د. ضرغام الدباغ
سيذكر التاريخ عبد الرزاق عبد الواحد طويلاً، نعم هو في تاريخ الشعر العربي عملاق لا يمكن المرور في حدائق الشعر دون رؤية بصماته الواضحة، في شعر عربي متين، أسلوب صعب سهل، وتكنيك شعري يكاد ينفرد فيه.
لكن العراقيين، الذين أنجبت ضفاف دجلة والفرات فطاحل الشعر العربي القديم والحديث، يرون فيه عملاق آخر .... أن يكون المرء شاعراً كبيراً ... وفي العراق تحديداً حدث عظيم، بلد أنجب المتنبي قديماً والجواهري والسياب ، وعبد الرزاق عبد الواحد أستطاع حقاً أن يكون علامة بارزة من علامات الشعر في العراق، وأن يقف في صف العمالقة وفي رأس القائمة، ولكني لست أتوقف هنا ....
عبد الرزاق عبد الواحد كان مناضلاً، عشق العراق، فأخلص له الكلمة والفكر واليد والعمل ....منذ الخمسينات وهو ملتصق بالنضال الوطني، متحملاً أوجاعها وألامها، يسير في دروبها غير هياب لما ينتظره في ثنايا الطريق، فتحمل الكثير الكثير ... أوجاع أعتصرته ... والعيش في غير العراق غربة .. وسمعنا أنينه يبكي للعراق ... فمن يستبدل ضفاف دجلة والفرات بملك الأرض ....وجنائن الكون ..؟
كان أريج العراق يفوح من ثنايا كلماته يوم تحادثنا للمرة الأخيرة ... كان يصارع الأوجاع والأمراض، ومتاعب الزمان، ولكن العراق كان حاضراً في فمه في كل آن وأوان .... لله درك يا أبا خالد ... لله درك ... عاش ومات وهو لا يعرف العراق إلا سيداً أوامره تطاع ... فجعل من نفسه جندي الكلمة يدافع عن العراق أينما حل وحيثما أرتحل ... مناضلاً عراقياً صلباً قاوم الاحتلال بكل قواه، بقلمه المقاتل، بضميره النقي، لا تلين له قناة.
عاشق العراق .... يكتب في قصيدته سفر التكوين ... يعلم الناس حب العراق ..
سفر التكوين
عندَما كـُـورَت
عندَما كلُّ آياتـِها صُوِرَت
قيلَ للشمس أن تـَستـَقيم على مَوضع لا تغيب
وَلـِلـنـَّجم كـُن أنت منها قريب
ثمَّ خـط على الأرض مُنعَـطـَفان
تـَبَجَّـس بينهما الماء
وانحَسَرَتْ آيـَتـان
بمُعجـِزَةٍ تـَجريانْ
فالتـَقى الفجر بالـلـيـل
والنارُ بالسـَّيل
كلٌّ بأمرٍ يُسـاقْ
وأتى الصوت :
كـونـي ..
فكان العـراقْ !
ثم يختمها وما أجملها من خاتمة
هو العراق سليل المجد و الحسب ..
هو الذي كل من فيه حفيد نبي ..
كأنما كبرياء الأرض اجمعها تنمى أليه
...فما فيه من سواه أبي ..
هو العراق فقل للدائرات قفي ...
شاخ الزمان جميعا والعراق صبي !
عبد الرزاق عبد الواحد .. من على سريره ينازع الموت ... في جسمه أنابيب وخراطيم ... بالكاد يستطيع الحديث .. ولكن عندما يذكر العراق يستثار ... يسألون عن الخيانة ... فينتفض المحتضر ملتقطاً سيفه ويرجز ... بأبدع ما يكون ... مردداً أبيات السياب الخالدة ...
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون..؟
ويكمل عبد الرزاق أبن العمارة هذا الأبيات الثلاثة بثلاثة ويزيدها بيتاً ستبقى على أفوه محبي العراق إلى الأبد ككلمات السياب أبن جيكور البصرة
يا عراق، هنيئا لمن لا يخونك
هنيئا لمن اذ تكون طعيما يكونك
هنيئا لمن وهو يلفض آخر أنفاسه
تتلاقى عليه جفونك.
في ثنائية رائعة يلتقي عبد الرزاق عبد الواحد بالسياب فيخطان قصيدة حب العراق ... والإخلاص للعراق حتى آخر نفس في الرئة ، وبقايا النبض في الجسد الواهن ...
هنيئاً لك يا عراق ... أبناؤك المخلصين الميامين ......
فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال
رحم الله عبد الرزاق عبد الواحد ... أبن العراق ... أبا خالد ...
شاعراً ومناضلاً
2194 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع