صباح ضامي
كنا ننادي فيما مضى بالحقوق الطبيعية للطفل ما يختص منها به تبعا لمرحلته العمرية و متطلباتها و منها ما يشترك به مع الكبار فالطفل هو انسان أيضا وله ذات الحقوق التي أقرتها الامم المتحدة و تبناها العالم المتحضر .
لكن بعد الاحتلال تغيرت قائمة الاولويات فتوقفنا عن ذلك لا لقلة أهمية الموضوع و لكن لبروز مشكلة اكبر اذ بات علينا أن نفكر بكيفية إيقاف المخاطر التي تتهدده قبل أن نطالب له بحقوقه .
كنا نبحث عن حل لمشكلة تشغيل الاطفال و تزويج القاصرات و ختان الاناث و ننادي بضمان حقوقهم في التعليم و غيرها من الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها أطفال العالم فصرنا نبحث عن كيفية حمايتهم من العنف و الخطف و الاغتصاب و القتل بأبشع الطرق دعكم من الكلام . نحن أبرع الناس في سن القوانين و عقد المؤتمرات لكننا أيضا أبرع الناس في الالتفاف على تلك القوانين فنضع بين سطورها أطواق النجاة التي تخلصنا من المساءلة . في الباب الثاني و الثالث من دستور 2005 فقرات تتحدث عن حقوق الطفل من قبيل ( تكفل الدولة حماية الطفولة وترعى النشيء ، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم - للاولاد حق على والديهم في التربية والرعاية والتعليم - حظر الاستغلال الاقتصادي للاطفال وتتخذ الدولة الاجراءات الكفيلة بحمايتهم - تمنع كافة اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع - تكفل الدولة للطفل الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الاساسية للعيش في حياة حرة كريمة - توفر لهم الدخل المناسب والسكن الملائم - يحرم العمل القسري للاطفال والاتجار بهم ...الخ
و هي مواد لا تضمن حقوق الطفل من حيث متابعة الجهات المسؤولة عن تنفيذها و محاسبتها في حالة تقصيرها فعبارات مثل تكفل الدولة حق التعليم ، تكفل الدولة الضمان الاجتماعي ، يحظر الاستغلال .. الخ هي عبارات عامة تستطيع اي جهة التملص من مسؤوليتها عنها كما ان القاء المسؤولية على الوالدين في التربية والرعاية والتعليم فيه أيضا تملص من المسؤولية إذ لم تشرح لنا الفقرة ما هو الاجراء الذي يجب على الحكومة ( و ليس الدولة كما ورد في الدستور ) أن تتخذه بحق الوالدين المقصرين في هذا المجال و ما هو دورها تجاه الاطفال المعنفين من ذويهم
سبعة مؤتمرات علمية عقدتها هيئة رعاية الطفولة للدفاع عن حقوق الطفل كان آخرها في كانون الاول الماضي أي قبل عام كامل من الآن ولم يتضمن المؤتمر فقرة واحدة في جدول أعماله لمراجعة ما تم تحقيقه من مقررات المؤتمرات السابقة و توصياتها . في ختام المؤتمر السابع الذي عقد برعاية رئيس الوزراء نوري المالكي و بحضور وزير العمل و الشؤون الاجتماعيه نصار الربيعي دعا المؤتمرون مجلس النواب العراقي للاسراع بالمصادقة على قانون برلمان الأطفال و قانون حماية الطفل الذي (تعمل) الهيئة على اعداده و كأن مشاكل الطفل العراقي قد حلت و لم يبق له الا برلمان الطفل ولا ادري هل أنجز برلمان الكبار واجباته لنتجه لبرلمان الصغار ، ثم كيف يصادق المجلس على قانون حماية الطفل و هو ما زال تحت الاعداد ، و دعى المؤتمرون وزارة التربية للتوسع في فتح مدارس صديقة للطفل ، حقيقة لم أفهم ما هي المدارس ( الصديقه للطفل) و هل هناك مدارس عدوة للطفل , كما دعوا هيئة الإعلام و الاتصالات إلى تفعيل الدور الرقابي على البرامج الموجهة للطفل وهي دعوة عجيبة فالاطفال يتابعون افلام الاكشن و الرعب و أفلام الجنس و المخدرات من قنوات فضائية لا سلطة لهيئة الاعلام عليها .
باختصار : باستثناء فقرة توزيع الشهادات التقديرية و دروع الابداع لممثلي الهيئة لم يخرج الطفل العراقي لا من هذا المؤتمر و لا من المؤتمرات الستة التي سبقته بغير البيانات الختامية التي تدعو و تطالب و تناشد ثم يغادر الضيوف القاعة برعاية الله و حفظه .
و منذ أيلول الماضي يعدون للمؤتمر الثامن الذي يفترض أن يقام هذه الايام و أقيمت اجتماعات حضرها ممثلوا وزارات التخطيط والخارجية والتربية والداخلية والصحة و حقوق الانسان و منظمة اليونسيف .. لكننا و بكل هذا الحشد لا نتوقع أن يحصل الطفل العراقي من هذا المؤتمر أكثر من المؤتمرات السابقه : دروع الابداع للمشاركين ووعود مؤجلة للاطفال
و عندما لا يكون باستطاعتهم غير بيانات يدعون بها و يشجبون و يطالبون فعلى الاقل كان بامكانهم - و نحن نعيش أيام شهر محرم و قد عقد المؤتمر في محرم من العام الماضي - الدعوة لحماية شريحة كبيرة من الاطفال يتعرضون في هذا الشهر لتجربة مريرة اذ يتم اقحامهم في طقوس التطبير و لطم الظهور بالسلاسل و لا يخفى لما لهذه الممارسة من مخاطر بدنية و نفسية كبيرة قد لا تمحى طيلة حياتهم إضافة الى تعرضهم لأمراض خطيرة قد يكون الايدز من ضمنها بسبب الآلات المستعملة فيها و فيها انتهاك لحقوق الطفل المعتمدة من قبل الامم المتحدة و التي وقع عليها العراق و التي جاء في أحد بنودها ( تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي ) لماذا لا يطالبون المؤسسات الدينية ببيان رأيها الواضح و الصريح بهذا الامر ؟ لماذا لا يصدر بيان حكومي ، من وزارة الصحة مثلا يحذر من مخاطر هذه الممارسات ؟ و هل على الحكومة أن تخضع لرأي المرجعية حتى اذا كان متناقضا مع مبادئ حقوق الإنسان و منها حقوق الطفل ؟ ألا يدل هذا السكوت من كلا الطرفين على أن هناك تواطؤا مفضوحا على تشجيع إقحام الاطفال في مثل هذه الامور؟
988 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع