د. منار الشوربجي
حين يقول السناتور الديمقراطي الأميركي الأسود، تيم سكوت، إنه تعرض للتوقيف على الطريق من جانب الشرطة سبع مرات خلال عام واحد. ويقول نيوت جينجرتش، رئيس مجلس النواب الأسبق، الأبيض الجمهوري، إن الأميركيين البيض لا يفهمون معنى أن تكون أسود في الولايات المتحدة.
ويستخفون بمستوى التمييز والخطر المضاعف الذي يتعرض له السود، حين تخرج مثل هذه التصريحات، فهذا يعني أن الأضواء صارت مسلطة على محنة سود أميركا أكثر من أي وقت مضى. وهي المحنة التي تتجلى بأشكال مختلفة في أحداث متفرقة عاشتها أميركا مؤخرا. فالأسابيع القليلة الماضية التي بدأت بمقتل شابين أسودين، ألتون سترلنج وفيلاندو كاستيل، على يد الشرطة الأميركية، وانتهت بمقتل خمسة من رجال الشرطة وجرح أربعة آخرين على يد شاب أسود، ميكا جونسون، جسدت مجموعة من العلل، في القلب منها محنة السود.
فرغم أن أهم إنجازات حركة الحقوق المدنية كانت إلغاء التمييز العنصري، الذي كان مقنناً، وكتابة قوانين تحظر التمييز، إلا أن العنصرية والتمييز لا يزالان يمثلان الواقع المعاش للأقليات الأميركية عموماً وللسود خصوصاً.
ومحنة سود أميركا معقدة ومتشابكة. فهي لا تتوقف عند حد العنصرية المستترة وإنما تمتد لتشمل جوانب تم مأسستها، أي اتخذت طابعاً مؤسسياً. والعنصرية، المستترة والمؤسسية، تخلق واقعاً يقف حائلا دون امتلاك السود القدرة على الخروج من دائرة الفقر، ويفتح الباب أمام وقوع الكثيرين منهم إما في براثن الجريمة أو ضحايا لها. فبينما انتهى الفصل العنصري في التعليم في الخمسينات بحكم شهير للمحكمة العليا ثم بقوانين لاحقة، يظل ذلك الفصل واقعاً فعلياً في أغلب المدارس العامة التي يتلقى فيها السود تعليمهم. ولأن الإنفاق على التعليم مهمة المقاطعة والحي، فإن المدارس التي يتعلم فيها السود الفقراء عادة ما تكون فقيرة نظراً لقلة موارد المقاطعة من أموال الضرائب.
وهو ما يعني واقعاً بائساً للمدارس، بدءا بمستوى المعلمين ووصولا للتجهيزات والكتب. وتكون النتيجة عجز أغلب التلاميذ السود عن المنافسة للالتحاق بالتعليم الجامعي أو حتى للالتحاق بالوظائف التي لا تتطلب تعليماً جامعياً، مما يرفع من نسبة البطالة.
والمناطق الفقيرة في المدن الكبرى، التي يقطنها غالبا الأقليات، تكاد تكون منسية مما يجعلها مستودعاً للجريمة. والأكثر معاناة من ارتفاع معدلات الجريمة في مناطق السود الفقيرة هم السود أنفسهم، إذ يعجزون عن حماية أنفسهم من الوقوع ضحايا لها ويكافحون من أجل حماية أبنائهم من الانضمام لها. وحتى أولئك السود الذين يحالفهم الحظ بتعليم أفضل ووظائف أكثر رقياً ويسعون للانتقال من مناطقهم الفقيرة إلى مناطق الطبقة الوسطى، فإنهم يتعرضون للتمييز المستتر في سوق الإسكان.
وقد صار معروفاً للقاصي والداني أن ذلك السوق يسعى لحرمان العائلات السوداء من الطبقة الوسطى من التملك في مناطق الأغلبية البيضاء.
بل وبمجرد أن يزداد عدد الأسر السوداء في منطقة ما، يهرب منها البيض فتصبح المنطقة ذات أغلبية سوداء، فتنخفض في السوق قيمة العقارات، الأمر الذي يعني فقدان تلك الأسر مدخراتها واستثمارها العقاري فتعود للفقر من باب آخر.
والنظام الجنائي القضائي الأميركي يعاني من عنصرية مؤسسية تتجلى في أحكام جنائية بالسجن على السود لمدد أطول بكثير بالمقارنة بالبيض الذين يرتكبون الجريمة نفسها، فضلا عن ميل الشرطة لتوقيف السود على الطرق بنسب أعلى بكثير من تلك التي يتم بها توقيف البيض بل والأقليات الأخرى. أما الأعداد الكبيرة للشباب السود الذين يتم قتلهم على يد رجال الشرطة الأميركية فهي ليست أمراً جديداً ولكنه صار تحت الأضواء في العامين الأخيرين بعد اندلاع المظاهرات احتجاجاً عليه.
ورغم أن كل ذلك لا يعفي مطلقاً الشاب الأسود، ميكا جونسون، من مسؤوليته عن الجريمة البشعة التي ارتكبها الأسبوع الماضي وراح ضحيتها عدد كبير من رجال الشرطة بين قتيل وجريح، إلا أن تلك الجريمة نفسها تلقي بالضوء على علل أميركية أخرى تعمق من محنة السود.
فقد اتضح أن جونسون كان يحتفظ في منزله بعشرات الأسلحة، مثله في ذلك مثل الكثير من الأميركيين. فحيازة السلاح وحمله مسألة يعتبرها الأميركيون حقاً دستورياً وفق تفسير التعديل الثاني للدستور الأميركي. بل ان بعضهم يرى أنه لا يحق للحكومة تنظيم ذلك الحق الدستوري.
وتقول الدراسات إن هناك أكثر من 300 مليون قطعة سلاح في يد المدنيين الأميركيين، وهو رقم مخيف بالنظر إلى ما يمكن ارتكابه بها من جرائم. وسود أميركا، عموماً، من أكثر القطاعات تضرراً من عدم تنظيم عملية حيازة السلاح وحمله ومن أكثر الجماعات تأييداً لوضع حد لذلك.
وسأترك القارئ مع واقعة ليتأمل مغزاها لأنها جرت قبل جريمة ميكا جونسون البشعة بأيام، وهي الاعتصام الذي قاده عدد من النواب السود مع غيرهم لحمل الجمهوريين على التصويت لصالح تنظيم حيازة السلاح.. دون جدوى!
1132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع