تصدّرت صورها خلال الأيام الماضية الصفحات الأولى للصحف البريطانية الصباحية والمسائية، الشعبية (تابلويد) والرصينة على السواء، وكرّست لها القنوات التلفزيونية أوقاتاً أطول مما منحته لأخبار السياسيين ونجوم الفن والرياضة والثقافة والمجتمع اللامعين، بمن فيهم الملكة اليزابيث الثانية ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون.
إسمها مارتين رايت (40 سنة) الرياضية المعاقة التي تشارك الآن في
أولمبياد المعاقين (باراليمبكس) المتواصل في الأماكن والمنشآت التي جرت فيها فعاليات الأولمبياد العادي الأخير الذي شهدت لندن وقائعه خلال الشهرين الماضيين.
السيدة رايت لم تحصد الذهب في المنافسات الرياضية هذه، فهي مجرد عضو في الفريق البريطاني النسوي لكرة الطائرة للمقعدين، ومع هذا احتفل بها الإعلام على نحو مميز للغاية، ووراء ذلك قصة غير عادية، وكذلك هدف كبير تحرص عليه المجتمعات المتحضرة ودولها وحكوماتها.
السيدة رايت هي من ضحايا التفجيرات الإرهابية التي استهدفت وسائل ومحطات النقل العام في العاصمة البريطانية في صباح 7/7/2005 .. كانت تستقل أحد قطارات الأنفاق (أندرغراوند) على الخط الدائري (سيركل لاين) في محطة "ألدغيت" عندما قرر أحد متعصبي تنظيم القاعدة الإرهابي أن "يرفع" راية الإسلام يبتفجير نفسه وسط المئات من الناس المدنيين الذاهبين الى مكاتب أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم أو للقاء أحبتهم.
تلك التفجيرات خلّفت 52 قتيلاً ونحو 700 مصاب كانت بينهم السيدة رايت التي أُنقذت بإعجوبة بعدما فقدت 80 بالمئة من دمها قبل أن يُدركها المسعفون. كما تضرّرت ساقاها على نحو خطير ما اضطر الأطباء الى بترهما من فوق الركبة للحفاظ على حياتها، فيما هي كانت في إغماءة استمرت عدة أيام.
لم تستسلم رايت، حاملة الشهادة الجامعية العليا في دراسات علم النفس والإتصال، لإرادة الإرهابيين .. رأت أن تنصرف الى الرياضة، فلعبت في فريق لكرة التنس للمعاقين قبل أن يتحول اهتمامها الى الكرة الطائرة. وكما غيرها من ضحايا تلك العمليات الإرهابية، وجدت السيدة رايت اهتماماً كبيراً من الدولة والمجتمع اللذين كانا يتصرفان على أساس ان رعاية ضحايا الإرهاب ليس فقط واجباً اجتماعياً وانسانياً، وانما هي في المقام الأول أفضل رد على الإرهاب والإرهابيين.
نحن من أكثر البلدان التي أُضير شعبها بأعمال الإرهاب المتواصلة منذ عشر سنوات، والتي تقوم بها قوى قادمة من الخارج كالقاعدة أو قوى داخلية (ميليشيات وتنظيمات طائفية متعصبة)، لكن لا المجتمع ولا الدولة يتصرفان مع ضحايا هذه العمال وعوائلهم من منطلق وطني أو في الأقل إجتماعي أو إنساني أو حتى شرعي، باعتبار ان حكومتنا وبرلماننا مؤلفان في غالبيتهما ممن يحرصون على إطلاق لحاهم بنسبة ما والزعم بتمثيلهم الدين وتمسكهم بالشريعة.
ضحايا الارهاب في بلدنا يُعدون بمئات الآلاف، ومع هذا لا نجد من الدولة والمجتمع أو من إعلام الدولة والإعلام الخاص ما يعادل عشر معشار هذا الإهتمام الطاغي الذي تحظى به السيدة البريطانية مارتين رايت.
لا عزاء لضحايانا المتروكين لمصيرهم كرمى لعيون الفاسدين والمفسدين في دولتنا.
"المدى" – 2/9/2012
759 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع