أحمد دلي*
في أحد الأيام حينما كنت طالباً في قسم هندسة البتروكيمياويات المرحلة الثالثة في الجامعة التقنية الجنوبية في البصرة كان لديّ ولع كبير بتقنيات الأنترنت وأهميته الكبيرة في العصر الحديث. فمن خلال أحتكاكي بأغلب الطلاب وخصوصاً كنت أسكن في القسم الداخلي للكلية الهندسية داخل الجامعة أستعرض عليّ بعض الأصدقاء بأن أقوم بتعليمهم الأنترنت بطريقة بسيطة ولان أغلب الطلاب لم تكن لديهم فرصة تعلم الأنترنت والحاسوب بالمدارس الحكومية وحتى الأهلية وغياب مراكز التعليم إلا ما ندر وعدم أهتمام مؤسسات المجتمع المدني بذلك ، فأن كثير من الطلاب بقي يستحي من أن يمسك الحاسبة خشية أن يقال له أنك لا تعرف الحاسوب وهذا عيب في ظل غيّاب وسائل التعليم.
أرتأيت أن أقوم بمبادرة (عمل دورة سريعة للذين لا يعرفون مباديء الأنترنت) ولأن الأنترنت أخذ حيزاً كبيراً في العمل والبحث الأكاديمي والعمل مع الشركات الأجنبية ،ذهبت الى عمادة الكلية وكان عميدها آنذاك (الدكتور رفعت حمود السنجري) فدخلتُ على مكتبه وسألت السكريترة أن كان موجود أو لا، فأخذت الأذن منهُ وأدخلتني على غرفته ولأني أحد طلابه ( حيث درّسني موازنة المادة في المرحلة الثانية) رحّب بي وأجلسني على الكرسي وطرحت عليه فكرة الدورة ،فأجابني مبتسماً (منين مدعوم) أعتقدت أنهُ يمزح خاصة أن النظره عنه في بداية تسّنمه المنصب على أنه شخص درس في رومانيا وهو مثقف ويشجع على المبادرات خصوصاً صار خلفاً لعميد سابق(الدكتور ساجت) أتهم بالبعث وعسكرة الجامعة وهذا أمر صحيح كان العميد السابق متشدد ويرّكز على الزي والأمور التي لا علاقة بالتعليم أكثر من التعليم نفسه حيث يذكر أنه جاءت أحد المنظمات الدولية فسألتهُ عن أحتياجاته في الكلية فقال 12 قلم أي يقصد بذلك (12 كاتب) وهذا المصطلح على ما أضن مستخدم في النظام العسكري. على أية حال ترك الدكتور السنجري أوراقي على مكتبه وحوّلني الى مكتب موظفة داخل العمادة لا أتذكر أسمها فكانت السيدة مرحبة بالفكرة وشجعتني وأثنت على جهودي وقال لي العميد (راجع الموظفة بعد) فقمنت بين الحين والآخر أراجع الموظفة حتى تعبت لأن العمادة كانت في بناية الطابق الثالث وكنت أقضي أستراحة المحاضرة بالمراجعة عليها حتى سئمت . تبيّن لي في النهاية أن الكلية لا ترغب تماماً بأن تعمل هذه الدورة لأسباب لا أعرفها حتى الآن ! فلم أيأس من حالي فذهبت الى رئيس قسم هندسة البتروكيمياويات الدكتور عدنان عبد ألله عتيق وهو من الأساتذة المهمين من الناحية العلمية حيث كان يدّرس مادة (تصميم المفاعلات الكيميائية) فقد الأستاذ بدأ بالترحيب بنا للوهلة الأولى لحين طرح الموضوع عليه، فرغب وبجدية في أن يتم هذا العمل الذي وصفه بـ (المبادرة الممتازة) وقال ماهي أحتياجاتكم فقلتُ له (جهاز عارض بيانات وموافقة) وأنا سوف أستخدم حاسوبي الشخصيي، فبينما نحن نخرج من الكلية قال الدكتور عدنان خذ هذه الـ 50 الف دينار عراقي وأشتركوا بها في خدمة الأنترنت ،فذهبنا مباشرة الى منطقة حي المهندسين وبدأنا الدورة في القسم الداخلي وقد أستهدفت الدورة أكثر من 250 طالب فحققوا نسبة تعلم لا بأس بها في مهارات الأتصال في الأنترنت وأصبح الواحد فيهم قادر على أن يعمل (بريد ألكتروني ووصل البعض بهم لأن يصمم مدونات على موقع بلوك سبوت والبعض صار يعرف كيف يمكنهُ البحث في الأنترنت وتنزيل الكتب والخ).
كل هذا حدث في عام 2012 ،فبعد عام تقريباً ففي شهر يناير من العام 2013 بدأت حملة أنتخابات مجالس المحافظات ولان جامعتنا تقع بالقرب من المدينة الرياضية التي أصر المالكي أن يلقي فيها خطاب لمرشحي كتلة دولة القانون النيابية قبل أن يتم الأنتهاء من العمل فيها حيث كانت الأؤضية لا تزال في بداية عمل الثيل لها وأن الكثير من الأعمال في طور الأنشاء. فقرر العميد رفعت السنجري كجميع الكليات في البصرة أن يعطّل الدوام في الكلية وقرر أن يُذهب بالطلبة جميعاً الى الملعب الرئيسي حيث يتواجد رئيس الوزراء نوري المالكي ومجموعة من المرتزقة في مكتبه ووزير الشباب والرياضة جاسم محمد جعفر وعدد غفير من الجنود والضبّاط والسيارات المظلله وأجهزة المخابرات والأستخبارات الذيم ملئوا الشوارع المؤدية للمدينة.
لم يكن أحد من الطلبة يعرف أن السنجري هو من حزب الدعوة الحاكم إلا أن أحد المرشحين (التي كانت زوجته) كشفت عن انتماءه السياسي وهي تقف في الصف الأول بالنسبة للمالكي أدركت حينها أن هذا الرجل من حزب الدعوة سيء الصيت والمدمر للعراق أرضاً وشعباً.
وتيقنت أن هذا الرجل صاحب قصة الأنترنت هو ضمن سلسلة طويلة لا تنتهي من الخراب والدمار بدءاً من التآمر على العراق بتسليم حقوله النفطية كهبة للشركات الأجنبية وأنتهاءاً بتسليم العراق الى المنظمات الأرهابية وتفتيت اللحمة الوطنية من خلال بث الطائفية وتشريع العنف كمهنج عام في العراق.
*مهندس وناشط مدني وكاتب صحفي من العراق
939 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع