عراقي محترق
منذ (13) عاماً وبمعدلات يومية ما زالت العشرات من أرواح العراقيين الأبرياء تعلو إلى السماء وسط زهو حكامهم الجدد بإستثمارهم لمصطلحات الإستشهاد في سبيل العقيدة ومحاربة هذا وذاك،
فيما تتهرّأ الأجساد في شوارع عاصمتهم العريقة ومدنهم الكبرى وبين مبانيها ومتنزّهاتها وأسواقها الشعبية، يتوسطها تخبّط جلي في تصريحات قادة "العراق الجديد" فضلاً عمّا يُسَمَّونَ شخوصهم بـ((ممثلي الشعب المنتخبين ديمقراطياً!!!؟؟؟)) من نوّاب ما يُطلَقُ عليهم بـ((أصحاب السلطة التشريعية!!!))، فإن "العراق الجديد" وبعد إنقضاء تلكم الأعوام العُجاف ما زال محتاراً يترنح في أمره ولا يرى بصيص أمل في نهاية نفقه المظلم والمليء بالأفاعي والعقارب والخفافيش وأسماك القرش والحيتان القاتلة، لعله ينجو ممّا إعتراه من وَيلات ندرت مثيلاتها في تأريخ العالم القديم والوسيط والحديث والمُعاصر...
فهل من ((حلّ أنجع)) لمعضلاته -التي إستوطنت في عموم البلاد بإنقضاء الأعوام- إبتغاء تخليصه من براثن الآلام والأحزان وصراخ الثكالى ودموع الملكومين وكوارث الأرامل وبؤس الأيتام الذين بلغ تعدادهم ((الملايين))؟؟؟!!!.
فمصطلحات ((الإتحادية، الدستورية، دولة المؤسسات، الفيدرالية، الديمقراطية، التعدّدية، الحرّية، الشفّافية، النزاهة، إجتثاث البعث، والأجندات)) وأخريات رنّانات وطنّانات، لم تعد تنطلي على مسامعهم وعقولهم، بل أن جميع الحكومات المتتالية الفاسدة والمبنية على المحاصصة والمصالحية والطائفية إنتكست وفشلت فظلت مُتخبِّطة في أمرها بقذف اللائمة على الإحتلال تارة ونحو دول الجوار تارةً أخرى، وإلصاق التُهَم نحو "التكفيريّين، الصداميين، البعثيّين، فلول النظام السابق، النَواصب، القاعدة، داعش وماعش" تارةً ثالثة، وأزاء الذين يرومون -حسب إجتهادها- إستثمار هذه الأحداث لأغراض إنتخابية تارةً رابعة... تلك ((التـُرَّهات)) التي لم يعد بإقتدارهم تمريرها على المواطن العراقي الذي بات مبتغاه ليس تأمين الخدمات والمباشرة بالإعمار وإنجاز مشاريع عملاقة موعودة ضمن المناهج الوزارية المُعلَنة ورفع الأزبال والنفايات والأوساخ وشقّ البطرق وإكساء الشوارع وإستحداث الأحياء وإنشاء العمارات وبناء ناطحات سحاب والقضاء على مشكلة السكن وتخصيص قطعة أرض سكنية لكل عراقي ورفع شأنه ومستوى معيشته ودخله والحد من البطالة والحدّ من الفساد الإداري ومحاسبة سارقي أمواله والقضاء المبرم على المحسوبيات والمُحاصصات ومضاعفة طاقات الكهرباء وتأمين الماء الصافي، بل أمسى أعظم أحلامه وجل همومه أن يعود وأبناؤه ونساؤه وأولاده سالمين مُعافين مساء يومه الكئيب ليس إلاّ!!!!...
فتغيير الوزراء والرئاسات الثلاث -أو الأربع- ومجلس القضاء الأعلى ومجالس المحافظات والمحافظين وإستجواب هذا وذاك وإستجلاب وزير مسؤول وإستضافة ثانٍ وإستنطاق لغاية ما وثالث لغرض في نفس يعقوب، ومراوسة مناصب كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وفتح عشرات التحقيقات من دون إعلان نتائجها للحيلولة دون إزعاج خواطر هذا السياسي الفاسد وتلك الكتلة المتعجرفة ولو على حساب أرواح العراقيين ودمائهم وأجسادهم وممتلكاتهم وأموالهم المسلوبة، فقد أضحى شعب العراق يعدّها تسييراً لمصالح كبار الساسة الذين لم يكن مُبتغاهم منذ (2003) سوى اللهث والتسابق للإستحواذ على أكبر قطعة مُستَساغة من "الكعكة العراقية الدسمة" قبل أن تنفد التوقيتات المفترضة لتمتّعهم بكراسيهم وسط سلطات الدولة الثلاث -أو الأربع- قبل أن يودّعوا ((منازلهم المؤقّتة)) وسط ((المنطقة الخضراء وأحيائهم المحصنة)) عائدين إلى ((أوطانهم الأصل)) لدى تلك الدولة الغربية أو الشرقية التي آوَتهُم مخابراتها مع عوائلهم ومنحتهم الجنسيات والجوازات وأغدقت عليهم الأموال خلال سنوات ((نضالهم المرير!!!)) و((كفاحهم العتيد!!)) حيال ((النظام الصدّامي؟؟!!)) الذي لم يكن بإمكان أحد سوى الأمريكيين إسقاطه بقوّة السلاح المدمِّر وغير المُتكافئ.
واليوم وقد مضى (13) عاماً على الغزو الأمريكي-البريطاني وطرح تلك المصطلحات، بل أضيفت إليها ((الحفاظ على العملية السياسية، المساءلة والعدالة، الإستحقاقات الإنتخابية، الخطط المستقبلية، وضرورات التفرغ لمحاربة "داعش")) وإنقضت (10) أعوام على مزاعم ((خطط فرض القانون، سبل إستتباب الأمن، تقديم أفضل الخدمات، وجوب القضاء على الفساد والحد من السرقات))، فإن الأوضاع تراجعت وتفاقمت ليغلي الشارع العراقي ويُصيبه إحباط ما بعده إحباط، ويفقد تلك الثقة الضئيلة إثر تلاحق الحكومات وسلطات الدولة ومؤسّساتها التي أُهدِرَتْ عليها مئات المليارات من الدولارات ((عدا المسروقة)) التي أُنزِلَت في الجيوب وهُرِّبَت إلى الخارج من دون تحقيق أي شيء لصالحه أو إنجاز ما يستحقّ أي ثناء لأجله...
والآن نتساءل عن إحتمالات حل ناجع لمعضلة العراق إبتغاء إخراجه من مستنقعه الرهيب وبئره العميق؟؟؟؟؟.
ولربما يتّهمني البعض من قرّاء هذه السطور أني أتحدث بعقلية ميالة نحو الإنقلابات العسكرية... ولكن تأريخ شعب العراق القديم والوسيط والحديث والمعاصر، فضلاً عن واقع حاله، يُجبر أيّ إنسان ذي مدرك متواضع يبتغي تخليص هذا الشعب المنكوب والوطن المدمّر ممّا لحق به من ظلم وجَور وفقر وقتل وسجن وحجر وفقدان وإختطاف وسرقة أموال خلال عقد ونيّف من الزمان أن لا ينحو سوى العودة إلى ((المربّع الصفر)) ولو على مضض، وحتى لو عاد الإحتلال الأمريكي -على علاّته وجرائمه في العراق- وأرجع جيوشه إلى أواسط "بلاد الرافدين" المنكوبة، وشكَّلَ ((حكومة طوارئ)) وعَيَّن أعضاءها في العاصمة ومراكز المحافظات من عسكريين ومدنيين أكفاء ومحنّكين ذوي خبرة وماضٍ نظيف من أولئك المعروفين بمداركهم وتوجهاتهم الوطنية -وما أكثرهم بالعراق- وأعلنوا الأحكام العُرفية وإلغوا سلطات الدولة ((الأربع وليس الثلاث الفاسدات والمفسدات)) لسنتين أو ثلاث قادمات، وجمّدوا ما يسمّى بـ"الدستور الإتحادي" وتلك القوانين والأوامر الرئاسية والديوانية والوزارية والقرارات والتعليمات المُقرّة خلال الأعوام الماضيات، وحذفوا بؤرة الفساد الممثل بـ"مجلس النواب" من قائمة العراق الراهن، وغلقوا الحدود بالتضامن مع دول الجوار ومسكوها بقوات دولية تُستَجلَب لهذا الغرض، وحدّدوا التنقّل غير المُبَرّر بين المحافظات إلى أجل غير مسمّى تمهيداً لإلقاء القبض سراعاً على كل من ألحق أو تسبّبَ في أذىً بشعب العراق وأرضه ومياهه وأمواله، وقدموهم أمام ((محاكم عرفية)) تؤسس في كل محافظة عراقية لمحاسبتهم عمّا إقترفته أيديهم من جرائم وسرقات سواء في العلن أو وراء السِتار، وطهَّروا القوات المسلحة القائمة والشرطة وجميع الأجهزة الأمنية والمخابراتية وكلّ الوزارات السيادية والخدمية من فاسديها ومفسديها قبل المباشرة بإعادة تأسيسها مجدداً وفقاً لمرتكزات وطنية ومهنية بعيدة عن تأثيرات قادة الكتل السياسية والدينية والمذهبية والعرقية وتدخّلات الحثالات والسفلة الذين أثبتوا -بكل جدارة- أنهم ليسوا أهلاً لحكم هذا البلد وتسيير أموره، وسحبوا السلاح من بين أيدي جميع الفصائل المسلحة عُنوةً ومن مساكن المواطنين بأقسى وسائل الترهيب وأفضل أساليب الترغيب، ولَكموا بيد من فولاذ على وجه كل من تسوِّل له ذاته مواجهة "حكومة الطوارئ" وسلطاتها، شريطة أن لا يخطر ببالهم إنتخابات عامة أو محلية بشكل مطلق ريثما يتحقّق الأمن ويتم التخلّص من الإرهاب والجريمة المنظّمة إلى جانب القضاء المبرم على الإرتشاء والإختلاس والفساد المالي والإداري والمحسوبية التي عمّت جميع مناحي مؤسسات الدولة من أعلى رأس الهرم وحتى أسفل سفوحه... كل ذلك تمهيداً للإمساك بزمام الحكم الذي تاه وبات خارجاً عن القيادة والسيطرة... على أن يتوازى كل تلكم الخطوات بعمل جادّ وحثيث ليل نهار -تحت سطوة الأحكام العرفية والإندفاع المخلص لبناء الوطن- لإعادة الخدمات ومتطلّبات الحياة اليومية إلى "بغداد" وعموم البلاد بأقصى سرعة ممكنة إبتغاء كسب محبّة المواطن العراقي ورضاه ومشاعره لصالح حكومة الطوارئ.
وقد يكون هناك من يطرح قولاً بأن هذه الخطوات ربما تودي بالعراق الجريح-المحترق-المدمّر إلى أتون ((حرب أهلية)) لا يُعرَف مداها ولا يُتَصَوَّر نتائجها... فأُجيبه:-
أن هذه الحرب المفترضة -لو وقعت على أسوأ الإحتمالات وأعظم الظنون- فإنها ستضع أوزارها ضمن فترة محدودة بفضل القضاء على قيادييها وتحجيم نفوذهم على أقلّ تقدير تحت سطوة قوانين الطوارئ وقوة السلاح المنحسر بيد الدولة ورغبة الشعب العراقي في التواؤم والتلاحم وإستعداده لتناسي ما حصل بالماضي القريب من مآسٍ وكوارث بتأثير الفاسدين من قادة الأحزاب والكتل السياسية العاثّـين في ربوع الوطن فساداً وإرهاباً وإجراماً في الظاهر والباطن بغية الإحتفاظ على كراسيّهم التي لم يكونوا يحلمون بها في يقظتهم، والذين لم يقتدروا على مسك زمام حكم البلد وتأمين أدنى متطلباته وتحقيق الأمن والأمان في ربوعه وتحقيق الحدّ الأدنى من مصالحه ومتطلبات حياته اليومية... لذلك فإن تلكم الحرب -التي قد تطال أسابيع معدودات- لهي أفضل بكثير من أن يظلّ هذا الشعب في أتون سيول من الدماء وتناثر الأجساد بمعدّلات يومية، وأوانئذٍ سيكون للعراقيين بصيص من الأمل المنشود يتشبّثون به في نهاية نفقهم المظلم... ولكل ذلك ربما أجد نفسي في هذا الشأن واقعياً ومنطقياً، ولستُ شبيهاً بغريق يحاول التشبّث لإنقاذ ذاته بقشّة.
ذلك هو الحلّ الأمثل -إن لم يكن الأوحد- لإخراج العراق شعباً وأرضاً من محنته العصيبة المصحوبة بدماء مواطنيه الغزيرة والتي ترسخت كوارثها وطالت أوزارها... وإلاّ فالأمريكيون وزعماء دول الجوار الحاقدة على العراق نستشعر بأنهم -هُم- الذين خطّطوا لذلك وهم كذلك راغبون وبإصرار في مواصلة إبقائنا على حالنا لأجل غير مسمّىً، وليسوا آبِهين بما يحصل في هذا البلد ولا يحسبونه -مثلما يدّعي معظم وسائل إعلامهم- مستنقعاً يغوصون فيه.
ولكن ربما يقول أحدهم أن الذي أطرحه لا يعدو سوى أحلام ورؤىً نظرية غير قابلة للتطبيق.... فأقرّ بذلك لأسباب عديدة:-
1.أن الذي يمكن أن يقدم على مثل هذه الخطوة هو "الولايات المتحدة الأمريكية" وليس سواها، لما تمتلكه من إمكانات هائلة وخبرة واسعة في تغيير الأنظمة، ناهيك عن سطوتها في "العراق الجديد" ومعرفتها المعمّقة بشخوص السياسيين الذين جاءت بهم ونصَّبتهم في السلطة وجثـّمتهم على صدورنا منذ (2003).
2.أن "واشنطن" تعاملت عن كثب مع العديد من القادة العسكريين القائمين حالياً على أمور القوات المسلحة العراقية، رغم عدم إحتواء صفوفهم أحداً يمكن إعتباره صاحب ذرة من الغيرة والشهامة كالذي إتصف به رجل كـ"المشير الركن عبدالفتاح السيسي" الذي كانت تحت إمرته قوات مسلحة ظلت متماسكة ولم تخض في أمور السياسة وسط أحلك ظرف أصاب "مصر" عام (2011) خلال ثورة شعبها الغيور وإعتصامه وإصراره على تغيير النظام الحاكم... يقابله إرتباط كل قائد عسكري وأمني عراقي -من دون إستثناء- برئيس كتلة سياسية فاسد أو حزب متعفن، وقد عيّنه في منصبه جاعلاً إياه ذيلاً وتابعاً يقبل يديه صباح مساء كونه يتنعم بأعلى الرتب والمناصب والنفوذ التي حققت له سحتاً حراماً بملايين الدولارات، فضلاً عن كون التشكيلات التي تحت إمرة كل منهم قد أُسِّسَت وفقاً لأهواء طائفية ومذهبية وعرقية ترهّلت وتتخّمت بفساد مالي وإداري ليس له مثيل في كل العالم والتأريخ، يملؤها مئات الألوف من أصحاب الأسماء الموهومة ممن يسمّون بـ(الفضائيين).
3.يتطلب مثل هذه الخطوة تنسيقاً بين "واشنطن وطهران"، فليس من صالح الأخيرة ضياع مكتسباتها في أرض "العراق" ومعظم مدنه ووسط سلطاته الأربع، وترسيخ العشرات من الفصائل ((الثورية)) المسلحة والمؤتمرة بأوامرها وتوجيهاتها في معظم البلاد والمتحكمة في أخطر القرارات السياسية... ولكن "إيران" -وإستقراءً لتأريخها البعيد والقريب- تتراجع عادة وقتما تستشعر أن هناك قوة مقتدرة قبالتها... وأضيف أن ليس من مصلحة "إيران" مطلقاً أن يعود العراقيون -حتى بعد عقود من الزمن- إلى سابق عهدهم وقوتهم ليشكّلوا سداً منيعاً أمام رؤاها وبوّابة شرقية للدفاع أزاءها.
4.والأنكى من كل ذلك أن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" الذي أسرع في سحب قواته من العراق الجريح والمتشبث بمنتصف البئر وذلك حفاظاً على أرواح عساكره وأموال بلاده!!! فهل يُعقل أن يتخذ قراراً لسواد عيون العراقيين ويعيد قواته كي ينقذهم وقد باتوا في قعر البئر؟؟؟؟
1138 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع