بدري نوئيل يوسف ـ السويد
استيقظت ذات صباح ، فإذا بي ألمح من النّافذة سيارة دفاع مدني واقفة امام منزلي ،ما أصعب و أمرّ أن يقع الإنسان في قبضة الخوف فيدهوره و يحطّم معنوياته ، توقعت ان حريقا قد حصل او سرقة في المنازل المجاورة مما استدعى حضور رجال الدفاع المدني .
غيرت ملابس سريعا وخرجت الى الشارع ، ارى جارتي السامرنا جالسة على الرصيف تجهش في البكاء في مرارة وحزن ، سألتها ماذا جرى ولماذا البكاء ، قالت بنبرة حزينة : قطتي (مِيّو MIO) قبل يوم ولدت وأحد صغارها حُشِرَ بين دولاب الملابس والجدار ولهذا استدعيت رجال الدفاع المدني وجمعية الرفق بالحيوان لمساعدتي وإخراج الصغير سالما ، لان القطة الام خربشت الجدار والدولاب ، والمنقذون يحاولون ازاحة الدولاب وإخراج الصغير . ضربت على راسي وعدت إلى المنزل منكسرا حزينا أجر خطى الخيبة وقد تملكني حزن شديد ،
تذكرت الكَلْبَة (لايكا ) هي كلبة فضاء سوفيتية (1954 - 3 تشرين الثاني 1957) وهي أول كائن ثديي يخرج إلى الفضاء ويدور حول الأرض ، وأوّل من فقد حياته جرّاء هذه التجربة وتلقت لايكا تدريبات مع كلبين آخرين حتى وقع الاختيار عليها لتقوم بهذه المهمة وتنطلق مع مركبة الفضاء السوفيتية سبوتنك-2 في 3 تشرين الثاني 1957.
فقد احتجت بشدة الدول الاوربية وأمريكا باسم جمعيات الرفق بالحيوان على هذا العمل اللا إنساني فكيف تجيز دولة عظمى لنفسها أن تنتهك حقوق الحيوان بهذه الصورة الفاضحة وكثير من اعضاء هذه الجمعيات أبدو سخطهم واستنكارهم لهذا العمل الشنيع ، ربما تتعرض المسكينة لايكا الى الخوف والقلق وربما الموت . ولكنها ماتت بعد بضع ساعات من اطلاق المركبة ، يقال بسبب الإجهاد ودرجة الحرارة المرتفعة ، ولكن الكَلْبَة مهدت في هذه التجربة الطريق أمام خروج الإنسان للفضاء وأعطت للعلماء أحد أول المعلومات عن كيفيّة تعاطي الكائنات الحيّة مع البيئة الفضائية. جلست اسرح في افكاري وأسال نفسي أين المنظمات الدولية من حقوق الانسان وما يجري الان في بلدي وقلت مع نفسي سأنقل هذه الحادثة الى صديقي الشيخ عند زيارتي له ربما اجد عنده تعليق .
مرت الايام والأسابيع وبعد تسعة اشهر سافرت الى مدينة السليمانية والتقيت مع الشيخ وكنت مدون هذه الحادثة وسألته ما رائك بهذه الحادثة وقصصت له قصة القطة وجارتي وذكرته بحادثة الكَلْبَة لايكا.
قال مبتسما :نسمي اولئك الناس ب (بطرانين ) جمع بطران وهي كلمة فصيحة لا تكلف نفسك بالبحث عنها في
قواميس اللغة وذلك لثقتي التامة بأنك تعرف معناها ، وأضيف انهم يطلبون طلبات غير معقولة مترفة لدرجة كبيرة
لا مشاغل تشغلهم في حياتهم اليومية فهم يلهون اوقات فراغهم بهذه الحالات .
اما نحن فليس لدينا الوقت الكافي لتربية الحيوانات الكل مشغول لو اخذنا على سبيل المثال عائلة من اب وأم وثلاث اطفال ، نلاحظ الاب بعد انتهاء دوام دائرته يعمل مهنة اخرى حتى منتصف الليل لكي يضيف الى دخله الشهري مبلغ اضافي يعيل العائلة ، والأم نراها تلحق البائع للحصول على البطاقة التموينية ، او مراجعة المستشفى تحمل احد اطفالها وتمسك الثاني والثالث يركض خلفها باكيا وتنتظر ساعات حتى تصل الى غرفة الطبيب لتحصل على دواء منتهي الصلاحية ، في طريق العودة تتسوق من بقال المحلة لتطبخ لزوجها وأطفالها ، وفي المنزل تغسل المواعين والملابس وتنظف منزلها المتواضع وربما تخبز ، وأحياناً الام تعمل موظفة في احد دوائر الدولة . وهكذا دواليك لا وقت لدى العائلة العراقية للتمتع لان اكثر اوقات الفراغ يقضونها في تقديم العزاء للشهداء .
لكن اعرف ما تقصده وهو المهم في الموضوع ان المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان وجمعيات المجتمع المدني بل دول العالم لم تحرك ساكنا ولن تستنكر ولا تندد عندما يقول تقرير للأمم المتحدة نقلا عن مسئولين عراقيين ومنظمات مدنية ان ما بين 90 الى 100 امرأة عراقية تترمل كل يوم نتيجة اعمال القتل والعنف الطائفي والجريمة المنظمة في العراق ، ومكتب الامم المتحدة ينقل عن سجلات وزارة شؤون المرأة في العراق ان هناك 300 الف ارملة في بغداد وحدها الى جانب 8 ملايين ارملة في مختلف انحاء العراق حسب السجلات الرسمية.
اين العالم والمنظمات الانسانية عندما ابتلعت محرقة الحرب بين العراق والجارتان ايران والكويت وحروب الخليج الالاف من شباب العراق ، وجرائم الانظمة الحاكمة من تهجير وترحيل مئات العوائل ولا تنسى القصف الكيماوي لمحافظة حلبجة ، ومآسي الانفال ضد الاكراد وتدمير عشرات القرى . اثنا عشر عام والتفجير اليومي للسيارات والعبوات الناسفة خلف مئات الالاف من الذين قتلوا وتركوا وراءهم 11 % من نساء العراق ارامل يقمن بإعالة عوائلهن الان ، وهناك امثلة كثيرة في دول اخرى .
صديقي : لا تتعجب و تستغرب فالعدالة اصبحت سلعة قيمتها برميل النفط يتحكم بها من يبيع ويشتري البترول وأصحاب رؤوس الأموال ، هذه القطة محظوظة تعيش في امان وتأكل من طعام خاص معلب يباع في الاسواق ويهرع الدفاع المدني لمساعدتها ، لان هناك ضمير يحكم البلد . الالاف من الفقراء في العراق يعيشون على القمامة ويسكنون بيوتا من الصفيح وارض العراق وسماءه ملئت بمواد كيماوية قاتله محملة بمئات الامراض ، اين البيئة النظيفة في العمل والتعليم والمستوى اللائق للمعيشة والمأكل والمسكن والرعاية الصحية يهجر ويقتل ويغتصب اصحاب الارض والعالم يتفرج لا تنديد ولا استنكار لهذه الجرائم بحق الابرياء .
آلا رفقاً بالإنسان بعد تأسيس المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان في العراق هذه الحقوق الغير قابلة للتجزئة من مدنية وسياسية وللإنسان الحق في الحياة والعمل والضمان الاجتماعي والتعليم والمساواة امام القانون وحرية التعبير وله حقوق مثبتة في الكتب السماوية .
3002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع