عندما كتب بيرم التونسي بساط الريح والتي غناها فريد الاطرش وصف المغاربة والتوانسة بانهم بلاد الحوت اي السمك والغلة والزيتون ووصف الشوام واللبنانيين بانهم قامات وعيون وخمر ونبيذ وشراب ولكنه عندما وصف العراقيين وصفهم بانهم ( زلم ) اي محاربين اشداء فيهم النخوة والشجاعة والمروءة والكرم ووصف العراق بانه بلاد خيرات وبلاد امجاد,, ومما قال احنا هنا بالسيف نحمي ارضنا .. وفي نهار الحيف نحمي عرضنا .. اما الكرم للضيف مخلوق لنا .. يازلم
ثم قال في وصف العراقيات اللواتي خصهن بالحسن والجمال الفتَان :
يادجلة انا عطشان مكدر ارتوي .. من حسنك الفتان هذا الكسروي ..في كل رمشة عين خنجر ملتوي ..
اذً مالذي حصل لتتغير منظومة القيم في العراق بحيث اصبح شيخ الديوان والقبيلة وهي العرف والناموس عندنا يشرف على ذبح النساء والابرياء والعزل في مضيفه .. مالذي جعلنا بكل هذا السوء والذبح الطائفي بدون رحمة ونسكت على الكبائر من الفقر المدقع وتشرد النساء واستجدائهن وانحراف الصبايا في عمر الزهر تحت وطأة الفقر والعوز والحرمان والظروف القاهرة
اليست هذه بلاد حمورابي اول تشريع وقانون في التاريخ في مسلته المعروفة وهو اول من نظم الحياة المدنية والعسكرية بقوانين واحصى الجند لانه اراد الضبط والربط في بلاده .. اليست هذه بلاد نبوخذ نصر الذي ثار على انتهاكات اليهود في فلسطين وراح يدك مملكتهم على راسهم حتى ازالها وجاء بهم اسرى اذلة الى بابل المجد .. بحيث اننا الى يومنا هذا ونحن ندفع ثمن شجاعته ووقوفه مع الحق مؤامرات على بلادنا لتقسيمها وانهاكها وترويضها , فاليهود معروف ان موطنهم الاصلي مصر وهاجروا مع نبي الله موسى الى فلسطين واقاموا فيها مملكة لكنها اضطهدت سكان الارض الاصليين وسامتهم العذاب فانتصر لهم نبوخذ نصر ودك مملكتهم دكا ..
اليس بالعراقيين وليس بغيرهم فتح محمد القاسم كل اصقاع الدنيا والهند والسند والصين وبلاد تركب الافيال .. اليس هؤلاء هم من وقف مع الخلافة العثمانية ضد الانكليز وحارب معهم مع معرفتهم بظلم العثمانيين وقسوتهم الا انهم انتصروا للاسلام معهم.. اليسوا هم من قاد ثورة العشرين ضد الانكليز باسلحة بسيطة كالفالة والمكَوار, وارادة وعزيمة جبارة وانتصروا عليهم واستولوا على اسلحتهم
ولو ان هنالك عدل في التاريخ والاعلام لاصبحت معركة ثورة العشرين توازي او اشهر من معركة الزولو الافريقية لان الاثنين استخدموا ادوات بدائية في حرب الانكليز وانتصروا عليهم رغم فارق العدة والعدد والامكانيات
هم يعرفون ان للتاريخ دورات وان شجاعة العراقيين لايقف بوجهها شي, وهم لديهم نبوءة انه لن يزيل ملكهم الا العراقيين .. وانهم ممكن ان يعيدوا الكرة ويعملوها فيما لو توفرت لهم الظروف والحياة المناسبة
فما كان منهم الا روضوا العراقيين بصبر واناة حتى يصلوا الى هذه النتيجة والخراب الذي نراه اليوم .. ابتداءا من الحرب العراقية الايرانية وكيف انهم جعلوا العراق يقاتل ثمان سنين عجاف لاجل لاشي وفي النهاية عدنا الى حيث ابتدأنا فلاحررنا نهرا ولا استعدنا مدينة .. فخرَبت تلك الحرب اقتصاد البلدين وجعلتهما يخسران خيرة شبابهما والهتمها بالعراك الطويل وخرج كل منهما باقتصاد بائس وهزيل وديون مرهقة , فبعد ان كان العراق يملك احتياطي نقدي يقدر باكثر من ستين مليار وهي ثروة كبيرة في وقتها اصبح مديونا ويعاني من المشاكل التي لاحصر لها ..
ولم يكد يلتقط انفاسه حتى اوعزوا بدخول الكويت .. وكان كل شيء مخطط له تخطيطا عاليا ومبرمجا برمجة لاتقبل الخطأ .. كانت حرب الكويت تبتغي كسر التعاون العربي العربي وانهاء اتفاقية الدفاع المشترك وفقدان الثقة بين البلدان العربية مما يجعلها ترتمي باحضان الغرب وامريكا واسرائيل خوفا من بعضها البعض , وكان لهم ما ارادوا ففتح الخليج ابوابه مشرعة للقواعد الامريكية مجانا .. بل هم يدفعون لها لتبقى.. في حين امريكا تدفع دم قلبها لاي قاعدة تريد فتحها سواء في تركيا او كوريا او الفلبين او اي مكان آخر في العالم
ثم اعقبوه بالحصار .. وما ادراك مالحصار .. لم تكن القيادة محاصرة .. فكانت تصلها افضل وافخر الاطعمة مسلفنة من مطارات العالم وكانت الطائرات تنقل المرمر الايطالي المذهب والثريات الذهب من النمسا الى القصور الرئاسية وبيوت الرفاق
الحصار طال الشعب وجوَعه وحرمه من الغذاء والدواء بحيث اصبح اكل اللحم حلم ,والدجاجة لم نرها الا مرة واحدة عندما منحوها مكرمة في رمضان او العيد .. وهي عبارة عن ربع كيلو, دجاجة وليست بدجاجة ..
مات من اطفال العراق وناسه جراء الحصار الملايين .. والازمات تفننوا في خلقها .. ازمة نفط, غاز رز طحين مياه حتى العملة لم تسلم من ذلك فاصبحت ازمة النقود المزورة والناس تقف طوابير لتفحص العملة سليمة ام مزورة .. مما دفع الناس الى الهروب الى كل اصقاع العالم .. اتذكر مرة عندما كنت استاذة جامعة في ليبيا .. سالتني احدة الموظفات وتدعى سالمة قالت هل صحيح انكم تاكلون الشبابيك والابواب جراء الحصار .. قلت كيف ممكن لانسان ان ياكل الابواب والشبابيك .. قالت رايت ذلك في تقرير في التلفزيون .. قلت نعم ولكن ذلك يعني ان العوائل نتيجة الفقر والعوز تبيع شبابيك بيوتها والابواب احيانا لتعيش وتاكل بها . وذات مرة وصلت رسالة لاستاذ آخر قال له اخيه فيها هنيئا لكم انكم تاكلون وتشربون .. اما نحن فنتمنى ان يحيطونا بسور كالخراف فقط يعطونا اكل وشرب .
ثم اعقبت ذلك الحرب الامريكية لاسقاط النظام .. ليس لانه ضدهم بل لانهم ارادوا تسويقه سياسيا مرة اخرى فرفض حكام الخليج ذلك رفضا قاطعا ولم يتقبلوه فكان عليهم اسقاطه ليبدأوا مرحلة جديدة خططوا لها جيدا ومن زمان .. الا وهي مرحلة تقسيم العراق وتمزيقه الى دويلات متناحرة على الحدود والمياة والموارد وبذلك يامنوا ان العراق القوي الواحد انتهى وعصر الشرذمة والانقسام اتى
ثم اتوا بعد التغيير بكل نطيحة ومتردية وموقوذة وما اكل منها السبع لتدير البلاد .. ومنحوهم الرواتب الخيالية لتكون رشوة لهم ليسكتوا على تخريب البلاد وانهيارها .. لانه ليس هنالك نظام مثل الذي في بلادنا, كل واحد سلطان وملك وليس لاحد سلطة عليه ,ونواب اكل ومرعى وقلة صنعة وامتيازات ليس لها مثيل حتى في امريكا نفسها
لقد روضوا الروح العراقية وشوهوا نفسية العراقي ودمروا ذاته باجراءات طويلة وبطيئة من حروب ودمار وحصار ومذابح طائفية واشاعة عدم الثقة بين المكونات وفرهدة للمال العام ليصلوا الى ماوصلنا اليه الان , فقد اصبح العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والكرم وحب المواجهة, خنوعا مستسلما يقول في قرارة نفسه لااريد المزيد من القتل والذبح والجوع والمغامرات . فليحصل مايحصل المهم ان اعيش سالما مع عائلتي وآكل ماتيسر لي حتى ولو كان غير صالح للاستهلاك البشري
لقد اتت خطة تروض العراقي وتحطيم نفسيته وقدراته اُكلها.. روَضوه وانهكوه حتى باشاعة الامراض الصحية والاجتماعية والمواد المشعة والبطالة والتوزيع غير العادل للثروة ونقص الخدمات واتعبوه في دوائر الدولة والمحسوبيات والمنسوبيات , كل ذلك وغيره جعل العراقي الشجاع لايكترث بما يدور حوله .. لهذا السبب ايها الاخوة لايثور العراقي على مظاهر الانحراف والجوع والعوز والتشرد وكل المظاهر السلبية التي تنهش بنا وتأكل بمجتمعنا
د. ناهدة التميمي
1168 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع