عبدالرزاق محمد جعفر
ومضات من تاريخ العراق الحلقة الثامنة
حرب الخليج الأولى
في 22 ايلول (سبتمبر), 1980, امرصـدام حســين القطعات العســكرية العراقية بغزو ايران,..حيث وصل التوتر بين العراق وايران اشـــده,.. منذ شــباط (فبراير), 1979, عندما تولى آية الله الخميني الســلطة في ايران,..ونفي شــاه ايران," محمد رضــا بهلوي ",..وابعده عن وطنه,.. حالما نجـحـت الثورة الأســلامية في ايران.
*** عندما هَـيمنَ صـدام حسـين على السلطة في العراق احـس بخطر الثورة الأسـلامية له,.. كما ان ايران بدأت دعايتها للثورة الأسـلامية بين المسلمين, في منطقة الشـرق الأوسط,وهكذا تلبدت الغيوم في سماء العراق وبات الناس يشعرون بطبول الحرب , وان اي حرب منذ القدم تحتاج لأســباب بســيطة لأندلاعها , الا انها بحاجة الى عدة اســباب لأخمادها!
ففي مارت (مارس), 1980, حكم على احد اعضاء حزب الدعوة المعارض لنظام الحكم, بالأعدام , وفي شهرنيســان (ابريل),أتهمت تلك المنظمة الأســلامية , بأغتيال مسـاعد رئيــس الوزراء,.." طارق عزيز", وخلال بضــعة ايام, القي القبض على الســيد باقرالصــدرواخته
بنت الهدى في النجف الأشـرف,ونقلا الى بغداد, ونفذ فيهم الأعدام مع اعضاء من اتباعهما!,..وأضافة الى ذلك, فأن العديد من العراقيين من اصــل ايراني , قد تعرضـوا الى التوقيف في منتصـف الليل, ثم وضعوا في حافلات خاصـة نقلتهم الى الحدود العراقية, وامروا بالتوجه الى الحدود الأيرانية,..ومن الجديرالجديربالذكر, أن معظم الذين هـُجروا هم من جذور عراقية , الا انهم حصــلوا على الجنســية الأيرانية, للتخلـص من الخدمة العســكرية في العهد الملكي ,..كما ان معظمهم رجال اعمال من الطبقات الوسطى,.. وأن انزعاج النظام آنذاك, كان بســبب قابلية المعارضـة في الحصول على المساندة من الحكومة الأيرانية , وقد حفزهذا الموقف النظام الى اتخاذ اجراءات ســريعة وشــديدة!
وبنفــس الوقت, بدأت ايران اسـتعدادتها للحرب, حيث اتخذت الدبابات مواقعاً أستراتيجية في منطقة قصـر شـيرين, بعيدا عن مرمى المدفعية العراقية,.. كما ان الدبابات الأيرانية, كانت بحالة انذار, والمركبات الآلية انتشــرت بمنطقة واســعة في الحقول الزراعية , كأجراء اولي لحمايتها من الغارات الجوية,.. وشــوهدت مثل تلك الأجراءات الدفاعية في الحدود الجنوبية بين البلدين , بالقرب من عبادان, التي تعتبرالمركزالرئيــس للنفط عبرالحدود مع البصــرة.
اسـتـقبل صـدام حسـين في بغداد, مجموعة من الســاســة الأيرانيين والجنرالات الســابقين في عهد شــاه, ومن الواضح ان تجمع الأيرانيين المعادين كان يقصـد منه احباط النظام الجديد داخل ايران,... وأضافة الى ذلك, ادعى العراق,ان القطعات العسـكرية الأيرانية , تحتل جيب في مقاطعة عراقية تدعى "زين القوس" وانها تعود الى العراق, وفق معاهدة 1975,المعروفة بمعاهدة الجزائر, ومن نصوصها تقسيم السلطة على شـط العرب , المتكون من اتحاد نهري دجلة والفرات , قرب مدينة القرنه , جنوب البصـرة , وتتصل نهايته في المحيط العربي .
شط العرب
وفي ايلول(ســبتمبر), 1980,طوقت المدفعية الأيرانية المدن العراقية, عندما الغى صـدام معاهدة, 1975, واصـدراوامره بالغزو, وواصـلت القوات العراقية زحفها نحوالجنوب الغربي لأيران, اي نحو اقليم عرب استان, (خوزســتان), التي تضــم حوالي ثلاثة ملايين من العرب, وتعتبرمن اكبرالحقول النفطية , ولا بد من الأشــارة الى وجود غرض آخر لغزو أيران, يتمثل بالعمل على أنهيارالنظام الجديد في ايران.
*** وفي الوقت الذي صـار فيه صـدام حســين هو اللاعب الوحيد في غزو ايران, تمكن من اشــراك دول خليجية مجاورة للعراق, مثل المملكة العربية السـعودية والكويت, كما ان القوات البحرية الأمريكية كانت مســاهمة ومؤثرة على النقل البحري في الخليج , وقد لعبت الرياض دوراً حاســماً بين بغداد وواشــنطن لتقوية موقف العراق بكل قوة.
محمد رضــا بهلوي شـاه ايران.
آية الله الخميني, مؤســس الثورة الأيرانية.
وفي حزيران(جون) 1983, تغاضـت الولايات المتحدة عن كون العراق مدون في لوحة الدول المســاندة للأرهاب, الا ان المســؤلين باعوا للعراق 60 طائرة عمودية (هليوكابتر),.. لبغداد لأسـتتعمالها في الأغراض الســلمية, وما من احد لا يحدس قابلية تحويل تلك الطائرات لأغراض عسـكرية,..كما تكون تنسـيقاً بين بغداد والرياض ,(بمباركة امريكا),لنقل المعلومات والمخططات الحربية في ايران , والتي امكن جمعها بواسـطة طائرات التجسـس الأمريكية,.. المعروفة بأســم (أواكــس), لرصد العمليات الحربية منذ اندلاع الحرب هناك, كما تم التنسـيق لتبادل المعلومات بين المخابرات الأمريكية والمخابرات العراقية.
*** لم تخفي الولايات المتحدة الأمريكية عدائها للثورة الأســـلامية في ايران , ولذا تم اعادة فتح السـفارة الأمريكية في بغداد, بتاريخ 22/ 11/ 1984, لأدراكها بالضـرر من أنتصـار ايران على العراق, والذي ســيؤدي الى تخلخل توازن القوى في المنطقة!
**اندلاع العمليات العسكرية في حرب الخليج الأولى في سبتمبر (أيلول) 1980,كان واضـح المعالم بأرتباطه بالوضـع بين امريكا وايران,.. وبســبب عدم وضــوح الرؤيا, لنتائج الحرب, او قل , صـعوبة تحقيق النصـرفي الجبهات الملتهبة, احتفظت امريكا بحيادها في تلك الحرب, ولذا, حالما بدأ ميزان القوى بأتجاه ايران,نهاية 1983,غيرت الولايات المتحدة من سـياستها,.. وعند كل انتصــارايراني, تزيد امريكا من مســاعدتها ودعمها لنظام بغداد!
*** ان منع الحركة الأسـلامية الأيرانية لأحرازأي انتصاراقترن مع فقدان بغداد لجعل الخليج ممر آمـن, وفي كل بضعة اشـهر, تمكن العراق من جعل بعض المواقع في الخليج طبيعية,كما أن الحاجة للدفاع عن العراق, رفعت معنويات الجنود العراقيين و بث فيهم الروح الوطنية,.. وصارالجيـش العراقي ارفع مقاماً, عند عمله سـواتر ترابية دفاعية ضـخمة , واحاط المواقع العسكرية بالأســلاك الشــائكة, لمنع هجمات الحشــود العسـكرية الأيرانية.
** أعلنَ آية الله الخميني , مرات عديدة , ان اية تهدئة اوهدنة مع العراق , لا يمكن ان تتم ألا بأزاحة الرئيس العراقي صــدام حســين!, وقد برز بشكل واضح ان الموقف اصبح مناطاً باخذ الثأر,حيث اتهم الخميني صـدام حسـين , في اغتيال ولده مصـطفى الخميني , في كانون الأول سـنة 1977, في حادث اصطدام سـيارته في كربلاء, وسجل بباب الحوادث المجهولة!
*** اثناء الأيام الأولى للحرب, ســجل هبوط في قدرات القوة الجوية الأيرانية, ولذا لم تعـر القطعات العسـكرية العراقية اي خوف او اهمية لهجمات الطيران الأيراني, الا ان الأيرانيين اظهروا تفوقاً ملحوظاً في الأعداد البشــرية والتي كانت تفوق بثلاثة مرات ما لدى العراق!
**وفي حزيران(جولاي), 1983, نجحت ايران في الهجوم على المدن العراقية, مثل حاجي عمران , وبنجوين , وقد ادى ذلك الى خسـائر جسـيمة بالأرواح , و كان من الصــعب على القطعات الأيرانية الأحتفاض بمواقعها في المقاطعات الشـمالية بســبب مهاجمتها بالطائرات العمودية (الهليوكبتر) العراقية والحوامات, ومع ذلك فأن الحرب مســتعرة بشــدة في المناطق
الوسـطى والجنوبية من العراق, بالرغم من استمرارالمعارك في مناطق كردســتان الشــمالية, والتي لم تتوقف لغاية 8 / 8 / 1988.
***اغرقت المنطقة المحيطة بجزيرة مجنون, بمياه نهر دجلة, لمنع تحقيق اي نصــر لأيران, وفي الوقت نفســه, كانت هناك صــعوبة في قدرة العراق لتراجع القوات الأيرانية الى الخلف عبرالحدود المشـتركة,...وفي مارت (مارس), 1984,.. حملت ايران صـدام مسـؤلية تهديده
واوضحت, ان في حالة منع العراق مـن تصــدير نفطه, فأن طهران ســوف تمنع تصـديرالنفط عبرالخليج, وذلك, بغلقها لمضـيق هرمزالواقع في فوهة الخليج.
*** في مارت (مارس), 1985, هاجمت القوة الجوية "جزيرة خرج", الأيرانية لعرقلة قدرة ايران على تصـديرالنفط ووضـع ايران امام الأمرالواقع , واجبارها على فتح خطوط اخرى للتصـدير في مناطق اكثر بعداً في عمق الخليج في "جزيرة سٌـــري",.. وفي مارت (مارس), 1985, هزت بعض الأخبارغيرالســارة , كلاً من القائد صـدام واركان حربه , حيث وصــل الى علمهم ان القوات الأيرانية عبرت نهر دجلة من اجل احتلال الطريق الرئيــس الشــمالي - الجنوبي,(الهاي وى), واراد صــدام توجيه المعارك نحو المناطق المدنية في العمق الأيراني, وقصــف العاصــمة طهران,.. فثأرت أيران , ولم تبقى مكتوفة امام الضـربات الموجعة التي تعرضـت لها عاصـمتهم, وقاموا بقصــف العديد من المدن الجـنوبية بصــواريخ ســــكوت,.. وكذلك العاصــمة بغداد نفســها.
*** في شــباط (فبراير) , 1986, احتلت القوات الأيرانية شــبه جزيرة الفاو, وهي عبارعن قطعة ارض طويلة ضيقة داخل البحر,والتي تعتبراللســان او قل الزاوية التي يطل منها العراق على الخليج,.. وبنـفــس الوقت من تلك الســنة, في مارت (ماي), احتلت القوة العراقية مهران, وهي احدى المدن الأيرانية في مركز الجبهة العســكرية.
*** اشــترط الأيرانيون "رأس صـدام", كثمن لأحلال الســلام, ولهذا, قام صــدام بتنحية احد منافســيه وهو السـيد نعيم حداد,عضـومجلس قيادة الثورة, ورئيــس مجلــس الأمة (البرلمان). ولقد عمل السيد نعيم حداد معلما في مدينة ســوق الشــيوخ , مســقط رأســه , احد اقضية محافظة الناصرية في جنوب العراق, الا انه اقصي من جميع مراكزه الحزبية,..حيث تبين أن
احداً من اقاربه كان من التبعية الأيرانية,.. واخيرا, عاش الســيد نعيم حداد بعيدا عن الأضواء واعتكف مع عائلته لأدارة مزرعة صـغيرة في مدينة ســوق الشــيوخ!
*** أما الشــخصية الأخرى التي ازاحها صـدام هي ,عبدالوهاب المفتي ,امـيـن العاصــمة, فقد القي القبض عليه مع عدد من رجال الأعمال الحرة , بتهمة اخذ رشــوة من شــركات اجنبية , لكي يمكنها من ان يرســوا عليها العطاء لمشــروعاتها في امانة العاصــمة,... ومن الجدير بالملاحظة, عند ايداع شــخص ما التوقيف , فســوف يظهرالأمراكثرجرماً اذا ما زج اســمه مع متهم اجنبي آخر, ولذا عمدت الشـرطة العراقية الى توقيف رجل اعمال انكليزي معه,.. اسـمه ( ايرن ريجتر) , الذي نســب اليه دفع الرشــوة الى المفتي,.. حيث ان التأكد من اتقان التهمة, كانت ضـرورية, بسـبب شـعبية واهمية المفتي في الوسـط العسـكري, حيث كان المفتي هو المهندس الذي خطط ونفذ طرق الطوارئ والتحصـينات الكونكريتية الضخمة في منطقة الفاو,... وبعد ان بقى الموضوع سـرياً لفترة قصـيرة, اعدم المفتي في نهاية 1986!, ***وعلى اية حال, فأن ايران مازالت تعتبر انتصارها هو الأطاحة بنظام صـدام , ولكن في 20 تموز (جون), 1986,اصـدر مجلــس الأمن القرار رقم 598, والذي كان يدعو الى وقف اطلاق النار, وانسـحاب القوات الحربية, من كلا الطرفين, ولقد اعطى العراق موافقته, بشـرط موافقة ايران,... الا ان ايران رفضـت, واصبح واضـحاً , ان الوضـع في طهران صار اكثر تعقيداً, وان الحرب الآن ليســت مع العراق فقط , بل مع الدول الغربية ايضـاً ,... حيث طور العراق علاقته مع تلك الدول وضـمن مسـاعداتها له خلال ســنين الحرب.
*** في كانون الثاني (جانوري), 1987, هاجمت ايران البصـرة , الا ان القوة الماهجمة اوقفت عند مشـارف المدن الجنوبية, وفي مارت( مارس), قامت القوات الأيرانية بهجوم آخر في شــمال العراق,.. ولقد اسـتعملت امريكا الدبلوماســية لمنع مســاعدة طهران بســبب نجاح تهديدات آية الله الخميني بتصـديرالثورة الأسـلامية الى العراق ودول الخليج.
*** في سـنة 1987, نمت صـناعة الأسـلحة في العراق, وصارالعراق المسـتورد الأسـاســي للأسـلحة في العالم,.. كما ان بعض المراقبين توقعوا اسـتمرارالحرب لبضـعة ســنين اخرى , بسـبب بعد طهران عن مرمى الصـواريخ العراقية, وفي كانون الثاني (جنوري), واجه العراق القوات الأيرانية الغازية في البصـرة, وفي 29 شـتباط (فبروري), تمكن العراق من اصــابة طهران بصـواريخ ســكوت, مما ادى الى نزوح العديد من المقيمين في المدينة,... وقد ادى انفجار بعض الصواريخ فوق طهران الى صدمة موجعة,... حيث ان ذلك له دلالة على قدرة العراق بأسـتهداف طهران والمدن الأيرانية بقنابل تحتوي على غازات سـامة أومواد أخرى!
*** هاجمت الوحدات العســكرية الأيرانية كردســتان العراق ووصــلت الى مدينة حلبجه,... واعلن احد المراقبين الأجانب,عن اسـتخدام العراق الأسـلحة الكيمياوية ضــد القوات الأيرانية, عندما كانت تلك القوات متغلغة بين المواطنين العراقيين في مدينة حلبجة, واستشهد الآلاف من العراقيين الكرد.
باقة مـن فتيات كردســتان في رقصــة الدبكه
*** في تموز(جولاي), 1988, اقترفت الولايات المتحدة الأمريكية خطأً بأســقاطها طائرة ايرانية مدنية تقل 290 راكب فوق المنطقة الجنوبية للخليج العربي,.. وبعد اســبوعين, وافقت ايران من دون شــروط على قرارهيئة الأمم المتحدة المرقم 598,.. وان وقف اطلاق النار لم يكن ســاري المفعول الا في 20 آب (اغسطس), تحت مراقبة هيئة الأمم المتحدة.
***في 8-8-1988 اعلن صـدام حسـين نهاية الحرب وانتصارالعراق, ... وما زال العراقيون يتذكرون" الرقم 8-8-8",الذي يشيرالى توقف تلك الحرب التي دامت ثمانية ســنين في اليوم الثامن من شــباط (حولاي), والذي يعتبر الشـهر الثامن, في الســنة 1988, اي التي نهايتها رقم 8,... ويقولون انتهت الحرب التي دامت ثمانية ســنوات في الشــهرالثامن , من ســنة 1988 , او قل حرب الثلاث ثمانيات!
***سـادت الأحتفالات العفوية في بغداد وســائر المدن العراقية لمدة ثلاثة ايام, وقد كانت تلك الأيام من ابهج كل العُطل الرســمية في العراق,ولقد اثارت تلك الحرب دهشــة المراقبين في انحاء العالم , حيث لم يحقق الطرفان اية مكتســبات في الأرض او اي تغيير في نظام الحكم لكل منهما, الا ان الحرب ادت الى قتل واعاقة اكثرمن مليون من البشــر من كلا الطرفين!
***تبين ان العراق خرج من الحرب وهو مازال محتفضاً بجيــش قوي, الا ان ميزانيته خالية, فقد دخل الحرب ولديه احتياط بأكثر من ســبعين مليار دولار,... وخرج من الحرب وهو مدان بأكثر من ثلاثين مليون دولار, كما اوضح معهد اسـتوكهولم العالمي لأبحاث السـلم, ان الحرب قد كلفت ايران( 11) بليون دولار, والعراق ما بين 112 و94 , بليون دولار,... و كان من الصـعب تحديد عدد المفقودين,... وعلى اية حال, التقديرات الأولية تشــير الى فقدان العراق بمقدار يتراوح مابين " 160000 و 240000 عراقي",... وايران فقدت بحدود "200000
ايراني" وفق المصـادر الأيرانية.
يتبع في الحلقة / 9 ,..مع محبتي
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://algardenia.com/maqalat/22322-2016-03-11-07-18-14.html
846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع