عبد الجبار نوري / السويد
تعوّد الشيوعيون وأصدقاؤهم الأحتفاء بسيرة هذا الحزب العراقي الصميم في أتراحه وأفراحه ، والعجيب أن يكون التنافس في نيل السبق الصحفي مبكرا قبل أوانهِ ، فالأحتفاء بيوم الشهيد الشيوعي بدأ قبل شهر من موعده في 14- شباط 1949 ، وهو يوم الفاجعة لدى أدبيات الحزب والجموع الغفيرة الكادحة من الشعب العراقي حين فقد فيه ثلاثة من قياديه الأشداء ، يوسف سلمان " فهد" وزكي بسيم " حازم " وحسين الشبيبي " صارم " أضافة إلى أعدام يهودا صديق الكادر القيادي في الحزب في تنفيذ حكم الأعدام فيهم شنقا بمحاكمة صورية في العهد الملكي .
الشهيد هو الأنسان الذي يتحدى خشبة الموت ليسمح لحبلها أن يعانق رقبته المقدسة ويوسمها برموز الشرف والوطنية لغايات ساميه مقدسة لأجل الأرض والعرض والمال والوطن بشرعنة قوانين سماوية ووضعية ، فتتحول تلك الشخصنة المميزة ليجد نفسه بين عظماء العالم المضحين من أجل تلك المباديء السامية إلى عالم الخلود الأبدي .
وهذه بعض ذكريات الطفولة المرّة ونحن نسكن محلة باب الشيخ في بغداد ، وشاء القدر أن يرسلني أبي لشراء ( التتن ) من دكان حجي برزو في يوم الفجيعة – 14 شباط عام 1949 ، بعمر عشرة سنوات لم أدرك ما يجري في ذلك اليوم المشؤوم لكني أحسست الوجوم والحزن والأستغراب على أوجه المارة ، وسكوت راديو كهوة (العميان) ، وغياب صاحبها الحاج حمودي ، وبين هوس وشغب الطفولة أندفعتُ بسذاجة طفولية بريئة إلى أن أسأل شخصا خمسينيا جالسا على الرصيف ينفذ بدخان سيكارته بشكل هستيري متسارع وكأنه يريد الأنتفام من شخص ما ( صباح الخير عمو – فأجابني بعصبية يا صباح الخير كول صباح الشر--- ليش عمو ؟ أجاب بابه عدموا " الجعيدة " وسكت وكأنه يطردني بدون نزاكه ، فأسرعت راكضا لبيتنا لأسأل والدي المرحوم عن معنى كلمة " الجعيدة " قال بابه تعني شيخ مال عشيره أو قائد كبير ، وأخبرته بأن يكولون الحكومة أعدمت الجعيدة ، أخذ يتمتم نعم الظلاّمْ !!! وأخفى عني الباقي وفهمتُ بعد سنين كون الطفل لا يخفي الأسرار .
فأخذت هذه الكلمات الجعيده وخطيه وظلاّمْ تدور في ذاكرتي الطفولية إلى تقدم الزمن والتعلم الشيء الكثير من أدبيات الحزب ومدرسته العريقة ، أن ذلك الشخص هو الزعيم المؤسس " فهد " الذي قال يوما: {كنت وطنيا قبل أن أكون شيوعياً ---- وعندما أصبحت شيوعيا صرت أشعر بمسؤولية أكثر تجاه وطني} ، وهو ذلك القائد الفذ الذي أعتقل في الناصرية في شباط 1933 يقف بشموخ وثقة نادرة أمام المحقق قائلا: {أنا شيوعي وهذا معتقدي } ، ويشير الراحل كامل الجادرجي في مذكراته { لقد أشرف السفير البريطاني بنفسه على المحاكمة وتنفيذ الحكم } ، وكذلك وجدتُ في مذكرات الزعيم الوطني " جعفر أبو التمن " يدعوا العراقيين أنْ ينخرطوا في حزب " الأستاذ " ويقصد به الزعيم الخالد " فهد " ولأنّ هذا الرجل واصل طيلة حياته على تكريس الهوية الوطنية والولاء المطلق للعراق ، وعمل على معالجة الهوس الطائفي ، والتعصب العرقي وأزدراء ومحاربة النازية ذلك التيار السائد في وقتهِ ، وأن أعدام هؤلاء القادة المصلحين تعتبر خسارة للعراق وليس للحزب الشيوعي العراقي وحده لكونهم قادة سياسيين من طرازرفيع يمتازون بالثقافة والعصرنة ، وكرسوا ثقافة المواطنة ، ولم يأتمروا بالمستعمر الأجنبي لذا تركوا بصماتهم على الأرشيف السياسي للذاكرة العراقية .
وأختم المقالة ببعض أبياتٍ شعرية لمغرد دجلة الخير " الجواهري "
سلامٌ على جاعلين الحتوف جسراً إلى الموكب العابرِ
سلامٌ على مثقلٍ بالحديد ويشمخٌ كالقائد الظافر
كأنّ القيود في معصميه مصابيح مستقبلٍ زاهر
--------
والمجد كل المجد لشهداء الحزب الشيوعي العراقي وشهداء الحركة الوطنية العراقية
في / 3-2-2016
1065 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع