أحمد الملا
لم يعد خافياً على الجميع مدى التقارب المصلحي بين إيران وأمريكا خصوصاً في المنطقة العربية, ويمكن أن نسمي هذا التقارب بالتقارب السلبي, فمن المعروف إن لكل إحتلال " الأمريكي والإيراني " أطماع في المنطقة العربية بشكل عام وبشكل اخص المنطقة الخليجية وذلك لما تحتويه من ثروات نفطية هائلة وكذلك الموقع الجغرافي والإستراتيجي حيث يمثل نقطة التقاء القارات الكبرى ويعد معبر تجاري وعسكري ومن يسيطر عليه يصبح شبه مسيطر على التجارة العالمية الاقتصادية و العسكرية وغيرها.
فهل يعقل إن قوى الغرب وخصوصاً أمريكا تسمح لإيران بالهيمنة والسيطرة على هذه الرقعة الجغرافية المهمة ؟ بالتأكيد الجواب يكون بالنفي, وهذا ما يجعلنا نتساءل مرة أخرى, والسؤال هو؛ إن كانت أمريكا تعي أهمية تلك المنطقة إذن لماذا إلى الآن لم تتخذ موقفاً جدياً إزاء التدخلات الإيرانية على الرغم من إنها تستطيع أن تدين إيران دوليا وكذلك تستطيع أن توجه لها ضربة عسكرية قاصمة تعيد إيران إلى ما قبل عصر القرون الوسطى.
كما إن الدول العربية وبالتحديد الخليجية دائماً ما تشتكي إيران وتدخلاتها السافرة عند منظمة الأمم المتحدة والمحكمة الدولية ولنا في ما حصل لمقر السفارة السعودية في إيران خير شاهد, خصوصاً وإن أمريكا تتظاهر بأن علاقتها مع دول الخليج قوية ووثيقة, بالإضافة إلى ما تملكه أمريكا نفسها من إدانات ضد إيران, كتفجيرات الخبر عام 1996 في السعودية ضد المجمع العسكري الأمريكي والتي ثبت إن منفذي هذه العملية تلقوا تدريباتهم في إيران, وكذلك قضية احتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران في بداية ثورة الخميني, مع امتلاك أمريكا تقارير والتي نشرت في الآونة الأخيرة التي تكشف عن مدى التقارب الوثيق والعلاقات المتينة والتعاون العسكري المشترك بين تنظيم القاعدة الإرهابي وإيران, وغير تلك الأمور الكثير من القضايا التي من الممكن أن تدفع بأمريكا والمجتمع الدولي أن يطيحوا بنظام الملالي في إيران.
لكن ما يحصل هو قيام أمريكا وحلفائها بغض الطرف عن تلك الأمور بل والأدهى من ذلك إنها سمحت لإيران بأن تصبح كشرطي في المنطقة, وأخذت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة تحصل في الدول العربية, حيث أصبح واضحاً لدى الجميع إن الإدارة الأميركية تقصدت صم آذانها حيال عشرات التحذيرات التي أطلقتها الدول الخليجية، على مدى سنوات، من التدخلات الإيرانية المتمادية، لأنها كانت تسعى في سبيل الاتفاق النووي، وحصلت عليه، وكذلك تسعى إلى إنهاك إيران وتركها تخوض حروب استنزاف, وأيضا تريد أن تتشكل جبهات وتحالفات عالمية جديدة " كالتحالف الإسلامي " تخوض حروب مع إيران والمحور الذي تنتمي إليه بالوكالة, وهي لا – أي أمريكا – لا تخسر شيء بل ستكون هي الرابح الأكبر, حيث ستقوي اقتصادها من تلك الحروب إذ ستكون أكبر مورد أسلحة ولا تخسر جندي واحد في تلك الحرب ومهما ستكون النتيجة فهي لم تخسر شيء بل ستكون كل النتائج لصالحها.
وهذا ما استغلته إيران – عن معرفة أو لا – فأخذت الإنتقال من مرحلة استخدام الطائفة الشيعية في الدول العربية لزعزعة استقرار هذه الدول، إلى مرحلة نزع السيادة الوطنية عن هذه الأقليات وإلحاقها بالسيادة الإيرانية ووضع مصيرها بيدها، مثلما حصل في السنوات الثلاثة عشرة الأخيرة في العراق حيث جعلت تلك الطائفة أداة لتنفيذ مشروعها الإمبراطوري التوسعي حتى صرحت قيادات إيران بذلك علانية بالقول ( إن العراق جزء من الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد ) وهذا جاء كنتيجة لتسخير الشيعة في العراق لخدمة مشروعها مستخدمة في ذلك الضرب على الوتر الطائفي والمذهبي الذي خدرت به الكثير من الشيعة حتى أصبحوا يقدسون إيران ويدافعون عنها وعن مشروعها ويقدمون أنفسهم وأموالهم وأبناءهم فداءاً لها !!!, وهذا يجعلني استحضر كلام المرجع العراقي الصرخي الذي قاله في حوار صحفي أجرته معه صحيفة الشرق بتاريخ 17 / 3 / 2015 م , عندما سؤل عما إذا كان قد التقى بالمجرم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني .. حيث أجاب قائلاً..
{{... ما تذكر من أسماء وعناوين ورموز هي مرتزقة وقادة مليشيات قاتلة متعطشة للدماء ولكل شرٍّ وفساد، وهم وسائل وأدوات تنفذ مشروع احتلال تخريبي مدمّر قبيح، خاصة وأنها تَعُد العراق جزءاً من إمبراطوريتها المزعومة المتهالكة المنتفية عبر التاريخ، فلا تتوقع التقاء أو لقاء مع محتل مستكبرٍ وأدواته التخريبية المهلكة المدمّرة، ونسأل الله تعالى أن يكفينا شرورهم ومكرهم وكيدهم ويرد كل ذلك في نحورهم، أما مورد السؤال عن الحاكم الفعلي في العراق فقد اتضحت معالم الإجابة عليه وفشل كل من انتقدنا وأخذ علينا مما قلناه في مناسبات عديدة، فها هي التصريحات الواضحة الجلية تأتي لتخرس الجميع في إشارتها إلى أن العراق جزء وعاصمة لإمبراطورية إيران المزعومة، هل فهم الأغبياء اللعبة ؟! وهل فهم العرب اللعبة؟! وهل فهم حكام العرب اللعبة.؟! ..وهل فهم العراقيون اللعبة؟؟!!! ...}}.
وهذا هو التقارب المصلحي السلبي الذي تحدثت عنه في مطلع المقال, فهي مصلحة أمريكية إيرانية, لكن سلبيته تكمن في إن أمريكا تريد إن تحصل على مكاسب على حساب الشعوب العربية وهدفها هو إسقاط إيران والسيطرة على المنطقة العربية الخليجية, وكذا الحال بالنسبة لإيران, فهو مصلحة مبنية على أذية الطرف الآخر, وهذا يتطلب من العرب جميعاً أن يفهموا ذلك الأمر جيداً ولا يعلقوا آمالهم على أمريكا من أجل الخلاص من إيران, لأن السياسة الأمريكية قائمة على خدمة مصالحها فحسب ولا يوجد شيء في قاموسها اسمه حليف, بل حليفها المصلحة, وما يؤكد ذلك هو انتقاد أمريكا عملية إعدام الشيخ النمر التي نفذتها السلطات السعودية, وهذا دليل واضح على إن إيران وتحركاتها في المنطقة تمت وتتم وفق إمضاء وقبول أمريكي, وعلى جميع العرب أن يفهموا هذه اللعبة.
792 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع