بين معسكر «يحب الله ويعشق شريعته» ومعسكر «يحب الله بقلبه وليس بحنجرته» يتبارى المصريون في القدرة على تظهير الموقف من الأزمة الراهنة، والقدرة هنا لا تقتصر على ذكاء اختيار الشعارات والسجالات المطولة، بل في القدرة أيضا على حشد حراك شعبي لا يقل تعداده عن الملايين خلف كل من الشعارين، وما يستنسل منهما من شعارات. بالتالي فإن حسم وجهة الانقسام الحاد الحاصل حاليا لن يكون سريعا، وحتما لن يمر بهدوء وسط كل هذا الصخب والضجيج في الشارع وفي الإعلام.
والمتابع لتطورات الحراك المصري يستشعر كم هناك محاولات حثيثة لإعلاء الصوت وجذب مؤيدين، وهذا تماما ما نسعى جميعا من أجله في عصر الربيع العربي حيث ثبت أن المعركة الأولى في المنطقة هي معركة تثبيت الحق في الحريات العامة والقدرة على التعبير عن الرأي، لكن تشي التطورات بأن الأمور لن تكون مبارزة سلمية، خصوصا أن هناك ما يدلل على أن وصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة لا يعني أنهم قطعوا صلتهم بتراثهم العنفي الذي اقترن بهم منذ تأسيسهم أواخر العشرينات.
ولأن المعركة في الأساس هي معركة رأي، فقد عاد الزخم بقوة إلى سجالات ومواجهات تتكثف وتيرتها في الإعلام المصري على اختلاف شاشاته ومواقعه الإلكترونية وصحفه، ثم تتمدد إلى الشارع لتعود مرة جديدة وتستأنف عبر الإعلام لتعاود الكرة من جديد. ولم يكن مفاجئا أن مليونية «الشريعة والشرعية» التي نظمتها التيارات الإسلامية دعما للرئيس محمد مرسي حملت هجوما غير مسبوق في شدته ضد مقدمي ومقدمات برامج حوارية تلفزيونية معروفين جدا في الشارع المصري إلى حد المطالبة «بتطهير الإعلام» منهم.
في المقابل، تصعد التيارات المعارضة المدنية والليبرالية معركتها ضد قرارات الرئيس المصري ومن خلفه ضد سيطرة «الإخوان المسلمين»، ولهذا احتجبت صحف وشاشات ليوم واحد احتجاجا على قرارات مرسي، وعلى محاولات تقويض بعض الحريات عبر الدستور الجديد، خصوصا تلك المتعلقة بالإعلام وحرية الصحافة، وعلت حدة السجالات الإعلامية إلى حد أن مقدمة معروفة حملت كفنها أمام المشاهدين احتجاجا على قرارات الرئيس.
وللحقيقة فإن استئناف زخم الحراك في مصر يشي بأن الصراع السياسي لا يزال طويلا، وها هي القوى التي كانت شرارة ثورة يناير (كانون الثاني) تعود إلى الشارع من جديد بقوة وفاعلية تستند إلى حضور أكثر ذكاء ودراية بلعبة الإعلام من قدرة «الإخوان المسلمين» التي تستعيض عن ضعف منطقها وقدراتها الإقناعية بإغواء البسطاء بشعارات دينية تضعهم في مصاف الذائدين عن الدين والحرمات في وجه الكفرة. التحدي اليوم هو إما أن تسيطر فاشية دينية تحت شعار «الشرعية والشريعة»، وإما أن تتمكن المعارضة المصرية من فرض خطاب وحضور حام للحريات يؤمن مساواة أكبر بين المصريين وتستلهم منه مجتمعات أخرى تتعثر ثوراتها، وهذا ما تنعقد الآمال عليه.
1199 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع