د. ضرغام الدباغ *
في غضون أيام قليلة أجرت معي قناة تلفازية عربية / أوربية مقابلتان حول موضوع واحد تقريباً، يشغل بال السياسي والمثقف والمواطن العادي، ألا وهو الإرهاب وأصداءه وما تسعى إليه دوائر عديدة في العالم الغربي، وقد أظم لهم العالم الشرقي، وكل من يريد أن يمد يده إلى الوليمة فيحصل على الغنيمة أو جزء منها.
كل مواطن يشعر أن هناك ثمة شيئ غير أعتيادي يدور، شيئ من تجمع واسع النطاق يريد أن يوقع بنا ضرراً كبيراً، واليوم هناك شعار كبير واسع يتسع لدول ومحاور ومعسكرات وأحلاف وأئتلافات، والكل يستخدم ما بحوزته من أسلحة، المحرم منها والمحلل، هنا حيث لا قانون، ولا شريعة، ولا حقوق دول وأمم وأفراد.
هذا المخطط رغم أن جرى التخطيط له بدقة، وينفذ بأحكام، إلا أن الأرض ستنتصر في النهاية، ربما سندفع ثمناً غالياً، ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، ليس هناك نصر جذوره في جريمة .......!
1
ذروة الإرهاب
ذروة الشيئ هي أعلى نقطة يبلغها تطور معين، ومن بعده هبوط تدريجي أو سقوط حر مدمر. والسؤال هل داعش أعلى تطور بلغته صناعة الإرهاب في منطقتنا أو في العالم ...!
لاشك أن داعش هي منتوج تختلط فيه حزمة خرافات، وألعاب مخابرات، وخطوط تسلل وألغام مبثوثة هنا وهناك، بحيث تجعل من هذه المنظمة حزمة من الأكاذيب والمبالغات، ولكن الحقائق أيضاً في حزمة متداخلة متشابكة يصعب بلوغ كنهها الحقيقي.
ونعتقد، بأرجحية كبيرة، أن توليفة كهذه، معقدة لهذه الدرجة، قد تعمد منتجوا هذا الكيان أن يمحوا آثارهم ليصعب أقتفاء آثارهم والتوصل إلى كنهة الكيان الحقيقية، في هذا العصر الذي يتسم بحقيقة أن الوسائل الالكترونية قد أصبحت بمستوى ألعاب الأطفال، بحث من السهل جداً لطفل لم ينهي الدراسة الابتدائية أن يؤسس موقعاً في الفيس بوك بدقائق، أو موقعاً على الأنترنيت بدراهم معدودة، ولكن داعش تمثل قلعة من الغموض أقرب إلى كونها منظمة سرية منها إلى دولة تريد أن يبدو خطها واضحاً للعيان قريباً للفهم، ولا معلومات لدينا عنها سوى مشاهد مفزعة مفرطة في القسوة، القصد الوحيد منها هو إلقاء الرعب لا السكينة والإقناع، ومن المؤكد أن لا وعي ولا ولاء حقيقي ينجم عن الخوف.
نتوصل إلى قناعة أن هذا الكيان ينطوي على الغموض أكثر من الوضوح، والكثير من الأوهام والأسرار، وبالتالي فالناس غير مرغمين على إطاعة كل من يرفع سكينه أو سيفه أو فأسه، ويحق لمن يريد أن يبحث في أصل الأشياء، أن يعتقد أن هذا الكيان من ألعاب المخابرات منتج في مختبرات الأجهزة السرية، ولم يسبق لنا أن واجهنا كياناً كهذا منذ عقود طويلة جداً وربما منذ قرون، ويتعمد من يقف وراءه أن يفجر مفاجئات تسيئ إلى الإسلام أكثر مما تفيده، وتكتل جهات ومعسكرات ضده، فهذه لا تدل على مقدرة سياسية، ولا مقدرة تكتيكية، فما يحصل هو خراب ودمار لا غير، وذرائع يمنحها بالمجان لمن يشحذ أنيابه واضلافه ليهاجم الإسلام والمسلمين بتهمة التخلف، وأشهد أن داعش تمنحهم هذه الفرصة الذهبية.
ومن هنا تحديداً شاعت فكرة أن الأجهزة الغربية لا تريد لداعش نهاية سريعة، وممارساتهم العملية تفصح عن ذلك، عبرت عتها تصريحات مسؤولين غربيين ومن الولايات المتحدة بصفة خاصة، فما تقوم به مفيد لها بنوع ما، وهو الإساءة للإسلام والمسلمين، ولسان حالها يقول دعهم يعمقون الحفرة، فسيأتي يوم على الناس لا تستطيع فيه سماع أسم الحركات الإسلامية المعتدل منها أو المتطرف، ولكن شعوبنا تدفع ثمن هذا العبث في مصائرها.
هناك قاعدة ذهبية في التحقيق، القاعدة تقول : أبحث عن المستفيد. وهنا في هذه الحالة تحديداً لا نبحث ولا نحقق طويلاً ..... النتيجة واضحة للعيان.
إذا كانت داعش تمثل ذروة غير مسبوقة، ليس في الإرهاب فقط، بل في إبداء آيات وضروب من التوحش، لم نكن نعرفها، فقد غادرنا هذا النمط منذ عهود ... وهي ليست من طبائع أهل المنطقة، فاليوم أجهزة المخابرات تشتغل بالالكترونيك، وتضم أجهزتها فروع مختصة بهذا العلم الواسع، اختصوا به ليسترقوا المكالمات، ويزرعوا الفايروسات في الكومبوترات، لإفسادها أو إتلافها، وليس من المستبعد أن ينتجوا كياناً مماثلاً يفوقه في أمران :
الأول : في تشتيت الدلائل لمن يحاول أن يقتفي الآثار.
الثاني : في سبيل الأنتشار والقمع.
قبل أيام، وأنا لا أتخذ مواقفي السياسية والفكرية بناء على الشحن والعصبية، بل على المشاهدة العيانية والتقرب لدرجة الملامسة، ودراسة الحالة من جميع أبعادها، وتقليب الأمر على كل وجوهه، قال لي محدثي : ألا ترى من الغريب والعجيب أن تتمكن داعش من الوصول لعاصمة دولة أوربية وهي باريس، المعروف بامتلاكها جهاز بوليسي وأمني كفء، وأميركا القلعة الأمنية، وأن تنفذ عمليات كبيرة بدقة وإتقان، فيما لم تحاول الوصل إلى ثلاث عواصم تدعي عداءها : تل أبيب ودمشق وطهران. لماذا ...؟
لا نزيد فالزيادة كالنقصان ....!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية بتاريخ 3 / كانون الأول / 2015
2
محنة في فقه الإرهاب
ليس في العالم العربي أو الإسلامي فقط، بل أني أعتقد جازماً أن هناك خلافاً غير بسيط في فقه الإرهاب بين كافة الدول بل وحتى في المؤسسات القانونية الدولية بما في ذلك محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، سيستمر لوقت طويل قادم. ويمتد هذا الخلاف حتى إلى أشهر معاهد التفسير والتكيف القانوني، والسبب في ذلك بتقديري أن العالم يفتقر إلى الديمقراطية الحقة، ومجلس الأمن لا يمثل سوى توافق القوى العظمى في قيادة العالم، وهذا هذا الغطاء الشرعي الفضفاض سهل الاختراق، ويمنح انطباعاً واضحاً أن مسرح السياسة الدولية في الواقع يعبر عن تفاهم القوى العظمى يتقاسم مواقع النفوذ في محاولة لتجنب الصدام بينها.
الإرهاب في العالم ليس جديداً، بل هو قديم، يتطور عبر مراحل التاريخ، منذ أن أطلق شاب صربي يدعى برنسيب النار على ولي عهد النمسا في حزيران / 1914 متسبباً بالحرب العالمية الأولى ويكتسب أهمية متواصلة متصاعدة، ولكن غالباً ما يزعم طرف ما أن الإرهابي هو ثائر يأس من إحقاق الحق، فلجأ إلى خرق القانون والنظام، فيما يرى الطرف الآخر، أن غضب الثائر هو محض جريمة. وبين هذا وذاك تقع مصائر أمم وشعوب ربما ضحية لسوء التفسير.
وقد يحدث، وربما غالباً، أن الطرف الضعيف، لا يمتلك القدرة على رفع صوته وإيصاله إلى كافة الصالات المقفلة والقصور المحروسة جيداً، فيعمد إلى إيصال رسالة، أن طالما تتجاهلون حقي، فلن أدعكم تهنأون، وليس نادراً تكون هذه الرسالة تسيل منها الدماء، وليس من المستبعد أن تكون دماء أبرياء.
في التاريخ الحديث، علامات بارزة تمثل مفارقات، فعلى سبيل المثال كان مناحيم بيغن وفق القانون إرهابياً قتل جنود وضباط إنكليز عندما فجر فندق الملك داؤود في القدس 1946، وحوكم غيابياً وحكم عليه، ولكنه زار بريطانيا كضيف رسمي فرش له سجادة حمراء، وليس هذا فحسب، بل ومنح جائزة نوبل للسلام وهو الذي محكوم بجناية وحكم ساري المفعول.
في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، شهد العالم مسلسل خطف الطائرات الأمريكية إلى كوبا، أو بالعكس، واليوم نشهد الكثير جداً من حوادث الخطف والأبتزاز والقتل، ففي الولايات المتحدة لوحدها هناك المئات من المنظمات السرية التي تقوم بأعمال قتل وتخريب منها مثلاً حادثة تفجير المركز التجاري في أوكلاهوما سيتي 1995من قبل عصابة تيموثي ماكفي، وعموماً شهدت الولايات المتحدة الكثير جداً من الأعمال الإرهابية التي كانت دوافعها عنصرية من قبيل جرائم الكلوكس كلان العنصرية، أو جرائم طابعها مادي، أ ومختلين نفسياً وعقلياً من مما يطلق عليهم (Running Amok) أو سعار القتل، وهم من نتائج الحروب التي تشنها الولايات المتحدة في العالم فيحترف جنودها القتل المجاني الذي لا حساب عليه.
وفي أوربا نشهد الكثير جداً من هذه الفعاليات، ولكن تتجنب الصحافة إطلاق كلمة إرهابي (Terorrist) فغالباً ما يكتبون مريض نفسي، أو مصاب بلوثة، أو أي شيئ ويستحق العناية الصحية والاجتماعية، أما في إسرائيل فلا يعتبر هذا إرهابياً، ولا تطلق كلمة واحدة سلبية على إرهابي الصهاينة.
موضوعة الإرهاب وتفسيراته، هو موضوع مناقشة في كليات القانون في العالم، وكنت مدعواً إلى مؤتمر في إحدى الجامعات عن إرهاب الدول العظمى التي أجرت تجارب وتفجيرات نووية في العديد من البلدان ويعاني سكان تلك المناطق حتى بعد مرور عقود طويلة على تلك التفجيرات. ولكن الدول العظمى التي تحتكر حق إجراء تجارب نووية علنية، وتخوض حروباً تستخدم شتى أنواع الأسلحة، لا تقبل بإحالة جنودها للمحاكم الجنائية الدولية، وترفض التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بذلك، وفي مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية.
الغرب والولايات المتحدة يدركون بدقة تامة أن الكثير مما يشكون منه هو من أفاعيل أياديهم، حروبهم وغزواتهم، وصواريخهم التي تنهمر على رؤوس الناس، فيصاب بعضهم بلوثة التوحش فعلاً، وينطلق في طريق عاطفي انفعالي، وهناك الآن من يتحدث بهذه الحقائق الموضوعية، من يغامر بوظيفته الإعلامية، أو الجامعية، ويقبل بمقاطعته مقابل قول الحقيقة كلها. الآن هناك من يتحدث بصوت عال، معتقدين أن الصمت غير مقبول. ورؤوساء أميركا ووزراء الدفاع فيها لا يجرأون على قول الحقيقة إلا بعد أن يضمن تقاعداً مريحاً، ثم يبدأ بالأسف والتأسف، وقد لا يخجل ويعترف بأنه كذب.
محاولة الدوائر السياسية والصحفية التي تحاول من جعل الإسلام والعرب شماعة، بائسة شرعاً وقانوناً، فلا توجد عقوبات شاملة، أن تعاقب كل من يبدأ أسمه بحرف (م) أو (ق)، ناهيك ليس بوسعك أن تحاكم وتحاسب شعوباً وأمم، الفقه القانوني العالمي يزخر بقواعد ملزمة للتفسير وتعتبر مصابيح إنارة :
•لا جريمة ولا عقاب إلا بنص.
•المتهم برئ حتى تثبت إدانته.
سياسات الغرب تسير في طرق تجد نفسها في تناقض وتصادم دائماً لأنها مؤسسة على المصلحة الذاتية دون النظر إلى من يحيط بهم. الغرب قوي ومسلح حتى الأسنان .... نعم .... ولكن لدينا مثل شعبي رائع في العراق يقول: (مو كل سمن عافية)
أي ليس كل سمين بصحة وعافية .......... فبعض مؤشرات السمنة هي ورم وانتفاخ ...!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الكاتب الأمين العام للمجلس السياسي العام لثوار العراق
المقالة جزء من مقابلة تلفازية بتاريخ 9 / كانون الأول / 2015
2234 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع