مدينة آشور ASHUR قلب المملكة الاشورية

                                                                      

                                    أ. فؤاد يوسف قزانجي

أول مدينة و عاصمة للآشوريين، أخذت اسمها من الإله آشور الإله العظيم للأقوام الآشورية الرافدينية . بقيت عاصمة لهم من القرن التاسع عشر على الاقل وحتى منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد . وتعرف اليوم آثارها بقلعة شرقاط ، وتقع على بعد مائة وعشر كيلومترات جنوبي الموصل. سكنت في هذه المدينة أقوام متعددة منذ العصور القديمة، حيث عثر فيها على آثار ترقى الى بداية الألف الثالث قبل الميلاد من بقايا حضارة سومر، وهذا ما يلفت الانتباه باعتباره شاهدا على انتشار الحضارة السومرية حتى شمال بلاد الرافدين.

يرجح انها بنيت في القرن18 ق.م. من قبل الاشوريين. اذ سكنها الاكديون هذه المدينة في احدى الفترات، وقد تم الاستدلال على ذلك من خلال وجود قبور لهم على شكل آنية مقلوبة وهي تقليدا  رافدينيا موغلا بالقدم.
صارت مدينة  آشور مركزا لتجمع القبائل الآشورية القادمة من غرب العراق او شماله ، على الارجح  قبل مجيء الاقوام الامورية . واستطاع الآشوريون في عهد ملكهم "ايلو- شوما" حوالي 1900 ق.م ان يتحرروا ويكسبوا استقلالهم عن البابليين في مدينة آشور وما جاورها.
 توسعت مملكتهم في زمن ملكهم شمش-ادد الأول "1753-1721ق. م" حتى بلغ نفوذها ضفاف الفرات الشمالي وخضعت لهم مملكة ماري  ،التي صار يديرها أحد الأمراء الآشوريين وامتدت مملكتهم في شمال العراق حتى مدينة "شوشرا" قرب مدينة رانيا التي كانت مركزا اداريا للملك شمش ادد. غير ان نفوذ مملكة آشور لم يدم طويلا اذ ضمها الملك البابلي العظيم حمورابي عام "1700 ق.م" تقريبا الى مملكته حتى القرن السادس عشر حين استعاد الآشوريون قواهم بعد ان اكتسحت العراق القديم أقوام جبلية تدعى بالكاشية أو الكاسية الذين استولوا على المملكة البابلية. وفي عهد الملك الآشوري بزور- آشور الرابع "1530-1511 ق.م" أعيد بناء مدينة آشور وتوسيعها (1)، ومنذ ذلك الحين بدأت مملكة اشور في التوسع .
أصبحت آشور عاصمة للمملكة الآشورية منذ عهد الملك آشور-اوبالت "1363-1382 ق.م" الذي فرض حمايته على الميتانيين وعقد معاهدة تحالف مع الملك البابلي بربنو-رباش. وقام بعده الملك توكولتي  نينورتا الأول "1244-1208 ق.م" بإخضاع بلاد بابل وطرد الكاشيين. وفي عهده شرع ببناء الزقورة الرئيسة في آشور والتي كان يتربع على قمتها الإله آشور. الا ان الهيمنة الآشورية عادت فتقلصت. لعل تكلات بلاصر الأول "1112-1074 ق. م" هو الذي اعاد بناء المعابد ، اذ يعتبر احد مؤسسي الامبراطورية الآشورية حيث وصلت جيوشه الى البحر الأسود شمالا والبحر الأبيض غربا، وفي عهده قام ببناء زقورتين اخريتين الأولى أسماها باسم الإله آنو والأخرى باسم الإله ادد . ازدهرت المدينة وما حولها في عهد الملك ادد- نيراري الثاني "911-891 ق.م" وحفيده الملك آشور- ناصربال الثاني "883-859 ق.م" .
حينما عاد اشور ناصر بال من احدى حملاته على الاراميين في بلاد بيث-ارام (سوريا فيما بعد) جلب معه كمية من الأخشاب نقلها من جبال الأمانوس شمال غربي تلك البلاد ، واختار عاصمة جديدة له هي كلخو "نمرود" حيث شيد هناك قصرا فخما مزينا بالمنحوتات، ومع ذلك ففي عهد الملك شيلما نصر الثالث "859-824 ق. م" جددت أسوار مدينة آشور، وأعيد بناء ما تهدم من قصورها ومعابدها. وقد عثر بين أسوار جنوبي المدينة على مسلات وجد في احداها نصا عن الملكة سمورامات "سميراميس" زوجة الملك الاشوري شمشي ادد الخامس "824-810 ق.م" التي أصبحت وصية على العرش بعد وفاة زوجها. ولا بد انها قامت بأعمال باهرة في مملكة آشور حتى يكتب عنها ثلاث أساطير يونانية وأرمنية وربما آشورية.
وقد اتخذت آشور ثانية عاصمة للحكم الآشوري على عهد الملك سركون الثاني "721-705 ق.م" لكنه لم تمض الا بضعة سنوات حتى انتقل سركون الى مدينة كلخو  وربما الى قرية نينوى، واخيرا شرع في نهاية حياته ببناء مدينة جديدة اسماها دور- شاروكين أي مدينة سرجون "خورسباد". وبعد ان أكمل بنائها عام "707 ق.م" قضى فيها سنتين قبل ان يتوفى وهو في أوج قوته ونشاطه حينما كان على رأس حملة على الحدود الشرقية.  لكن  الملك سنحاريب قرر ان ينقل عاصمة الامبراطورية الاشورية  الى نينوى : فبنى له قصرا منيفا وبلط شوارعها ، وعمر لها سورا ذي بوابات تحرسها روح خيرة تخيلها الاشوريون : على شكل ثور ضخم  (يمثل القوة) وراس انسان (يفكر) وذو اجنحة (مرتبط  بالسماء)، وبذلك ترك وراءه العواصم الثلاثة السابقة آشور وكلخو ودورشاروكين.
 وعلى الرغم من انتقال العاصمة نهائيا الى نينوى، فقد ظلت مدينة آشور محتفظة بأهميتها الدينية وبمكانتها الحضارية، لانها مدينة مقدسة،كان معظم ملوكهم ينقل جثمانهم بعد موتهم الى مدينة آشور ليدفنوا بين احضان الاله الجليل آشور، وكان سكان المدينة  فخورين بضخامتها وجمالها وبروعة زقوراتها الثلاث.
تتمثل معالم مدينة آشور المعمارية بالزقورة الكبيرة والعالية المخصصة للإله العظيم "آشور" الذي كان ينافس الاله العظيم "مردوخ" في بابل. وقد عرفت ايضا بزقورة الإله "بيل" كناية عن الإله انليل أبو الآلهة، ولا تزال أسسها قائمة بارتفاع واطئ بحجمها الكلي، والى الغرب منها بقايا زقورتين أصغر منها، كانتا مخصصتين لعبادة الإلهين "آنو" اله السموات والإله "ادد" إله الرعد والبرق والأعاصير. وهذا الإله تمت عبادته من قبل الأقوام التي سكنت سوريا كالأوكارتيين والاراميين باسم حدد . وللمدينة سوران خارجي وعرض أساسه 8.5 م ومن الطرف منحنى بما يشبه الزاوية القائمة تقريبا ليحيط بالقسم الجنوبي من المدينة، وعرض أبراجه في حدود 7.6 م. أما السور الداخلي الذي سمي "دورو" فله مسار مواز للسور الخارجي، والمسافة بينهما متناظران من حيث الارتفاع. اما البوابات فمجموعها ثلاث عشرة بوابات تتوزع على أقسام السور، وأكبر هذه البوابات هي البوابة الرئيسة المسماة "كور-كوري"، وهناك معبد يقع الى الشرق من الزقورة فضلا عن "34" معبدا من أشهرها معبد شمش ومعبد عشتار ومعبد نابو اونبو. وهناك عدد من القصور أبرزها القصر الملكي الذي يقع غرب الزقورة الكبيرة (2). وكانت المراسيم الدينية لتتويج الملوك الآشوريين حيث يقوم الكاهن الأكبر بالنيابة عن الاله آشور بتسليم التاج وشارات الحكم الى الملك الجديد وكان الاله آشور يصور بهيئة انسان حتى نصفه ، يمثل قرصا شمسيا وله جناحان مبسوطان، وبيديه قوس يرمي سهما به "يرمز الى القوة".
دمرت مدينة آشور ونهبت كنوزها على يدي الميديين المتحالفين مع البابليين وغيرهم في عام 614 ق.م.وقد تضاءلت أهمية المدينة في فترة احتلال الفرس الأخمينيين لها وأفادنا "زينفون" في رحلة العشرة آلاف ان المدينة أطلق عليها آنذاك اسم "كانا Kana " اما السلوقيون اليونانيون ورثة الاسكندر الكبير فقد أهملوها لان حركتهم كانت جلّها من الجهة الاخرى من دجلة. الا ان صورة المدينة تبدلت بمجيء الفرثيين اوالبارثيين حيث أصبحت آشور مرة اخرى مع مملكة حاطرا "الحضر" التي تبعد عن دجلة "50كم" غربا وكذلك دور- يوربس "الصالحية" على الفرات، من المدن التجارية الرئيسة في شمال العراق، ولكن اسمها التاريخي آشور قد أستبدل باسم "لبانا Labana ". وقام البارثيون بالعناية بالمدينة فبنوا معبدا ذا أعمدة ومعه أروقة معمدة. كما ظهرت أشكال من الأبنية هي مزيج من العمارة البارثية- الآشورية باعتمادها على الديوان الذي وجد في قاعة العرش في القصور الآشورية، ونفذوه في أبنيتهم التي أقاموها في المدن العراقية القديمة. وبنى الفرثيون قصرا منيعا لحاكم المنطقة التي كانت تشرف على طرق المواصلات الشمالية، وكان يضم فناءا وأربعة أواوين وقاعات تحيط بالفناء وغرف كثيرة اخرى. وكان معظم السكان قد شيدوا لهم بيوتا في جنوب المدينة (3).
اول من نقب فيها البريطانيون في القرن التاسع عشر ، ثم الالمان  في القرن العشرين فوجدوا بعض التماثيل والمسلات الاشورية وربما مئات من الرقم الطينية، نقلت الى المتحف البريطاني في لندن، والمتحف الاسيوي القديم في برلين .

المصادر:
(1) سفر، فؤاد. آشور. بغداد: مديرية الآثار العامة، 1960 "ص3-4".
(2) اندريه، فالتو ولينستن، هاينسن. آشور المدينة الهلنستية ؟، ترجمة عبد الرزاق كامل الحسن. بغداد، المؤسسة العامة للآثار، 1990 .
(3) صالح، د. قحطان رشيد. الكشاف الأثري في العراق. بغداد: المؤسسة العامة للآثار والتراث، 1987 "ص22-26".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1146 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع