اعتقلت الشرطة مؤخرا آمر حماية السيد وزير المالية رافع العيساوي وبعض افراد فوج الحماية وفق مذكرات قضائية .
بالنسبة لنا نرقب الاحداث عن بعد ولا نستطيع تأكيد صحة التهم المنسوبة الى المتهمين او المعتقلين ، ولا نفيها ، ولكننا نحمل القضاء على محمل الجد ، ولا نعتقد ان الدوائر القضائية العليا تبيع حيادها من اجل اعتقال بعض افراد حماية وزير او غيره بهذه السهولة . لا أحد بامكانه القول ان القضاء نزيه مائة بالمائة ، ولكن الكثير من المسؤولين يؤكدون على نزاهة القضاء العراقي او على تمتعه بقسط كبير من الحياد ، وهو ما لاحظناه في العديد من القضايا ، رغم ان هذا لا ينفي وجود بعض القضاة الذين عليهم ملاحظات من بعض القوى السياسية او الجهات الحقوقية . وفي جميع الاحوال لانريد القول بعدم الثقة بالقضاء ما دامت الحكومة ومجلس النواب ومجلس الرئاسة قامت على التوافق والمحاصصة ، فالجميع موافق على المؤسسات الموجودة ومن ضمنها القضاء ومجلس النواب ومجلس الوزراء ومجلس الرئاسة اضافة الى ان اي متهم عليه ان يقدم الادلة التي تثبت براءته .
ومن نافلة القول ان نعلن بصفتنا من الكتاب السياسيين المستقلين ، اننا لا نشعر بالرضا عن واقع الكثير من المؤسسات الحكومية ، ونقدناها في العديد من المقالات ، وليس القضاء او الشرطة او الجيش استثناء ، ولكن في عين الوقت يجب ان لا نشحذ السكاكين لذبح المؤسسات القائمة واتهام القضاء بتهم لاتليق به .
في تطور لافت لاحظنا تحشيدا للعشائر من أجل نقض قرارات القضاء التي صدرت بحق حماية السيد وزير المالية ، ان هذا التأجيج يجعل من القضاء ورقة تلعب بها الاهواء والمصالح وتفرض عليها القوى الشعبية قرارات ربما لا تكون صائبة ، كما جرى سابقا تحشيد العشائر في الخلاف بين المركز والاقليم ، واستخدمت العشائر ايضا في تظاهرات مؤيدة للحكومة وغير ذلك من نشاطات .
ان لجوء القوى السياسية الى الجماهير والعشائر خاصة لضخ روح الاحتجاج والتمرد على السلطة القضائية من أجل كسب قضايا موكولة الى القضاء سوف يجهز على تطلعات المواطنين الى تحقيق العدالة ومحاربة الفساد والارهاب .
اما بالنسبة الى حمايات المسؤولين فلاحظنا ان اغلب الحمايات تتألف من عشيرة المسؤول او من اسرته والمقربين اليه في النسب ، وفي سيادة هذا التقليد ما ينافي بناء الدولة المدنية والسلطة السياسية الجامعة للمواطنين .
وبهذه المناسبة اذكر مثال حماية انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، إذ اضطرت الى اصدار اوامرها لاقتحام المعبد الذهبي في البنجاب عام 1983 و الذي كان قلعة مدججة بالسلاح والمسلحين السيخ الذين يطالبون باستقلال البنجاب عن الهند .
بعد حصار دام اشهر نفذ الجيش اوامر الاقتحام فراح نتيجة الهجوم الكثير من الضحايا وانتهى العصيان المسلح الذي قاده السيخ بازالة المتاريس والمظاهر العسكرية من المعبد وعادت البنجاب لتخضع لسلطة الحكومة المركزية ، وقد اقسم قادة السيخ بالانتقام من انديرا غاندي لانها اعطت اوامرها للجيش باقتحام المعبد الذهبي قلعتهم الحصينة .
اقترحت ادارة الاستخبارات على انديرا غاندي إبـعـاد عناصر السيخ من فوج حمايتها ، كان يحرسها فوج من الحرس يقيمون في مقر الحكومة ودار سكنها القريب ، فرفضت قائلة انها لن تفرق بين ابناء شعبها ولن تبعد عناصر السيخ الذين يحرسونها .
كانت روح التعصب والكراهية متأججة بسبب اقتحام المعبد الذهبي وهو اكبر واقدس معبد للسيخ ، وقد زرته اوائل الثمانينات في مدينة امريتسار في البنجاب شمال غرب الهند ، و رغم موقف انديرا غاندي الوطني واصرارها على ابقاء السيخ ضمن طاقم حرسها ، الا ان ذلك لم يمنع قيام اثنان من الحرس السيخ اطلاق النار عليها وهي خارجة من منزلها تسير في الحديقة الى مقر الحكومة في العاصمة نيودلهي ، كانت نهاية تراجيدية اججت نار الانتقام بين الهندوس والسيخ فأدت الى احداث مؤسفة كنت شاهدا عليها راح ضحيتها العديد من السيخ في العاصمة نيودلهي عام 1984.
الواضح هنا حجم الاخلاص لروح المواطنة وعدم الاعتماد على الروح القبلية او العشائرية في موقف يتسم بعمق النظرة مما يسمح بتشكيل هوية وطنية حقة عمدتها انديرا غاندي بدمائها لا بالادعاء فقط .
نتمنى ان نجد في حماية المسؤول السني عناصر من الشيعة وعناصر من السنة في حماية المسؤول الشيعي وكورد في حماية العربي وعربا في حماية المسؤول الكوردي وتركمان في حماية الكورد والعرب وبالعكس لكي نثبت الهوية الوطنية العراقية بدلا من الاعتماد على القبيلة والاسرة مما يدفع بالوطن الى التماهي والتلاشي ليصبح أصغر من عشيرة .
1144 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع