د.منار الشوربجي
ما الذي يجعل جراحا ناجحا صاحب دراسات علمية مشهود لها أن يوجه إهانة للملايين من أبناء وطنه؟ وما الذي يجعل جراحا اكتسب مكانة كبيرة فى عالم الطب والعلم لا يفكر فى أن يقرأ كتابا واحدا قبل أن يوجه تلك الإهانة؟ أتحدث عن مرشح الرئاسة الأميركية الجمهوري بن كارسون الذي أهان الأميركيين المسلمين بتصريحات متتالية قال فيها إنهم لا يصلحون لتولي منصب الرئاسة بسبب دينهم.
وهو حين أراد أن يصحح تصريحه بأنه لا يؤيد «مطلقا» أن «نضع مسلما» فى موقع المسئولية رئيسا، قال إنه من الممكن أن يقبل بترشيح مسلم للرئاسة لو أنه تخلى عن دينه! والحقيقة أن ما قاله كارسون جاء فى أسبوع كان فيه الهجوم على الإسلام هو عنوان حملات الرئاسة فى أميركا.
فقبلها مباشرة كان المرشح المتطرف دونالد ترامب قد أجاب بكلام ساكت حين قال أحد الحاضرين إن «لدينا مشكلة في هذا البلد. وهي مشكلة اسمها المسلمين» ثم سأله متى يمكننا التخلص منهم؟« وما قاله كان »كلام ساكت« بالمعنى الحرفي لأنه لم يقل ما يفيد إزاء ما قاله السائل.
وبن كارسون، الجراح الناجح، كان فى تصريحاته قد زعم أنه قال ما قال بسبب إيمانه بنصوص الدستور الأميركي، وهو ما يطرح الأسئلة ليس فقط عما إذا كان الرجل قرأ كتابا واحدا عن الإسلام، وانما عما إذا كان قد قرأ الدستور الأمريكي ذاته! فدستور بلاده لا ينص فقط على »حرية ممارسة الدين« فى تعديله الأول، وانما نص فى مادته الرابعة على أنه »يحظر المطالبة بأي شرط ديني كأساس لتولي أية وظيفة عامة«. وهو النص الذي يتعارض بشكل صارخ مع ما قاله جراح الأعصاب الشهير.
والواضح طبعا أن معلومات بن كارسون عن الدستور الأمريكي ليست أكثر كثيرا منها عن الإسلام والمسلمين من أبناء وطنه. وهي فى الحالتين مستقاة من دوائر غير موثوقة. وتلك مسألة مثيرة للانتباه بالنسبة لعالم ناجح المفترض أنه مدرب تدريبا رفيعا على الاعتماد على المصادر الموثوقة.
لكن يبدو أن كارسن يدير حملته الانتخابية للرئاسة بشكل أيديولوجى ويعتبر أن منصب الرئاسة لا حاجة فيه للتحقق من المعلومات. والرجل، رغم نجاحه فى تخصصه، ليس أقل تطرفا من ترامب بالمناسبة، فهو يضم فى حملته مساعدا اضطر أن يلغي حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر لأنه تحدث فيه بألفاظ غير لائقة بالمرة ليس فقط عن أوباما وانما عن منافسي كارسون الجمهوريين وشخصيات إعلامية معروفة، ناهيك عن المواقف التي يتخذها الرجل من القضايا المختلفة.
بعبارة أخرى، فالقضية ليست هجوما على الإسلام والمسلمين بقدر ما هي الجهل الفاضح المغلف بالأيديولوجيا.
والحقيقة أن حال كارسون ليس فريدا من نوعه. ففترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية تعتبر مرحلة كاشفة تجسد الكثير مما يجري داخل المجتمع الأميركي. والطبيعة الفريدة للنظام الانتخابي الأمريكي تفرز مرشحين لا يكونون بالضرورة مؤهلين لتولي المنصب.
فقد اعترف الإعلام الأمريكي مؤخرا فقط بأن حاكم ولاية ويسكنسن الجمهوري سكوت واكر، الذي انسحب مؤخرا من السباق، لم يكن مؤهلا أصلا لتولي الرئاسة ولا مستعدا للمنصب من حيث إلمامه بالقضايا.
فهو بدا فى المناظرات على معرفة سطحية للغاية بأغلب القضايا الداخلية والخارجية.
لكن واكر الذي انسحب، وبن كارسون ودونالد ترامب اللذين يصعدان فى استطلاعات الرأي ليسوا استثناء فيما يتعلق بجهلهم الفاضح. فسارة بيلين التي كانت مرشحة لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الجمهوري عام 2008 إذا ما كان جون ماكين قد فاز بالرئاسة كانت حين سئلت عن تأملاتها فى السياسة الخارجية كون ولايتها، ألاسكا، قريبة جدا من روسيا، كان ردها بالغ السذاجة حيث قالت »هم جيراننا الأقرب وأنت تستطيع أن ترى روسيا من هنا«. وبيلين لم تستطع أن تقول للإعلامية كيتي كوريك اسم مجلة أو صحيفة واحدة تقرأها بانتظام وتحصل منها على معلوماتها، تماما مثل ترامب الذي قال إن معلوماته السياسية يستقيها من البرامج الحوارية!
والحقيقة إنني فى متابعتي لانتخابات الرئاسة الأمريكية التى تجرى كل أربعة أعوام، أشاهد مرشحين، من حيث جهلهم الفاضح، تخشى أن توليهم متجرا صغيرا لا أن تضع يدهم على القوة النووية الأعظم فى العالم. لكنني أعترف للقارئ الكريم أن أطرف ما في الأمر خلال العقد الأخير تحديدا هو أنني فى كل مرة أتصور أنه لن يكون هناك مرشحا أكثر جهلا من هذا أو ذاك، لأفاجأ فى الانتخابات التالية بأن الحزب الجمهوري بالذات صار يتفوق على نفسه فى إفراز المزيد من أولئك الذين يتميزون بالجهل الفاضح المغلف بالأيديولوجيا والغطرسة معا.
867 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع