لَطيف عَبد سالم العگيلي
هزيمة العرب الكبرى في الخامسِ مِنْ حزيرانِ عام 1967م، الَّتِي تُعَد مِنْ ناحيةِ موضوعية نتائجها العسكرية والديموغرافية أبشع نكسات العرب وأكبرها عَلَى مرِ التأريخ، توافقتْ ذكراها هذا العامِ مع مرورِ أربعة وثلاثين عاماً عَلَى جريمةِ ( إسرائيل ) باجتياحِ دولة عضو في الأممِ المتحدة براً وبحراً وجواً، والتمدد في أرضِها بنهمٍ حتى بيروت عاصمتها عَلَى مسمعٍ ومرأى مِنْ أعينِ القادة العرب، الَذين صموا الآذان.
تسعةٌ وأربعونَ عاماً على نكبةِ العرب، الَّتِي لم تنته تبعاتها، وجراحها لم تندمل حتى اليوم بعد أنْ حملت في أحشائِها عورات الخيانة وبذور الذل والهوان بفعلِ ما ترتب عليها مِنْ نتائجٍ وخيمة، في القلبِ منها ضم ( إسرائيل ) لأراضٍ عربيةٍ جديدة، بعد استيلائها عَلَى قطاعِ غزة وشبه جزيرة سيناء في الجانبِ المصري، واقتطاعِها للضفةِ الغربية والقدس والمسجد الأقصى وفصلها عن السيادةِ الأردنيّة، بالإضافةِ إلى بسطِ نفوذها عَلَى هضبةِ الجولان السورية، والَّتِي كانت توصف عَلَى الدوامِ باسمِ القلعة الحصينة، الأمر الَذي ألزم الإعلام المؤيد للصهاينةِ الإصرار عَلَى الإشارة إلى حربِ حزيران باسمِ ( حرب الأيام الستة )؛ تفاخراً باحتلالِ كامل التراب الفلسطيني في أعقابِ الهزيمة المنكرة للجيوشِ العربية.
إنَّ العربَ مثلما قالتها يوماً دبلوماسية أميركية في بيروت، لا يركنون إلى الاستفادةِ مِنْ التأريخِ بعد أنْ اعتادوا عَلَى افتقارهم الجرأة، الَّتِي تملي عليهم الاعتراف بهزائمِهم أو استيعابها بقصدِ توظيف العبر والدروس المستنبطة منها في مهمةِ المواجهة المستقبلية. إذ أنَّ القياداتَ العربية منذ مؤتمر مدريد للسلامِ عام 1991م وحتى اللحظة، ما تَزال تجاهد حد التوسل لتطبيقِ مبدأ ( الأرض مقابل السلام )، الَذي ينصّ على العودةِ لما قبل حدود حرب حزيران لقاء اعتراف العرب بـ ( إسرائيل )، ومسالمتهم إياها بعد أنْ خلعوا رداء ( لاءات ) مؤتمر قمة الخرطوم الثلاثة. وأدهى ذلك أنَّ بعضَ الدول العربيّة باتت تقيم علاقات سياسيّة أو اقتصادية بشكلٍ منفرد مع ( إسرائيل ) على الرغمِ مِنْ تهجيرِ ( إسرائيل ) لعشراتِ الآلاف مِنْ الفلسطينيين، الَذين يسكنون الضفة الغربية، وتبنيها سياسات عنصرية أفضتْ إلى محوِ قرى فلسطينية بأكملِها، فضلاً عن تهجير غالبية سكان مدن قناة السويس المصرية والقنيطرة السورية، بالإضافةِ إلى الركونِ لنهجِ فتحِ باب الاستيطان في القدسِ الشرقية والضفة الغربية!!.
وَهمُ وحدتهم، وخنوع إدارة جامعتهم الهرمة لإملاءاتٍ خارجية، وكثرة الشبهات المثارة حَوْلَ توحيد رؤى قادتهم، لم يكن بوسعِ مجملها إخفاء عورتهم، والَّتِي تفنن عرابو تجهيل الشعوب في إحاطتِها بهالةٍ مِنْ مرتكزات الدولة المدنية، ولاسيَّما الَّتِي يتمحور منها حول الشرعية، مكافحة الإرهاب، الحريات العامة، حرية التعبير وغيرها مِنْ مفاهيم دولة المؤسسات، والَّتِي لم تجنِ منها الشعوب العربية سوى كرامة مسلوبة وجهل وتخلف، فتخصيصات التربية والتعليم في البلدانِ العربية الغنية عَلَى سبيلِ المثال لا الحصر لم ترتقِ إلى مستوى البذخ في الإنفاقِ عَلَى سباقاتِ الخيل والجمال!!.
الذكرى التاسعة والأربعون لنكسةِ الخامس مِنْ حزيران، تُطرق اليوم أعتى ما تبقى مِنْ هيبةِ أبواب المجتمعات العربية، الَّتِي مزقتْ حرمتها فُرقِة الأشقاء، وكرس ضعفها تمسك القيادات العربية الضالعة بالخنوعِ والهزالة والخيانة في الحرصِ عَلَى تنفيذِ أجندات الإمبريالية العالمية وبقية أولياء نعمتها، فأصبحت شعوب لغة الضاد أشبه بامرأةٍ استكانت لفقدِ شرفها ولم تُعَد تشعر بالرغبةِ في فعلِ أي شيء إزاء مَنْ سلب إرادتها بعد أنْ تمكن الصدأ مِنْ سيوفِ قادتها، الَذين حرفوا بوصلة المقاومة عن أرضِ فلسطين السليبة وقلبها النابض القدس، الَّتِي تركوها في دوامةِ الأسر وجميعهم غير آبه بما يعنيه ضياعها، وتمسك الكيان الصهيوني الغاصب بتهويدِها وجعلها عاصمة للدولةِ اليهوديّة، فلا عجب أنْ تفتك ترسانة العرب الحربية بالمدنِ العربية وتحيلها ركاماً، ولا غرابة في إهانةِ أموال العرب للنساءِ العربيات وسلبهن كرامتهن.
مِنْ نافلةِ القول إنَّ هزيمةَ العرب الكبرى في حزيران مِنْ عام 1967 م، الَّتِي انجلت بحسبِ الوثائق العربية عن مقتلِ نحو ( 15 – 25 ) ألف مقاتل عربي قبالة ( 800 ) مجند إسرائيلي، فضلاً عن تدميرِ ما يقرب من ( 70 – 80 % ) من القدرات العسكرية العربية مقابل ( 2 – 5 % ) من السلاح الإسرائيلي، أفضى ما ترتب عليها مِنْ نتائجٍ كارثية جديدة إلى تكريسِ إخفاقات العرب في حربِ عام 1948 م، ولاسيَّما آثارها الانعكاسية عَلَى الشارع العربي، الَذي أصيب بالإحباطِ بعد أنْ سقط في وحلِ هزيمتها دوي خطب القادة العرب بشأنِ جهوزيتهم لتحريرِ فلسطين ورمي من أغتصبها طعماً للكائناتِ الحية في البحر، حيث أكملت ( إسرائيل ) في حربِ حزيران ما بدأته في عامِ 1948 م من اغتصابٍ لأرضِ فلسطين حين منحتها هزالة القيادات العربية وضعفها المتأتي مِنْ تأصلِ عقدة الخذلان داخل نفوسهم فرصة تاريخية للاستيلاءِ عَلَى كاملِ الأرض الفلسطينية، بالإضافةِ إلى ضمِ مساحات شاسعة مِنْ أراضٍ تعود لدولٍ عربية أخرى!!.
في ذكرى نكبة حزيران عام 1967 م، الَّتِي تُعَدُّ نتاجاً لثالثِ حرب ضمن الصراع العربي - الإسرائيلي، يتجدَّد ألم جراحات الشعوب العربية، وتتصاعد وتائر معاناة الغيارى مِنْ شبحِ ضياع الهوية الإسلامية في ظلِ عبثية سياسات القادة العرب، الَذين انغمسوا بملذاتِهم غير مبالين بما آل إليه جنوحهم في مستنقعِ تبديد الثروات العربية مِنْ صعوباتٍ سياسية واقتصادية وأمنية ما تزال غيومها السوداء تخيم عَلَى المشهدِ العربي المرتبك. إذ لا مناص مِنْ الإذعانِ إلى حقيقةِ تشبع المواطن العربي بالروحِ الانهزامية، الَّتِي فرضتها عليه قسراً سياسات الإذلال والاستهانة والاستبداد لحكوماتِ الخوف العربية، الَّتِي ما انفكت عن التشدقِ بمصطلحات الوطنية والسيادة والتحرر، إلى جانبِ كثرة أحاديثها المتضمنة إعلانها عَنْ قربِ الصلاة في المسجدِ الأقصى في ظلِ تراكم رماد الهزائم واتساع مساحة التخلف، فلا عَجَبَ أنْ يستذكر العرب نكستهم بإذكاءِ الصراعات ( العربية - العربية )، في وقتٍ يرفع فيه آلاف المستوطنين الأعلامِ الإسرائيلية وهم منهمكين بالرقصِ في القدسِ العتيقة لمناسبةِ حلول خيبة العرب، ولا غرابة في تأكيدِ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه بشكلٍ تام أي حديث بشأنِ إعادة تقسيم القدس، فَشَتّانَ ما بين مِنْ يردد شعارات مثل ( باقون في القدس )، ( سنبني الهيكل ) و ( لن نغادر القدس )، وما بين مِنْ يرفع شعارات زائفة بقصدِ تجهيلِ شعبه!!.
1127 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع