وفيق السامرائي
بعد أن فشلت مشاريع تحريض مكونات الشعب السوري، التي تدخل ضمن مصطلحات الأقليات المدرجة في فلسفة النظريات الشوفينية، على الثورة، والتقدم الكبير الذي أحرزه الثوار في حلب، وفشل مشروع تفكيك النسيج الوطني على أسس تآمرية حاول فصيل كردي الترويج لها، طبقا لتحضيرات واتفاقات مسبقة تمت في مدينة أربيل برعاية من رئيس إقليم كردستان.
ونتيجة التطور السريع الذي قاد إلى بدء الصفحات التمهيدية لمعركة دمشق الكبرى، تأكد سحب تشكيلات قتالية إلى قلب العاصمة، ونشرها في مناطق مختلفة، منها جبل قاسيون وغيره، وحشد عدد كبير من وحدات المدفعية والصواريخ، لمحاولة استدراج قوات الجيش الحر إلى مناطق قتل مهيأة مسبقا، تحت كثافة نارية كبيرة.
في ضوء هذه الصورة، أثبت الثوار قدرة واضحة على تشخيص النيات المعادية، والتريث في تنفيذ الاندفاعات العميقة، وهو ما زاد من يأس قيادة السلطة ودفعها إلى تصرفات طائشة على غرار إطلاق صواريخ «سكود» على أهداف مدنية، مسجلة سابقة فريدة من التهور في كل عمليات مجابهة الثورات والأحداث الداخلية. إضافة إلى التلويح باستخدام الأسلحة الكيماوية من خلال توزيع تجهيزات الوقاية على القوات العاملة تحت قيادة السلطة، وتكرار الحديث عن تحريك بعض المواد، وتأكيد الامتناع عن استخدامها، وهو تأكيد يفهم بطريقة معاكسة، وفقا للطروحات الأخيرة لوزير الإعلام السوري، الذي يحاول التظاهر بأن سلطتهم تمسك بزمام الأمور وما هي إلا مسألة وقت ويحسم الصراع لمصلحتهم.
طبقا لما هو متاح من معلومات وتصورات، فإن قيادات الجيش الحر تفتقر إلى وجود مقر قيادة مركزي، وقيادة جوالة، وجهاز استخبارات مركزي يتولى توجيه الفروع المنتشرة ضمن مناطق المجالس العسكرية، وهي مهمة بالغة الضرورة، تقع على عاتق كبار الضباط العاملين مع الثوار، وعلى عاتق الأجهزة الصديقة، غربية وعربية وإقليمية. ورغم هذا النقص فإن الوعي الميداني أحبط خطط السلطة لاستدراجهم لتطوير معركة دمشق وفق حسابات غير محكمة النهايات، وانعكس إيجابا بإطالة مدة الصفحات التمهيدية، وهي مدة افتراضية في كل حسابات الجيوش تتوقف على سير العمليات القتالية ومكاسبها، والمناورة بجزء من الكتائب تجاه الساحل.
ويبدو أن نشاطات ومناورات وتحركات السلطة أصبحت واضحة أمام الثوار، فيما يتعلق بمرحلة ما بعد معركة دمشق، ومحاولات التحضير المستمر لقبول معركة فاصلة في منطقة الساحل، حيث بدأت السلطة بنقل قوات وتجهيزات وأسلحة، ومن المرجح نقل أسلحة كيماوية أيضا لتكون قوة ردع للمرحلة الحاسمة. وأسس إدراك المعارضة لهذه المعطيات، لوضع خطط للمناورة بقوات وجهد، ووضع خطط لتحريك الوضع في المناطق الساحلية بين اللاذقية وطرطوس، لإرباك قدرة السلطة على إدارة الصراع وتشتيت جهدها العسكري، لتسهيل معركة دمشق الكبرى، فكلما اتسعت جبهات الصراع تعذرت قدرة تأمين السلطة لطرق الإمداد على اتجاهات مختلفة.
التهديد المحتمل تصعيده خلال الأسابيع القادمة يدفع السلطة إلى نقل قوات أكثر من منطقة دمشق؛ لأن المعارك هناك لم تعد خاضعة لمنطق السيطرة، فالاختراقات مستمرة في قلب العاصمة، رغم حالات من الهدوء تنقل بين فترة وأخرى إعلاميا، لإعطاء انطباعات معنوية مؤقتة. وأصبح الربط بين الوضعين الأمنيين في دمشق والساحل مسألة حاسمة، والخسارة في الساحل تعتبر أكثر قسوة عمليا حتى من سقوط دمشق، لأنها تفقد السلطة فرصة تشكيل دويلة الساحل، وتجعل فرص إدامة دمشق مستحيلة، وهذه حالة تدركها السلطة. وطبقا لهذا الإدراك جرى نقل عائلات المقاتلين من دمشق إلى الساحل عموما، وطرطوس تحديدا، لكي لا تتحول إلى عبء على المقاتلين ومؤسسات السلطة في مرحلة قتال أشد أو انتقال قسري.
ومع الحرص على تفادي التعمق في الجوانب التي تؤثر سلبا على المعنويات، فإن عمليات على طراز ما يحدث في سوريا، لا يمكن أن تبقى على وتيرة واحدة، لأنها معارك مصير ووجود تتميز بشدة غير عادية، تتعرض لمفاجآت خطيرة. وهو ما يدفع أصدقاء الشعب السوري إلى زيادة نطاق الدعم التسليحي لتسريع حسم الموقف، بعد تزايد تملص المجتمع الدولي من النهوض بمسؤولية التدخل المباشر. ومع أن الوقت يمضي لصالح الثورة، فإنه يؤدي إلى زيادة المعاناة الإنسانية، وربما إلى تطورات إقليمية غير ملائمة، كما حدث ويمكن تطوره سلبا في لبنان، وتعقيدات الوضع العراقي، وحاجة الوضع التركي لحسم الموقف في أقرب فرصة ممكنة.
995 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع