الدكتور مهند العزاوي
يدخل العراق منطقة الارتياب ( اللايقين) التي رسمها صناع القرار الامريكي للعراق بعد ان ارتكبوا خطيئتين بحقه:
الاولى- قرار غزو العراق من قبل الرئيس الامريكي بوش دون مبررات قانونية خارج الشرعية الدولية , تخطى بذلك معايير القانون الدولي والقواعد الامرة والتوازن الدولي والامن والسلم الدوليين , بعد ان شرعت منظومته بتفكيك الدولة العراقية وحل مؤسساتها العسكرية واستبدالها بمليشيات طائفية قادمة من الشرق , وبذلك جرى العمل على ارساء نظام دولة الطوائف والمذاهب والاقليات , وهنا برز مسرح الحرب الديموغرافية من اوسع ابوابها , واردف الرئيس الامريكي اوباما الحائز على جائزة نوبل للسلام !! بالخطيئته الثانية المعتمدة على عقيدته السياسية حيث انه مهووس بالتحالف مع ايران واعطائها دور مافوق الاقليمي بدء من العراق وتجلى بمنحها الموافقة الدولية على الحيازة النووية , وبعد اربع سنوات من الانسحاب الامريكي من العراق وترسيخ مقومات ظاهرة "المليشيا سلطة" لنشهد ظاهرة وليدة لها تناسل وانشطار وانتشار التطرف الطائفي في اهم وادق منطقة بالعالم والشرق الاوسط والعالم العربي , وبعد انهيار مقومات الدولة ومنظومتها السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية بعد حزيران 2014 تجلت عورات الحكم الطائفي لعشر سنوات الذي دعمه المجتمع الدولي بكل قوة لتهديم العراق كدولة , واليوم بعد الانهيار الشامل واستنزاف منظم للموارد البشرية والمالية وعسكرة المجتمع , وتدخل الدول الاقليمية والعالم برمته لمحاربة الارهاب في العراق ,نرى لهفة روسية للمشاركة ضمن تجمع الاضداد على مسرح العراق بعد فشل الدور الايراني بشكل واضح في العراق وسوريا وحولت هذه الدول الى طوائف متحاربة ومذاهب مسلحة , ما ستفعله روسيا اكثر مما فعلته اميركا وحلفائها حربيا , ورغم التقدم العلمي والتطور لايزال بعض من قادة دول العالم الكبرى يتعامل مع العرب بعقلية الحروب المقدسة ذات الطابع المهلك .
مغنية الحي لاتطرب
بات من الواضح ان ملف العراق ملف محظور لايتدخل في شأنه العرب عموما ويعد خط احمر , كما ان الاسهاب بالتاريخ المعاصر لم يعد ينفع لان المحظور قد حصل , وقد حذرنا عام 2008 في بحوث ودراسات ومقالات متعددة من خطورة اذكاء الحرب الديموغرافية عبر محور سمة الحرب المعاصرة بعنوان "الحرب الديموغرافية السلاح السري لتفكيك العالم العربي" ونشر بشكل واسع ولم ينظر له صناع القرار كنوع من التعالي والغرور ( مغنية الحي لاتطرب ) , وكذلك حذرت باحثا وفقا للبعد الاستراتيجي في كتاب لم يرى النور لاسباب مجهولة؟؟؟ , حيث ناقشت اثر وخطورة تمدد القوى اللامتناظرة ( المليشيات الطائفية والتنظيمات المسلحة) عام 2011 في كتاب للمعهد العربي "تسليح اقطار الوطن العربي" من خطورة تنامي موجات التطرف المسلح والتمدد للقوة اللامتوازية , واتساع مناطق الاستهداف المقبلة التي ستلحق دول امنه بالمسرح الحربي المركب والزاحف في العراق وتم تجاهله لانه لايروق لذوي البهرجة البحثية الفارغة من الباحثين عن الاطار البراق والجوهر الزائف , وها نحن اليوم نفقد اربع دول عربية تندثر فيها الدولة , وتتصدر السلطة تنظيمات ومليشيات متطرفة تهيمن على مقدراتها بعد ان كانت محاور جيوسياسية فاعلة العراق , سوريا, اليمن, ليبيا , وبلا شك ان هذه الظاهرة قابلة للتمدد ومن الصعب التكهن اين ستقف في ظل التناسل والانشطار لموجات التطرف المتفاعلة مع منطقة الارتياب الشرق اوسطي في ظل خلاف واختلاف عربي مخيف , وقد استغلها الفاعلون لتغيير خوارط المنطقة السياسية لواقع سياسي جديد ينطوي على كوارث قادمة , ولعل التاريخ وارقامه والمؤشرات الرقمية للضحايا بالملايين من النزوح والتهجير والقتل وهدر الموارد البشرية والمالية والمادية والبنى التحتية للدول المنهارة تؤكد اننا امام عملية استنزاف منظم لراس المال الاجتماعي العربي الاسلامي بعد فقدان النظام والقواعد الآمرة بشكل مريع.
مشاريع التقسيم
تكررت المقالات والتقارير المصورة والمكتوبة عن تقسيم العراق وسوريا بغية هيكلة العقول حول المرحلة القادمة لتحقيق الارصدة السياسية التي رسمتها السياسة الدولية التي تستهدف تفكيك الدول العربية الى دويلات طائفية متناحرة على النفوذ والمال والسلطة , وكما جرى صناعة بيئة دينية طائفية محتربة تعسكر المجتمعات والطوائف والمذاهب في حرب المائة عام كما وصفوها , وبات من الصعوبة التكهن بحدود لهيبها ونتائج حروبها حتى الان .
منذ عام 2006 ذهب جو بايدن نائب الرئيس الامريكي ومسؤول ملف العراق لطرح مشروعه تقسيم العراق لدويلات طائفية قومية ثلاث دولة شيعية واخرى سنية وثالثة كردية وحاز مشروعه على موافقة الكونغرس كمشروع غير ملزم بما يشابه مشروع تحرير العراق 1998 وقد حصل كلاهما الغزو والتقسيم , ولعل الملفت للنظر ان يكون مسؤول ملف العراق "جو بايدن" صاحب مشروع تقسيم العراق وليس صدفة طبعا , بل انه نسق الفعل الملموس خصوصا عندما يصمت العالم ومنظماته والادارة الامريكية ودوائرها على انتهاكات حقوق الانسان والمواطنة في العراق لعقد كامل وقد ابرزت طقناة الجزيرة" الدموية الطائفية عبر برنامج "الصندوق الاسود" الذي استعرض سمات جمهورية الرعب يدريها ارهابي عتيد لسنوات بدعم دولي ومساندة عربية؟ , ولايزال البعض من ساسة الغفلة يصرحون بان العراق اصبح ديمقراطيا وهو يسبح في انهار الدماء اليومية وخزينته سرقت بكافة الوسائل والطرق , وحدوده السياسية مباحة للخصوم كافة.
افراغ الديموغرافية العراقية
نعم ان واقع التقسيم قد حصل بالفعل واذكر دراسة لمركز سابان معهد بروكنز 2008 كانت بعنوان "التقسيم السهل للعراق الخطة بـ" وهي تناقش تنفيذ مشروع جوبايدن – غليب وتقف امام صعوبة التفكيك الديموغرافي كون العراقيين متسقين بالعراق كوطن وهناك مصاهرة وتقارب وتماسك بين مكونات المجتمع العراقي , وتبحث الدراسة كيفية منحهم هويات وتخطيط الحدود وتقاسم النفط ووو ...الخ , وتحقق ذلك بالفعل من خلال انتخاب الادوات السياسية الطائفية المتميزة بالجهل والتزوير والفشل في سدة السلطة , وقد تحقق هذا المشروع بشكل سريع يفوق تصور صناعه , خصوصا بعد عمليات التهجير القسري والهجرة المنظمة للعراقيين وافراغ العراق من الكتلة البشرية الحيوية وهو امر مدبر, ولعل اكثر شيئ لفت نظري بالدراسة هو تفويض الامم المتحدة او الجامعة العربية لتقسيم العراق؟؟؟؟!!!, وهنا السؤال ان تقسيم العراق الذي يشكل صمام امان المنطقة برمتها يعد القنبلة الديموغرافية والسياسية التي ستصيب كافة الدول العربية , لماذ يترك العراق لخصمه التقليدي ايران الذي يعمل على اضعافة وتمزيقه بدعم ومباركة دولية وقبول عربي؟ رغم ان الماكينة الايرانية لم تقف حد العراق بل انها بلغت باب المندب والمتوسط والمغرب العربي !! باستخدام العقيدة الطائفية لهدم المجتمعات العربية وازاحة الدول الفاعلة .
العراق على فوهة بركان
سؤال يتكرر من قبل الجميع وخصوصا العراقيين الذين اصبحو فوق فوهة بركان يقذف بحممه من كل مكان ما العمل؟؟؟؟؟؟ سؤال يستحق تامل ووقوف والرد عليه صعب وليس مستحيل , سبق ان طرحنا خارطة طريق لحل ازمة العراق وايدها غالبية النخب العراقية والشخصيات والاكاديميين والراي العام2010 ولم ترى النور لانها تتعارض مع سياسات اقليمية وادواتها المحلية المسلحة والسياسية وجيوش الحواشي المنتفعة , ولعل الحل يبدا بتطبيق العدالة الدولية واعادة رسم المسارات السياسية في العراق نحو وطن للجميع وليس لطائفة او قومية ما , خصوصا ان المنظومة السياسية التي جلبتها الولايات المتحدة ووكلائها الاقليميين المستاثرين بالمناصب والسلطة هم جزء من المشكلة وليسوا جزء من الحل , وليس صعبا ان نعيد تشكيل النظام السياسي بدماء جديدة وطنية ليست طائفية تاخذ على عاتقها اصلاح شؤون البلاد والعباد للخروج من منطقة اللايقين او المجهول , كون الحل للمنطقة برمتها يبدا من العراق وليس من موقع اخر كونه العصب المحوري في الامن القومي العربي والسلم والامن الدوليين .
614 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع