هي: حزب الشعب الجمهوري (حزب أتاتورك)، وحزب الحركة القومية التركية وهو حزب يميني متطرف ذو ميول إسلامية. وحزب الشعوب الديمقراطي (الأكراد).

حقق حزب العدالة والتنمية إنجازات على كل الصعد إذ تعتبر تركيا الدولة رقم 18 في عهده بين دول العالم في الناتج القومي الإجمالي، متقدمة على المملكة العربية السعودية التي جاء ترتيبها في تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2014 الدولة رقم 19، وإيران ترتيبها 28، والإمارات العربية المتحدة 30، وماليزيا ذات الشهرة في الاقتصاد الآسيوي كانت رقم 35. لديها 120 مليار دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي، وحقق الناتج المحلي الإجمالي تريليون دولار، ومعدل النمو المتوقع لعام 2016 يبلغ 5 % وهو معدل عال بكل المقاييس في الظروف الراهنة.

على المستوى العربي ناصر حزب العدالة والتنمية التركي كل قضايا الشعب العربي، فقد وقف مع غزة في أصعب حالاتها وضح بدماء أبنائه من أجل كسر الحصار عن قطاع غزة الذي تفرضه جمهورية مصر العربية وإسرائيل، وناصر قضية الشعب السوري وآوت ملايين اللاجئين من العراق وسوريا وكذلك مصر. وفي الداخل التركي أجرى أردوغان تعديلات تشريعية تتيح للإسلاميين دخول الوظائف الرسمية بعد أن كانت محظورة عليهم منذ تأسيس الجمهورية بحجة أن الدولة التركية دولة علمانية.

انطلاقا من هذه الإنجازات فلا جدال أن الغرب وبعض الدول العربية ليسوا مرتاحين من السياسة التركية لأن الحزب متهم بأنه حزب إسلامي، وعلى ذلك لن تسمح بعض الدول العربية والغربية بنجاح أي تجربة حزب إسلامي أو شعار إسلامي، وما نشاهده في غزة ومصر دليل على ذلك.

(3)

يقول دحيّم النفطي: الانقلابات العسكرية قادت العرب إلى "ديوان الثالوث التائي"، التخلف والتبعية والتجزئة، والنظم التقليدية أرحم من الأولى، لكن معظمها اعتمدت على البيوتات والحاشية والمرتزقة من المستشارين والمتسلقين، ولم يعتمدوا على الشعب وأهل الغيرة والحكمة والعلم، فهم سندهم وقوتهم وحاميهم عندما تهب العواصف. يذكرني دحيّم حفظه الله بأن فنزويلا في أمريكا اللاتينية، وهي من الدول التي أنهكتها الانقلابات العسكرية، وصل فيها الزعيم هوجو شافيز إلى هرم السلطة السياسية عن طريق الانتخابات عام 1998، ولكن المعارضة لم يعجبها مشروعه الوطني الذي راح يركز على تحسين حياة الشعب بالتعليم والتنمية والصحة والاستقلال السياسي ورفض التبعية لقوى خارجية أو داخلية تابعة للقوى الخارجية. فتربصت القوى المعارضة لذلك المشروع، ودبرت انقلابا ضده في 2002، ونفي إلى إحدى الجزر، لكن الشعب الفنزويلي خرج إلى الشوارع بصدور عارية، يتحدى الانقلابيين ودباباتهم، وفي أقل من 48 ساعة هزموا الجيش الانقلابي وأتباعه المعارضين المرتبطين بالخارج وأعادوا شافيز على أكتافهم إلى سدة الحكم، وبقي حتى لاقى ربه في مارس 2013. في تركيا حدث في مطلع الأسبوع أمر مشابه لأحداث فنزويلا، انقلاب عسكري مستوفي الأركان أعلن الإطاحة بالرئيس طيب رجب أردوغان وأعلن حالة الطوارئ وأشاع أن الرئيس هرب إلى ألمانيا، وخرج الشعب التركي الموالي للرئيس أردوغان والمعارض ليقفوا في وجه دبابات الانقلابيين وحالوا بأجسادهم دون حركة الدبابات ولم ترعبهم الطائرات الحربية التي كانت تقصف بالصواريخ مبنى برلمانهم بيت الديمقراطية، وأفشل الشعب التركي المحاولة الانقلابية في أقل من 24 ساعة. قصدي من وراء ما ذكرت أن لا الجيش ولا القواعد العسكرية الأجنبية (أنجر ليك) ولا الاعتماد على قوى أجنبية يحمي الأنظمة إنما الشعب وليس غيره.

(4)

يقارن دحيّم بين الانقلاب العسكري في مصر (السيسي) والانقلاب التركي، في الأول اصطفت أحزاب المعارضة وأتباعها من العامة مع الجيش وضد الديمقراطية وأسقطوا الرئيس المنتخب ديمقراطيا قبل أن يكمل عامه الأول. في تركيا المعارضة اصطفت مع الشعب إلى جانب الحكومة المنتخبة ووقفت في وجه الانقلاب وتصدوا للجيش بصدورهم العارية دفاعا عن الشرعية، حتى ولو كانوا على خلاف مع السياسات العامة التي تديرها الحكومة. أحزاب المعارضة في مصر قبلت أموالا خارجية للوقوف ضد الشرعية الدستورية. وفي تركيا لم تُقبل تلك الأموال وانتصر الشعب التركي وفشل الشعب المصري في التعامل مع الديمقراطية.

آخر القول: المعارضة الحزبية في الوطن العربي يستمد معظمها قوتها على دولها من قوى خارجية، وهذا يقود البلاد والعباد إلى كوارث سياسية لا حصر لها. فهل تكف عن الاستقواء بالخارج على أوطانها؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1005 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع