احمد طابور
في خط الباص رقم ٣٣ في مدينة زيورخ السويسرية والذي يتنقل بواقع ساعة بين النهاية والبداية، وحيدا أغمض عينيه الاغماضة الاخيرة المهاجر العراقي قاسم الكناني المعروف بابي شهرزاد .
من المؤكد بانه قبل ان تطبق رموشه على جفنيه مر عليه شريط حياته كما يشاع وبالأخص الأثير منها ، فربما تذكر زفاقهم الضيق في مدينة الثورة ( الصدر حاليا) وخفق قلبه لأول حب مراهق او تذكر فوطة أمه المعبأة برائحة الجنوب او عقال ابيه المعبأة بالتعب نتيجة الكدح اليومي المضني الذي عاشه من سكن تلك المناطق .
ولأنه حساس أغْرَته الألوان الحمراء التي تدافع عن طبقته فرسم في فضاءاته حلما بلون الحرية وأطلق جناحه للريح ولان قلبه قلب عصفور لم يستطع مجاراة الضباع المنهشة للطازج من شباب مرحلته العمرية، ففر حاملا فرشاته وقلمه فرسم وكتب اجمل احلامه التي ذهبت مع الريح ، فغاب حيث لا يقوى على ان يظهر وجهه الحساس امام عاصفة الشر الفتاكة فانتحى جانبا محتجا على ما يجري بطريقته الخاصة ، فانزوى وضاقت عليه الإزاحات وبمرور الأيام انكسر حد قلبه المتمسك بأرضه وبفوطة أمه او عقال ابيه فكانت الوحدة حياته الأحب
-لم لا تعود وترتمي مرة اخرى بين احضان الاحبة سألته ذات مساء
_ايه بيني وبين تلك الامكنة جسر كسرته الايام ولا يمكن اصلاحه لان الهوة عميقة أعمق من رغبة ، وتحتاج لأكثر من قلب وقلبي واحد حزه مشرط الدكتور مؤخراً .
وكما هو معتاد ان يفعل كل يوم يوصل ابنته الصغيرة الى مدرستها والتي أنجبتها ام غير عراقية ، عاد وحيدا وانكفى على الكرسي غافيا غفوته الاخيرة لم يفطن عليه احد الا بعد ساعات من الذهاب والاياب جاء سائق الباص ليستعلم امر هذا النائم واذا به يقع جامدا بين يدي غريب كما يموت الغرباء .
أيها المهاجر العراقي إياك ان تحتج كما احتج ابو شهرزاد فالوطن المعطر برائحة الاحبة عليك ان تتواصل معه متجاوزا السلبيات وفورة العصبية ورمي السبع حجرات ، لا تقطع التواصل مع الحفرة التي ردمت فيها حبلك السري ، فالقلب ان مات فدعه يموت هناك .
وكما قال شيشرون "لا اعتقد ان القدر يصيب الرجال اذا فعلوا ، ولكني اعتقد انه يصبهم اذا لم يفعلوا "
808 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع