ما وراء هجوم ترامب على المسلمين

                                                 

                              د. منار الشوربجي


لم يكن العالم، ومعه الكثير من الأميركيين، في حاجة لجريمة بشعة مثل جريمة أورلاندو، ليعرفوا أن موقف دونالد ترامب من الإسلام والمسلمين، مبني على عنصرية مقيتة، مبنية على جهل مطبق، ومن ثم، لا تخص الإسلام والمسلمين وحدهم، وإنما تنطبق على كل من هو مختلف.

فالرجل ظل طوال أسابيع طويلة، ينفث سمومه تجاه كل من هو مختلف في العرق أو اللون أو الثقافة أو الدين. لكن يبدو أن الخطاب الذي ألقاه عقب الجريمة، كان قد جمع أكثر من مقولة قديمة من مقولاته مرة واحدة، فأثار ذعر الكثيرين. ومن يشاهد الخطاب ويستمع لكلماته مباشرة، يشعر وكأن ترامب يعيش في عالم مغلق، لم يرَ فيه مسلمين، ولم يتعامل معهم قط.

فالخطاب يصورهم على أنهم كائنات من نوع خاص.

فعليهم «أن يعملوا معنا. فهم يعرفون ما يجرى ويعرفون أنه كان شخصاً شريراً». فالمسلمون في أميركا «جميعاً» كانوا يعرفون المدعو عمر متين، ويعرفون ما كان يدبر، بل وكانوا يعرفون أنه شخص سيئ!، ولأنهم كانوا يعرفون ولم يبلغوا عنه، فإن عليهم أن «يعملوا معنا»، فالمسلمون الأميركيون، عند ترامب، ليسوا طبعاً جزءاً من «نحن» الأميركية!، بعبارة أخرى، فإن ملايين المسلمين الأميركيين، عن بكرة أبيهم، كانوا يعلمون ما يجري والتزموا، عن بكرة أبيهم، الصمت!، وفى فصول الدرس، لو أن طالباً تحدث بتلك المفردات، لا بد أن يقاطعه أستاذه قائلاً «مهلاً يا بنى. أنت ترتكب خطأين، لا يجوز التغاضي عنهما. أولهما، أنك قمت بما نسميه في العلوم الإنسانية باستخدام «الصور النمطية».

والصورة النمطية هي إطلاق صفة سلبية على عدد كبير من البشر، واعتبارهم جميعاً في سلة واحدة، لهم نفس تلك الصفة. وثانيهما، أنك أطلقت، دون دليل، حكماً على ملايين البشر، تتهمهم بأنهم كانوا على دراية بأمر جريمة قبل ارتكابها.

لكن ترامب ليس شاباً في مقتبل عمره في حاجة للتدريب والتعليم، وإنما شيخ أتم عامه السبعين الأسبوع الماضي، ورجل أعمال ناجح، صاحب ملايين، لا بد أن لديه خبرات حياتية. ومن ثم، فإن ما قاله لا بد أنه نابع من رؤيته للحياة من حوله، ومن موقف سياسي يؤمن به عن قناعة.

وقد ارتكب ترامب الخطأ نفسه، حين حمل والدي متين، المسؤولية عن جريمة ابنهما. فقال إن «السبب الوحيد لوجود القاتل في أميركا، هو أننا سمحنا لأسرته بأن تأتى إلى هنا». فالقضية عنده إذن، أن الأسر المهاجرة مدانة أصلاً، ونسي أن القاتل ولد في نيويورك، وعاش في الولايات المتحدة طيلة حياته.

ليس هذا فقط، إذ يبدو أن ترامب لا يعرف أين تقع أفغانستان على خريطة العالم، ولا الفارق بينها وبين سوريا. فهو بعد أن قال بنفسه إن أسرة القاتل تنتمي لأصول أفغانية، صب جام غضبه على اللاجئين السوريين! فهو طالب بوقف «التدفق المذهل» للاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة، وزعم أن هناك من أولئك اللاجئين، من لا تعرف السلطات الأميركية عنهم شيئاً بعد دخولهم الأراضي الأميركية «وليس معهم أوراق توثيق ولا نعرف ماذا يدبرون».

والمفارقة هنا، أن عدد اللاجئين السوريين الذين وصلوا لأميركا خلال العام الحالي، لم يتعد الثلاثة آلاف، وهو رقم ضئيل للغاية، بالمقارنة بالأعداد التي هاجرت لأوروبا مثلاً. ولو أن تلميذاً قال ما قاله ترامب، لنبهه أستاذه لضرورة مراجعة خريطة العالم، ولنصحه باستخدام، ولو شبكة المعلومات، للتأكد من معلوماته قبل أن يقولها.

ولم ينسَ ترامب طبعاً، أن يهنئ نفسه، لأنه هو الذي دعا لحظر دخول المسلمين، كل المسلمين، الأراضي الأميركية. ثم تعهد، حين يصبح رئيساً، بأن يوقف الهجرة من «مناطق» (لا مجرد دول حتى) «لها تاريخ ثابت من الإرهاب ضد الولايات المتحدة أو أوروبا أو حلفائنا، إلى أن نفهم كيف نواجه هذا التهديد». ولو أن ترامب يجلس في مقهى، وقال ما قال أمام أقرانه، لصاح أي نابه منهم متعجباً «مناطق بأسرها؟!»، وربما لحقه آخر ليقول «كيف يفيدك هذا إلى أن تفهم كيف تواجه التهديد؟!» وما معنى «إلى أن نفهم» تلك؟.

لكن ترامب أجاب عن كل أسئلة التعجب التي قد تعن لك، عزيزي القارئ، بإعلانه عن أمرين لا علاقة لهما بالإسلام ولا المسلمين. ففيهما ما يشير بوضوح لرؤيته للعالم من حوله.

أولهما، أنه قرر سحب تصريح صحيفة الواشنطن بوست، الذي يقوم مراسلوها بموجبه، بمتابعة حملته ميدانياً، لأنه يعتبر تغطيتها «معادية» له، وثانيهما، أنه قال إنه سيستخدم «القرارات التنفيذية» لحظر دخول المسلمين الأراضي الأميركية حين يصبح رئيساً، أي أنه سيفعل ما يتراءى له دون موافقة الكونغرس. فالحظر يحتاج لإصدار قانون. أما القرار التنفيذي، فهو أداة في يد الرئيس وحده.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1130 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع