من ينتفض ضد من؟

                                                 

                       بقلم: سعد هزاع عمر التكريتي

بعد أن يأس الكثيرون من الأوضاع التي مرت ويمر بها العراق، والأزمات التي تتوالد الواحدة تلو الأخرى في متتالية عددية لانهائية، وبعد أن أعتقد الكثير من المراقبين للشأن العراق أن هذا الشعب قد أستكان وخضع للذل والهوان الذي أجبر على العيش فيه طيلة الثلاثة عشر عاما، ضرب فيها الفساد كل أرجاء وطبقات المجتمع العراقي في خطوات كان يراد بها تخديره عن واقع حاله اليومي، وسال فيه الدم حتى غطى خارطة العراق بكل أجزاءها وصبغها باللون الأحمر القاني وسيطرت الميليشيات الطائفية على المشهدين السياسي والأمني في العراق.

وبعد فقدان أكثر من ثلث مساحته الجغرافية على يد عصابات ما سمي بالدولة ألأسلامية في مشاهد هي أقرب الى الخيال والى مشاهد مسرح اللامعقول وفي مسرحيات الكاتب المسرحي (صامويل بيكيت)، لقد أمن السراق والفاسدين من أن الحساب لن يطولهم فأخذوا يتمادون ويتفننون في سرقة المال العام تحميهم ميليشيات وأحزاب عرفت أنها لن تطيح بها أية جهة، وأصبح القتلة في منأى من محاسبة القانون الذي ضربه هو الآخر الفساد والبعد الطائفي فأصبح أضحوكة للأمم وذلك من خلال تسيسه ليلعب دوراَ خطيراَ وممنهجا في تدمير اللحمة المجتمعية وأخذ البريء بتقارير المخبرين السريين ذات البعد الطائفي والثأري حتى امتلأت السجون العلنية والسرية بهؤلاء الأبرياء وأصبح من يدافع عنهم متهما هو الأخر بتهم الأرهاب وغيرها في هذا البلد المكلوم.
وأصبح الفاسد والسارق هو صاحب اليد الطولى في المجتمع وأغدى العفيف والشريف على الهامش يحارب في رزقه ويضيق عليه الخناق في بلده بل وحتى يقتل إن لم ينصاع للتيار العام ولوحق الكثيرون من هؤلاء خارج العراق بتهم كيدية وطائفية وعنصرية هدفها معروف الجهات وذلك لتدمير وإقصاء ما تبقى من أصحاب الكفاءات والوطنيين وأصحاب الأيادي البيضاء.
وماهي إلا غمضة عين واستفاقتها، حتى أنتفض شباب وشيبة العراق بعد أن ضاقت بهم السبل وتحطمت ل آمالهم طيلة الثلاثة عشر عاما من الحكم ألأسود الذي مكّن الأحزاب الدينية الطائفية من رقاب الناس والحكم نيابة عن الله والنتيجة كانت تمزيق البلد على هوى المحتل ومخططاته ورغبة جار السوء في دولة فارس والذي وضع كل سمومه في أرجاء الوطن العربي ليبدأ عملية تدمير شاملة في لبنان وسوريا واليمن يساعده في ذلك رجال شربوا ورضعوا من حليب الحقد ألسود على كل ما هو عربي، وذلك تنفيساَ لأحقاد تاريخية وثارات بعيدة وقريبة وهزائم تجرع فيها كأس السم على يد العراقيين الأشاوس طيلة ثمان سنوات من المنازلة البطولية والتي كسرت شوكته وبددت أحلامه الطائفية الى حين.
وقد شاهدنا كيف أنتفض هذا الشعب بمختلف شرائحه وفي عقر دار الأحزاب الدينية ومدنها، ليجعل من مأساة ومعاناة الكهرباء هي الشرارة التي عبر ويعبر فيها عن الظلم الذي استمر طويلا، يحدوه ألأمل بنتائج تعزز أنتصاره القريب وقطف ثمار أنتفاضته بإذن الله، وليس أقلها الإطاحة بالرؤوس الفاسدة ومحاسبتها وأسترداد المال العام المنهوب من قبلهم ومن قبل حاشيتهم والذي يعرف الجميع الى أين ذهب وأين أستقر وكيف أستثمر. وكذلك دفن العملية السياسية المقيتة والميتة أصلاَ والتي هي أس الشر والفساد ومن رحمها خرجت هذه الطبقة وعاثت في البلد فساداَ وإثراءا وقتلاَ وتشريداَ طيلة هذه السنين العجاف ولغاية الأن.
ومن مهازل القدر أن يخرج للتظاهر ضد الفساد وعناوينه، بعض رؤوس الفساد أنفسهم وبعض قادة وأعضاء الميليشيات الطائفية، حتى أن بعض قادة الحراك الشعبي والمدني آثر ألأنسحاب من الميدان لاستيائهم من هذا التصرف المشين، والغرض من ذلك واضح وهو محاولة خلط الأوراق والتأثير على مسار ألأنتفاضة لتأخذ اتجاها أخر ولكي تستمر الأوضاع كما هي وبتجميل لبعض فصولها وإجراءاتها المهترئة أصلاَ.
أن المواطن العراقي يرف جيداَ مقدار الأذى والظلم الذي لحقه طيلة هذه الحقبة السوداء ومن هي الجهات التي ورائها وماهي عناوينهم، ولا يخفى عليه أبداَ إن تظاهر بعض المقنعون والمدفوع لهم تحت عناوين ولافتات ومطالب مختلفة فهم في النتيجة أولاء غير نجباء خرجوا من رحم هذه العملية الفاسدة التي دمرت وأحرقت وسرقت كل شيء في هذا البلد، حتى بات يستدين من جهات ودول كان يملها آبان الحكم الوطني.
أننا نأمل أن تدفع هذه ألأنتفاضة الى فرز الصفوف وأن تتوسع الاحتجاجات ويرتفع سقف المطالب فهي بالتالي حقوق الناس وليست منّة من أحد، وهي أموالهم وثرواتهم وبلدهم والذي جرده من جاء خلف المحتل من كل شيء فيه.
أن الجميع مطالب أن يستمر بالعطاء والاستمرار وتطوير حالة الغضب الجماهيري الى مراحل متقدمة، فمن يتهيب صعود الجبال يعش أبداَ بين الحفر، وكما قال تعالى في محكم كتابه (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

620 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع