د. ضرغام الدباغ
(موضوع الندوة التلفازية عن الصراع بين العبادي ومجلس النواب)
ماذا بوسع الدكتور العبادي أن يفعل ....؟ بل ماذا بوسع حتى غيره أن يفعل في ظل تواصل المبادئ السوداء التي من أجلها شن الحرب على العراق فاعلة متفاعلة، بلد صودر استقلاله وهناؤه ودوره..
مع أن القدرة والخبرة تلعب دورها بالطبع في نجاح أي شخص بالمهمة الموكله إليه، إلا أن الأمر في الحال العراقي ليس مرهوناً بصفة حاسمة بكفاءة هذا الرجل أو ذاك .. فالبلاد تغطس في ألعاب تجاذب وتصارع قوى، هي بمجموعها نتاج الاحتلال وإرادة المحتلين، الذين تبلغ تناقضاتهم درجة التناحر، حيناً والتوافق حيناً آخر، تنعكس على القوى المساهمة في العملية السياسية والشعب العراقي من يدفع ثمن هذه المجازفات. التحرش بالفساد يعني بعبارة اخرى التحرش بكامل العملية السياسية، لأنها عملية فاسدة من جذورها.
فبالأمس فقط، تطلق الميليشيات الصواريخ علناً على مطار بغداد وحوله، وتعلن مسؤليتها عن العملية، وتتوقف الملاحة الجوية، هذا عدا أعمال قتل وسلب وأختطاف وطلب فدية، وشخصيات تتحدى الحكومة علناً في أجهزة الأعلام وتظاهرات لقوى ديمقراطية تحلم بالاصلاح تعم العراق، وعاصمة تغرق في أفتتاحية موسم الأمطار، واليوتيب، والوتس أب والفايبر تنقل صور ياللأسف مضحكة مبكية لناس يتنقلون في العاصمة وكأنهم في فينسيا ... هل هذه كلها من مسؤوليات الدكتور العبادي ..؟
لست في وارد الدفاع عن الرجل بالطبع، ولكن من الظلم تحميله كل المسؤولية، فهناك أكثر من إثنا عشر عاماً عجاف، لم يبق مسرب إلا وأحكم إغلاقه، ومغلق إلا وفتحه على آخره، لينجم عن كل هذا هذه الفوضى الضاربة أطنابها في البلاد بأسرها، ثم يحملون داعش المسؤولية كلها ..؟
داعش التي يقصدون ويحاربون موجودة في كل مكان، وفي المنطقة الخضراء أولاً، في بيوتهم، في أرصدتهم في البنوك، في العمارات الشاهقة التي اشتروها في العواصم، في الفضائع التي يرتكبونها ليل نهار، في الجلسات السرية والعلنية مع قوى أجنبية لا تريد الخير لبلادنا ... داعش في كل زاوية ومكان رمزاً للتعصب والتطرف، وهوس القتل، في بلد يعج بالمليشيات والقوى السوداء، وقوى تمثل الأجنبي جهاراً نهاراً، داعش هي بعض من ملح هذه الأرض ... وبعد .. ماذا نقول ..؟ لا أريد أن أعيد على مسامعكم قصيدة بول أيلوار يبحث فيها عن الحرية فيجدها في كل مكان، ولكنه محروم منها ..! داعش الموت والخراب موجودة في كل مكان، في جيوب المترفين وأرصدة السياسيين الفاسدين وقصور الحكام المتعاونين مع الأجنبي قبل أن توجد في البراري والبوادي ....
السيد العبادي يصلح أن يقال عنه رهين المحبسين، وربما صاروا ثلاثة محابس بعد دخول الروس حلبة الرقص الدموية، وربما محبس اخر خلف الكواليس والله اعلم ... وهو يعلم أن أي خطوة يخطوها ينبغي أن تنال موافقة ثلاث مندوبين ساميين، أو أم يحسب حسابات خواطرهم. أتوقع أن الدكتور العبادي يريد أن يفعل شيئاً، شيئاً يجول في خاطره هو .. ولكن المشاريع الوطنية النظيفة ليست خواطر، إنما هي برامج عمل، لها أسس ومقومات وشروط، أين منها في الواقع الموضوعي العراقي اليوم المزروع بالفخاخ والألغام ومصائد المغفلين .... والموت المجاني في الطرقات، بكواتم الصوت أم بالراجمات ..!
مجلس النواب الذي شعاره العطالة والبطالة، أنتفض فجأة وعارض رئيس الوزراء لأنه تجرأ أو ربما لأنه قلل رواتبهم. أو ربما تلقى أمراً ممن لا يرد له أمر ... اليوم إن غلب علي هذا الأسلوب، فلأن عيناي أمتلأت بالدموع، وضحكت حتى سمع الجيران صوت ضحكي على مشاهد وكليبات عن الفيضان تلقيتها من العراق، والناس من ضجرهم وقرفهم يتحدثون عن كل شيئ، لم يعد أحد يخاف أو يستحي، حتى الموت صار ضرباً من خلاص ونهاية يرحب بها الناس، أو لا يزعلون منها، الفرار من الحياة لأن لم يعد في الحياة شيئ يستحق أن تعاش، كما الفرار إلى خارج الوطن بعد أن صار الوطن لا يطاق، بلد كان من أرقى بلدان الشرق الأوسط أمناً وأماناً وعلاجاً، وتعليماً، الناس فيه صاروا فيه يرددونها وكأنها حكمة : لو يأكلك الحوت، أو يأكلك الدود.
ماذا أصابك يا بلاد الرافدين ...!
دوام الحال من المحال، كل هذا سينقضي يوماً، ويجلل بالعار والشنار من وضع يده في هذه القذارة ..؟
ـــــــــــــــــــــــــ
المقالة جزء من مقابلة تلفازية بتاريخ 2 / تشرين الثاني ـ نوفمبر / 2015
2143 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع