د. ضرغام الدباغ *
المرحلة الحالية في العراق تعير تعبيراً دقيقاً عن اللحظة التاريخية التي يمر بها الموقف العراقي داخلياً، والتطورات السياسية الهامة التي تشهدها منطقة، والموقف الدولي بكل مفرداته، والوضع الحالي في العراق الذي يمثل أنعكاساً لما يحيط به. ولا أعني حكومة المنطقة الخضراء، فهي لا تملك من أمرها شيئاً فالموقف في العراق وكذلك في سوريا قد تداخل اقوى والإرادات الأجنبية بصورة كثيفة جداً، بحيث لم يعد يعد بالإمكان مطالبة النظامان في سورية والعراق بأي موقف مهما كان بسيطاً، وفق ما آلت إليه التطورات، فالنظام في العراق فشل أن يكون نظاماً لكل الشعب العراقي، أعتمد سياسة تحاصص طائفية، قسم الشعب إلى مكونات، تحالف مع هذا وذاك ضد الآخر، ثم مع هذا ضد ذاك، والآن كل الشعب ينتفض ضد هذا الانحدار الوطني والسياسي.
أما الموقف في العراق، فإنه يتطور على مدار الساعة، وأي مفاجأة سوف لن تكون في الواقع مفاجأة، فالموقف متفجر ومتناقض ومفتوح على كافة الاحتمالات. ولنلاحظ :
1.السيد العبادي يؤكد على أهمية معركة الرمادي.
2.الأمريكان يعتبرون أن الموقف في العراق بوضعه الحالي لا يؤهل للدخول في المعارك.
3.السيد العبادي يرحب بمشاركة القوات الروسية في المعارك الداخلية.
4.الأمريكان يعتبرون أن للروس مقاصد سياسية أخرى.
ومن المؤكد أن لا الروس ولا غيرهم يدخل المعارك كنجدة عشائرية، فلكل حساباته، وعلى هذا الأساس يضحي بجنوده ويتحمل تكاليف الحملة سياسياً ومالياً، فما هي الفقرات المجهولة في الأجندة الروسية، ولماذا ذهبوا إلى سورية، ولماذا يعدون العدة للتدخل في العراق ؟ ومن أجل ماذا يجازفون بعلاقاتهم الحساسة مع الولايات المتحدة والغرب، لابد أن تكون المكافأة كبيرة، أو هناك ما هو مخفي، وإن الأمر كله يدور كسيناريو ..؟
الوضع في العراق، كما في سوريا (جوهرياً) مع بعض الاختلافات البسيطة، نظام يفقد السيطرة على البلاد، ولا يمتلك إلا قدراً ضئيلاً من القدرة على إدارة الموقف، وينتج عن ذلك تهاوي سريع للاقتصاد الوطني يكاد يبلغ حد الإفلاس، الوردات العالية من النفط لا تغطي الحاجة للرواتب منها مليون ونصف جندي ورجل أمن، بالإضافة إلى الفساد الهائل الذي ينخر الدولة من كل مكان، أنهيار لمضمون ومحتوى وفحوى الدولة، قضاء مسيس، ورجل حكم مرتشون، و(دولة) لا تحضى بأي احترام داخلياً وخارجياً، ترى ماذا بوسع دولة كهذه أن تفعل ..؟
لنتحدث بشكل يركز على ما هو جوهري في ظل حقيقة واضحة أشد الوضوح : أن النظام الذي أنتجه الاحتلال فشل في تقديراته، ثم فشل ثانياً في رؤيته إلى عراق مقسم على أسس أثنية وطائفية، ثم فشل مرة ثالثة كنظام أن يكون مشروعاً سياسياً مقبولاً، رغم سياساته التي اعتمدت أسلوب الجزرة لمن يدخل العملية السياسية الفاسدة، والعصا لمن يقاطعها أو يقاومها. هذا غير الفوضى العارمة الضاربة أطنابها في طول البلاد وعرضه.
في ظل هذه الحقيقة، أضحى الهروب إلى الخارج خياراً أوحداً (للحكومة)، وهو خيار يتزامن مع تصاعد الانتصارات التي يحققها شعبنا العظيم في كافة ميادين النضال من أجل أستعادة الاستقلال، وكما يتصاعد مد الانتفاضة الشعبية في قطرنا العراقي المناضل، يتصاعد بالمقابل التآمر الأجنبي على وطننا وشعبنا، وتضخ قوى العدوان المزيد من قدراتها وبتوقيتات مشبوهة تدل على توافق في الهدف والمسعى، فضحت ما تبقى من أستار على المؤامرة الدولية للهيمنة على الشرق الأوسط، ليس فقط من أجل الاستحواذ على ثرواته الطبيعية التي ستكون عاملاً حاسماً في العقود المقبلة ليس في مجال المواد الخام الضرورية للصناعة(الفوسفات والبوتاس والكبريت ومواد خام أخرى)، كما في مجال الطاقة الاحفورية (نفط وغاز ويورانيوم)، والطاقة الدائمة (الرياح والشمس) فحسب، بل وأيضاً في الصراعات المقبلة في السيطرة على المناطق الاستراتيجية الحاسمة للملاحة البحرية والجوية التي ستتضاعف قيمتها الاستراتيجية الهامة.
فالأنتفاضة التي تعم أرجاء العراق بكل محافظاته، دفنت بشكل حاسم تقريباً أحلام القوى السوداء، في إحداث تقسيمات طائفية، والتلاعب بعواطف العراقيين، فالشعب اليوم كله في الميدان، وهو يبدي من الوعي ما يفوت فرص الألتفاف عليها، كل قوى الشعب في الساحات من وطنيين وتقدمين وقوميين وإسلاميين متنورين، ومن هذا أدركت القوى السوداء فشل مساعيها المحمومة في تقسيم إرادة الشعب العراق، من خلال زرع الأحقاد والضغائن بين صفوفه، وإثارة الصراعات الهامشية ومحاولات تغليب أسباب التكتل المناطقية والطائفية والدينية، وتفجيرها كمقدمة لإنهاء الوحدة العراقية الخالدة، وكتمهيد لإزالة وتفتيت الوطن وإلحاقه كأجزاء وجزيئات بين القوى المشاركة أساساً في العدوان على العراق قبل أكثر من إثنا عشر عاماً، جربت هذه القوى كافة الأساليب القمعية : قتلاً وقمعاً واعتقالاً ومصادرة وتجريفاً للأراضي، وطائفي وعرقي، لم تجد مع شعبنا العظيم فتيلاً، فالمقاومة لهذا المخطط تتصاعد، وتأخذ في كل مرحلة أبعاداً جديدة، فمن المقاومة المسلحة، إلى المقاومة الشعبية، إلى الاعتصامات، ألانتفاضات الشعبية السلمية، تعبر جميعها عن رفض شعبنا وتصاعد وعيه لما تخطط الدوائر السوداء، فيتعالى على جراحه ويقدم المزيد والمزيد ...
التحالف الأسود الجديد الذي يواجه شعبنا هو بين قوى سوداء مختلطة بين محلية وأجنبية وإمبريالية، إذ يضم الإمبريالية الروسية، ونظام الملالي الطائفي، ونظام بشار الأسد المتهالك، ثم نظام حكومة المنطقة الخضراء في العراق، التي تفقد السيطرة على معظم أرجاء الوطن. وفيما تبحث موسكو عن مواطئ قدم وتلك مهمة استعمارية / إمبريالية قديمة جديدة تداعب أحلام الكرملين، في بسط سيطرتها في الشرق، إلا أن التاريخ أن تلك ليست سوى أوهام قياصرة وأباطرة، فبلداننا لها أنماط تفكيرها وفلسفتها في الحياة الاجتماعية، وهي لا تقبل بحال أستبدال الهيمنة والاستعمار، أو الوصاية، بوجوه وأقنعة أي كان شكلها ولونها، سياسية كانت أو اقتصادية، دينية.
أن شعبنا الذي قدم التضحيات الجسام من أجل أهدافه الوطنيا العليا، لقادر اليوم على مواصل نضاله، من أجل استعادة الاستقلال الذي أهدرته قوى الاحتلال، وبناء دولة معاصرة ديمقراطية ينعم فيها جميع العراقيين بالأمن والأمان والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الأمين العام للمجلس السياسي العام لثوار العراق
المقال جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى القنوات العربية بتاريخ 2 / تششرين الأول / 2015
3271 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع