تغرّب وتعذّب

                                     

                        خالد القشطيني

يقال: «تغرب يومًا تزدد علمًا». لا أدري في الواقع إذا كان لهذا المثل وجود. ولكنه يستحق ذلك ففيه سجع جميل. وهو كل ما يهمنا. فتعلمه يا سيدي القارئ واستعمله لإقناع زوجتك بضرورة سفرك إلى مونت كارلو.

وقد تغربت في الشهر الماضي ليس يومًا فقط وإنما أسبوعًا كاملاً. فازدادت معلوماتي في الحياة سبعة أضعاف. ولكنها مع الأسف جاءت كلها من باب الحمامات، وهي المكان الوحيد الذي لا يقف على أبوابه المتضرعون والمتظلمون.
من استعمالي لحمامات الفنادق توصلت إلى هذه الحقيقة التي ينبغي على أي مسافر أن يلم بها في أيام السفر هذه. على كل من يهم باستعمال الدش أن يتلو الشهادتين ويستغفر ربه تمامًا قبل أن يفتح الدش على رأسه. فكم من الرجال والنساء أصيبوا بجلطة أو نوبة قلبية أفضت بهم للموت نتيجة هذا الفعل. تذكر أنه لا يوجد في العالم دشان متشابهان، فلكل دش تفكيره ومنحاه الخاص، تمامًا مثل أبناء العراق. وأن الدرجات المكتوبة على المفتاح لا تطابق مطلقًا درجة حرارة الماء الخارج من ثقوب الدش تمامًا مثل بعض ساسة العرب. يتباكون على ما تقوم به «داعش» ولا يبادرون بأي عمل لقهرها. فضلاً عن ذلك، الانتقال من أبرد درجة إلى أعلى درجة لا يحتاج لغير لمسة خفيفة لمفتاح الدش. الطريقة الوحيدة للحصول على الحرارة المناسبة هي أن تحاول كل الدرجات من أبردها إلى أحرها. وتكون أثناء ذلك قد كويت رأسك وصدرك وثلجتهما بما لا يقل عن عشرين مرة. ألم أقل لك اقرأ الشهادتين أولاً؟
الحقيقة، وطالما كانت السلامة أفضل من الندامة (وهذا مثل موجود لم أخترعه) فتحاشي استعمال الدش من أبواب الحكمة. وربما تجد كما وجدت أن من الأسلم الرجوع إلى بيتك بوساختك من أن تعرض حياتك لهذه الآلة الإرهابية. الآلة الإرهابية الأخرى هي تليفون الفندق. فهو أصبح مثل الدش. لا يوجد منه جهازان متشابهان، فحيثما تذهب لأي فندق خمسة نجوم تواجه جهازًا من تصميم مختلف. تقضي يومين أو ثلاثة حتى تتعلم كيف تستعمله. وبعد أن تكون قد ختمت ذلك يحل موعد رحيلك. ففي الفندق الآخر ستجد جهازًا بمواصفات مختلفة كليًا. خذ نصيحتي. انزل دائمًا في فندق نجمة واحدة، فهناك ستجد التليفون القديم البسيط
الذي لا يوجع رأسك.
وأخيرًا تذكر أن الفنادق ليست مكتبات عامة ولا غرفة مطالعة وتكره المثقفين.
لا تتعب نفسك وتجلب معك كتابًا للمطالعة قبل النوم. لن تجد النور المناسب للقراءة. غرف الفنادق الراقية معدة لشتى الأغراض المشرفة وغير المشرفة، ولكن المطالعة ليست منها. الظاهر أنهم يفترضون أن زبائن الخمسة نجوم أناس أميون لا يقرأون، وبالطبع هم مصيبون في ذلك في أكثر الأحوال. تجد في الغرفة شتى المصابيح في شتى الأوضاع والأماكن وبشتى الأزرار والمفاتيح. ستحتاج يومين أو ثلاثة حتى تكتشف أي زر يشعل أو يطفئ أي مصباح. ولكن لن تجد واحدًا منها يساعدك على المطالعة. وهذا ما يجعل فنادق النجمة الواحدة خيرًا لك، فليس فيها غير مصباح واحد متدل من السقف.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

910 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع