مصطفى العمري
كلمة الدين هي المفردة الاستثنائية التي تحيلك بلا شعور الى الايمان , ايمان يستدعي الغيب و التخفي مع بعض الممارسات الطقوسية التي تحاول جلب استقرار خفي للنفس , في ذات الوقت تحيلك كلمة الدين الى الإطمئنان و السكينة و الانفراد باستنشاق نسيم يصعب على من يجاروك استنشاقه .
عاشت معظم المجتمعات العالمية على ذلك النسيم غير المرئي , النسيم الديني , رغم اختلاف الاديان و تباعد نصوصها و تشعب محاور التدين فيها لكنها بقيت ( الاديان ) متمسكة بطابع عام , انها تريد الخير و الامان و الاستقرار للعالم أجمع . و الحقيقة ان الديانات الالهية رسالة كبيرة مفادها خدمة الانسان و الحفاظ على ديمومته و استقراره , مع محاولة كبيرة للرفع من مستواه العلمي و الفكري , لذلك تجد الإلحاح الالهي للمطالبة في مسألة التفكر في الخالق و الطبيعة و الانسان و الموجودات عامة .
الإلحاح الالهي للحث على استخدام العقل و العلم , يستقبله إعتراض بشري من أُناس يدّعون القرب من الله خالق الخلق , غاية هؤلاء المدّعون القرب من الله , هو التشويش و العطب في ذهنية الناس ان الله جزئي و متحزب , إيهامهم ان الدين الحق هو الذي عليه انت و ليس الذي يعتنقه غيرك .
... قلتُ ان غاية الاديان الالهية , هي لمصلحة الانسان وخدمته و الحفاظ عليه , أما ما دون ذلك فهو تشريع بشري اودى في بعض تفاصيله الى انهيار اخلاقي فتاك لبس ثوب الدين .
يصّر معظم رجال الدين ( يهود , مسيحيين , مسلمين ) على ان الدين المنجي و المخلص للبشرية هو الدين الذي يعتنقه المنتمي لدينهم فقط , اليهودي زعم ان دينه المنجي و المخلص فقط و تلك الدعوة شاطره بها المسيحيين و المسلمين , لا مجال و لا خيار أمام خلق الله الاخرين لدخول الجنة او الشمول برحمة ربانية إلا باعتناق دين واحد فقط هو دينهم الذي وجدوا عليه ابائهم . في قياسات رجل الدين المسيحي ان الله خلق مخلص واحد و جنة واحدة و وضع هذا الخلاص في دين واحد ايضاً الذي ينأى عن ذلك الدين و يبتعد فنهايته محتومة الى جهنم و بئس المصير و لن يستنشق عبير الجنة او يتلذذ بمميزاتها الاستثنائية من يرفض دعوة الخلاص تكون هذه نهايته الحتمية ! .
قبل أيام دار حديث بيني و بين أحد رجال الدين المسيحيين ( مبشر معروف ) قلت له هل سادخل الجنة و أنا مسلم ؟ ... تململ قليلاً و بجواب فيه قدر من الإستحياء لأنه سوف يطردني من الجنة , ذنبي ان الله خلقني مسلم ! و ميزته ان نفس الخالق خلقه مسيحي ! قال في جوابه النهائي للأسف لن تدخل الجنة ! هو يعتقد بكونية و شمولية الدين المسيحي , اي يجب ان تعتنق الانسانية جميعاً نفس الدين .
الحال عند رجال الدين المسلمين ليس اسهل مراناً بل هو أعقد بأساً و اشد وطأة , كل البشرية ستخلّد في نار جهنم الا المسلمون فهم يتمتعون بحوريات و انهار من خمر جزاءً من الله لأختيارهم الاسلام كدين الله الخاتم !
منهم من يستند الى بعض الاحاديث التي تقول سيكون على باب الجنة فلان الصحابي و بيده سوط لا يستطيع ان يدخل الجنة اي شخص الا بعد ان يأذن لك صاحبنا ( الصحابي ) أي لا يستطيع المرور الا من انتمى الى نفس المذهب و المذهب فقط , يجب ان تنتبهوا الى كلمة فقط ..
يسأل احد الاشخاص عبر احدى الفضائيات , يسأل رجل دين : شيخنا ماذا سيصنع الله بالاشخاص الذين افادوا البشرية و خدموها , مثل (توماس اديسون) مخترع الكهرباء و ( ألكسندر جراهام بيل ) مخترع التلفون و عموم الذين صنعوا الطب الحديث و المواصلات و التكنلوجيا ؟ أجاب الشيخ وهو يبتسم لعظمة الجواب السمح قال نعم هؤلاء خدموا البشرية جميعاً و لذلك حسب النصوص التي عندنا هم يختلفون عن بقية الناس غير المسلمين , ما هذا الاختلاف يا شيخ ؟ قال سيضعهم الله في ضح ضاح من نار ! ( نار اقل حرارة من نار جهنم ) بعض رجال الدين المسلمين يعتقدون بكونية الاسلام و يجب ان يسود الدين الاسلامي جميع ربوع الكرة الارضية و لأجل تلك السيادة الكونية العالمية يجب ان نضحي بالنفوس و الاموال و نقاتل الى اخر قطرة لكي ننتصر لدين الله . ( داعش إنموذجاً )
في اليهودية هناك شيئاً مختلفاً حيث هناك دعاية لكن بدون دعوة , الدعاية مفادها انهم شعب الله المختار و ان الله ميزهم عن باقي الامم و الشعوب و ارتقى بهم و بلونهم و دمهم . لهذا السبب ليس عندهم دعوة لإنقاذ البشرية دعوة للناس لكي تنتمي لليهودية .
من خلال هذا العرض نستطيع ان نتساءل مع الخالق ومع المخلوق الواعي, الذي وهبه الله أفقاً ممدوداً حتى يتسنى له رؤية المختلف و المؤتلف فيقارن و يبحث ويجدد و بإمكانية العقل الذي وهبه الله ثم قال تفكروا و تدبروا , تساؤل غير مشروط و لا مقيد منفتح و جريء , لانه مع الخالق و ليس مع المخلوق , الخالق ليس كما حاول أرباب الدين وصفه و تبيان طبائعه الموغلة بالشدة و القسوة و التعذيب او كما يصوره الاخرين من انه مشبع بانانية مستفحلة تطلب منك الانصياع و الانصياع فقط و تلزمك بتغيير بوصلة معرفتك الاولية البيئية التلقينية الى حيث تفكيره و موروثه الديني البيئي , وكأن الله غير قادر ولا يستطيع ان يخلق الناس امة واحدة ليأتي البشر ليجعلوا من إمكانياتهم فوق امكانيات الله ليجعلوا الناس امة واحدة !.
يقترح ابن رشد المولود عام 1126م لكيفية التعامل مع الخطاب الديني فيقول : ان الخطاب الديني هو دوماً على وفاق مع ما يقرره العقل أما بدلالته الظاهرة و أما بالتاويل .
كما ينظرعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا إلى الدين على أنه مجموعة من الأفكار المجردة، والقيم أو التجارب القادمة من رحم الثقافة.
يجوز لنا ان نسأل الان و من رحم ثقافتنا البيئية و بعقل منفتح على الجميع و بأسئلة ربما داهمت بعض العقول الواعية لكنها اصتدمت بصخرة الخوف من التكفير و التشهير او تجنب الخوض بمثل هذه القضايا لئلا ان تزل بنا القدم فنسقط في نار جهنم !
السؤال الذي يمر بالذهن و يتموضع و يستقر بداخله دون الكشف عنه او البحث فيه , سيجعل منك مشتت مشدوه و ستجري بك عربة الحياة وانت غافل سرحان , الحذر ان تنقلب بك الموازين فيتدفق منك الوعي متأخراً و يرجع بك الكبت مقلوباً فتهجر كل الارض و تغادر كل البيئة لكن بعد فوات الاوان . السؤال هو المادة المباحة بالمطلق في هذا الكون , السؤال هو العربة التي استطيع ان استقلها لكي توصلني الى الجانب الاكثر أمناً و استقراراً . البوح هو كسر الخوف و الاتجاه نحو التقدم , الكبت إذلال نفسي يسحق الشخص من الداخل فيحيله الى رماد .
907 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع