جُبلت النفسُ البشرية ُالسوية على حب ِ الخير ِ والسعي في دروبه ومحاولة إشاعة مفاهيمه وقيمه إلانسانية النبيلة لشعورها وإحساسها بان هذا الفعل البشري هو ترجمة واقعية لكل ما جاءت به الأديان السماوية الكريمة ، ثم يتطابق عمل الخير مع كل الأفكار والآراء والنظريات التي أنتجها بني البشر بقصد الرقي بالإنسان والسمو به لدرجات عالية من التفاعل مع الآخرين والنزول إلى الواقع للإسهام في تخفيف معاناة المحتاجين والفقراء بغض النظر عن دينهم وعقيدتهم وثقافتهم ولغتهم وكل الخصائص الفردية التي نتعامل معه على إنها جزء مكمل من شخصية المرء وبما لا يمنع من المشاركة معنا جميعاً في حركة المجتمع اليومية وفي الإطار العام لهذه الحياة الدنيا .
حين يتذكر المرء مواقف كثيرة ومشاهد يومية يطلع عليها أو يقرءا عنها أو يشاهدها على شاشات التلفاز فانه سرعان ما تنهمر دموعه تأثرا ومشاطرة لتلك المواقف والتي ليست بالضرورة كلها حزينة فأحيانا نذرف الدموع لقصة نجاح ٍ شخصية لإنسان ٍ تحدى ظروفه الصعبة لكي يحفر لأسمه مكاناً بين الأسماء وغيرها من لحظات صدق ٍ تمر بنا جميعاً .
الكثير ممن سعى وعمل طوال حياته على رسم البسمة على شفاه بريئة لطفل صغير وجد نفسه في ظروفٍ حرمته من أبيه أو أمه فبات يبكي الفقد واليتم والحرمان معاً وكم عيد مر عليه وهو لم يرتدي ثوباً جديدا أو يحتضن لعبة جميلة مثل بقية الأطفال إلا أن أهل الخير وإلاحسان هبوا إليه يحملون ما تجود ُ به أياديهم الكريمة لكي يقولوا له نحن أعمامك وأخوالك فلا تبتئس وأذهب ألعب وامرح مع الأطفال .
كما إن الأرمل اللواتي يجاهدن كثيراً في دروب الحياة وهن يتحملن َ مسؤولية عظمية على أكتافهن دون معين أو نصير إلا الله عز وجل ثم من سخره لخدمتهن ومساعدتهن دون غرض ٍ دنيوي أو هدف ٍ شخصي ، وتطول قائمة المحرومين والمحتاجين وتتزايد أعدادهم نتيجة لعوامل شتى أغلبها لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل .
في العراق نجد هذه الصور التي ذكرناها وغيرها متجسدة على أرض الواقع فهناك الحرمان والفقر يضرب أطنابه ولن يستطيع القلم مهما أوتي من بلاغة ٍ وحسن اختيار ٍ للكلمات ومعانيها أن يصف الحالة العراقية المؤلمة والتي ضربت جذورها بأرض هذا البلد فباتت شجرة يابسة تأبى الانحناء أو تخضر أوراقها بدل الأشواك والسموم التي تطرحها ، ولن نزيد بذكر حقائق ومعطيات يعرفها ويلمسها الجميع .
كما إن هناك في العراق أيضاً أهل خير ٍ ومروءة وإحسان يحاولون جاهدين القيام بفعل ٍ وجهد ٍ إنساني كريم لكي يخففواُ عن المحتاجين الأعباء والمصاعب التي تواجههم يومياً .
لكني اليوم أحب أن أطرح الموضع من وجهة نظراً أخرى وأستميح أخوتي وأخواتي الكرام ممن سبقونا بفعل الخير والإحسان ومن من ترجموا تقواهم أو ثقافتهم أو ما يؤمنون به إلى واقع ٍ ملموس وأرجو أن يتقبلوا ما نود طرحه من زاوية ماذا عن دوري ؟ وأين مكاني ؟
نكتب ونطلع جميعنا عن الحالة الإنسانية للكثير من العراقيين الذين يعانون من مصاعب ومشاكل كبيرة وأتفق مع الجميع بان هناك دولة وحكومة وميزانيات ضخمة ووووو ولكن لنتكلم عن واقع يومي يحيى تحت ضغطه العراقي البسيط والمعدم والذي بات سوء حاله يؤثر على نفسيته وسلوكه وقيمه مما ينعكس سلباً على أجيالٍ متعاقبة من أبناءنا وبناتنا .
وهنا نحدد شرائح اجتماعية متضررة ومحتاجة إلى نجدة سريعة أو مستمرة لإنقاذها يقف في مقدمتها الأيتام والأرامل والمعاقين وغيرهم كثيرون جداً ويكاد كل واحد ٍ فينا أن يحكي عن أناس ٍ يعرفهم معرفة شخصية من هذا الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمحتاجة . ولكن أيضاً ماذا يمكنني أن أعمل غير التعاطف الإنساني الكريم وهو أمر محمود وطيب ولكن هناك إمكانية أكبر في المجتمع العراقي هناك كل القيم والأخلاق والفضائل التي نشئنا عليها وتربينا على أهدافها ومبادئها الإنسانية والتي لم تكن تحتاج إلى مقالات أو هتافات ٍ أو حملات إعلامية بل كان يقوم بها أبي وأبيك وأمي وأمك أيها العراقي الكريم دون منة أو إذلال أو فضل .
لذا أرجو أن نفتح من جديد أبواب الخير أو نضيف لهذه الأبواب أبواباً أخرى من خلال مقترح بسيط وممكن تحقيقه وهو إنشاء صندوق لمساعدة المحتاجين عن طريق تبرع الكتاب والاعلامين والمواقع الكترونية وأهل الخير من المغتربين العراقيين والمقيمين وكل ٍ حسب إمكانيته مع تكليف أصحاب الضمائر الحية في داخل البلد وهم كثيرون بإذن الله للقيام بمهمة التنفيذ المباشر على الأرض وإيصال المساعدة إلى من يستحقها يداً بيد .
إن هذا المقترح ليس بجديد على أهل الخير وإلاحسان ولكنه يأخذ شكل ٍ أخرى ، نعم جميعنا يحاول مساعدة أهله والأقربون وهذا حُسن وجميل ولكن هناك من لم يجد من يساعده أو إن ظروفه قهرته بشكل لا يعرف إلى أين يتجه نستطيع أن نعينهم من خلال عرض قضاياهم وحالاتهم الشخصية وبعد موافقتهم طبعاً نعرضها على من نعرف من الميسورين وأهل الخير أو ممن يعمل ويتقاضى راتباً جيداً ويستطيع أن يساهم ولو بجزء صغير جداً من راتبه لنسعى إلى أن ننمي الشعور الجمعي والعمل التطوعي المجتمعي ونُحيى سنن ُ راقية من معاني التكافل والتراحم بين الناس جميعاً .
الأفكار كثيرة والحلول أيضاً ممكنة لأنه حتى لو أسهمنا بإنقاذ حالة عائلة عراقية واحدة شهرياً فهذا فعل طيب ُ ويزرع الأمل في تنامي التفاعل بين أفراد المجتمع العراقي.
بالمناسبة ما دعاني لكي اكتب هذه المقالة وبسرعة هو حالة لعائلة عراقية قتلُ الأب أثناء أحداث الفتنة وكان بين أحضانه طفل صغير لم يتجاوز عمره بضعة أشهر أصيب هذا الطفل بطلق ناري في ظهره فأصابه بالشلل وقد كبر وهو على هذه الحالة وحين ذهبت أمه الأرملة إلى المدرسة لكي يتعلم كبقية الأطفال اعتذرت المدرسة عن قبوله فذهبت أمه إلى مدرسة خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة واستطاعت بمساعدة المحسنين أن تدفع رسوم الشهر الأول وقد فرح الطفل كثيراً وأخذ يتعلم ويتحسن وضعه الصحي والنفسي بعد تعوده الخروج يومياً للمدرسة ومغادرة الشقة الصغيرة التي يسكنها مع أخويه وأمه ولكن ... لم تستطع الأم أن توفر له مبلغ الشهر والأشهر الأخرى فاضطرت إلى إخراجه من المدرسة وهو يبكي ويتوسل بها أن تدعه في المدرسة فقد أحبها ولا يريد أن يُسجن بين أربع جدران ٍ مرة أخرى وأمه عاجزة عن أن تشرح له الأسباب وهو لا يسمع وكيف له أن يفهم وهو طفل صغير وأن يعرف ماذا يعني الفقر والحرمان وقد لازمهما وأصبح لهما صنوان أخرى وهو إلاعاقة .
أخوتي أساتذتي أخواتي أهل العراق الاصلاء هذه واحدة من الحالات التي تبكي القلب والروح وتحتاج إلى حلول ليست مستحيلة ولا صعبة وتحتاج إلى همة وعزيمة وفعل ٍ إنساني كريم أضعها أمامك والأمل بالله تعالى كبير ثم بتفاعلكم ونجدتكم لهذا الطفل المعاق يبقى قائماً كما أن غيره ممن يحتاجون العون والمساعدة كثيرون ينتظرون منا أن نتحرك ونهب لمساعدتهم وعيونهم ترنوا إلى السماء .
( ملاحظة الحالة التي ذكرتها للطفل المعاق واليتيم موثقة من قبل إحدى الجمعيات الناشطة في مجال العمل الخيري والإنساني كما يمكن لكل من يحب المساعدة الاطلاع على الحالة مباشرة عبر هذه الجمعية والقائمين عليها )
والله من وراء القصد
938 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع