بثينة خليفة قاسم
يبدو أننا سنلتقي بالحمير والحمارين أكثر من مرة خلال هذا الأسبوع في هذه الزاوية وهذا شيء لم يحدث من قبل، كما أنه لا يمثل اتجاها فكريا أو فلسفيا أو سياسيا بالنسبة لي، ولكنها الصدفة، فعمودي القادم سيكون عن ظاهرة انتشار تناول لحم الحمير في أكثر من دولة عربية، أما عمود اليوم فهو تكملة لما سبق وتناولناه حول النائب المعادي للشاورما، حيث ننقل له والقراء الأعزاء في هذه الزاوية قصة الحمارين الثلاثة لتكون عظة له ولغيره ممن يحقرون مهن غيرهم من البشر.
وهي تحكي عن ثلاثة من الناس كانوا يعملون حمّارين، والحمار بفتح الحاء وتشديد الميم هو الشخص الذي كان ينقل الناس والبضائع باستخدام الحمار.
وفي ليلة من الليالي وبعد يوم من العمل الشاق، تناولوا طعام العشاء وجلس الثلاثة يتسامرون فقال أحدهم واسمه “محمد” افترضا أني خليفة.. ماذا تتمنيان؟ فقالا يا محمد إن هذا غير ممكن. فقال: افترضا جدلاً أني خليفة.. فقال أحدهما هذا محال وقال الآخر يا محمد أنت تصلح حمّارا أما الخليفة فيختلف عنك كثيراً.. قال محمد قلت لكما افترضا جدلاً أني خليفة، وهام محمد في أحلام اليقظة. وتخيل نفسه على عرش الخلافة وقال لأحدهما: ماذا تتمنى أيها الرجل؟
فقال: أريد حدائق غنّاء، وماذا بعد قال الرجل: إسطبلاً من الخيل، وماذا بعد، قال الرجل: أريد مئة جارية.. وماذا بعد أيها الرجل، قال مئة ألف دينار من الذهب. ثم ماذا بعد، يكفي ذلك يا أمير المؤمنين. كل ذلك ومحمد ابن أبي عامر يسبح في خياله الطموح ويرى نفسه على عرش الخلافة، ويسمع نفسه وهو يعطي العطاءات الكبيرة ويشعر بمشاعر السعادة وهو يعطي بعد أن كان يأخذ وبينما هو كذلك التفت إلى صاحبه الآخر وقال: ماذا تريد أيها الرجل. فقال: يا محمد إنما أنت حمّار، والحمار لا يصلح أن يكون خليفة...
فقال محمد: يا أخي افترض جدلاً أنني الخليفة ماذا تتمنى؟ فقال الرجل أن تقع السماء على الأرض أيسر من وصولك إلى الخلافة، فقال محمد دعك من هذا كله ماذا تتمنى أيها الرجل؟ فقال الرجل: اسمع يا محمد إذا أصبحت خليفة فاجعلني على حمار ووجهي إلى الوراء وأمر مناديا يمشي معي في أزقة المدينة وينادي أيها الناااااس! أيها الناااااس! هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن.
وانتهى الحوار ونام الجميع ومع بزوغ الفجر استيقظ محمد وصلى صلاة الفجر وجلس يفكر، صحيح الذي يعمل حمارا لن يصل إلى الخلافة، والشخص الذي يستمر دون تطوير لمهاراته بلا تحديد لأهدافه وطموحاته لن يتقدم بل يتقادم!
وفكر محمد كثيرا ما هي الخطوة الأولى للوصول إلى الهدف المنشود، توصل محمد إلى قناعة رائعة جداً وهي تحديد الخطوة الأولى حيث قرر انه يجب بيع الحمار، وفعلاً باع الحمار.
وانطلق ابن أبي عامر “محمد” بكل إصرار وجد، يبحث عن الطريق الموصل إلى الهدف، وقرر أن يعمل في الشرطة، وأعجب به الرؤساء والزملاء والناس وترقى في عمله حتى أصبح رئيساً لقسم الشرطة في الدولة الأموية في الأندلس.
ثم يموت الخليفة الأموي ويتولى الخلافة بعده ابنه هشام المؤيد بالله وعمره في ذلك الوقت عشر سنوات، ولا يمكن لهذا الطفل الصغير إدارة شؤون الدولة.
وأجمعوا على أن يجعلوا عليه وصياً ولكن خافوا أن يجعلوا عليه وصياً من بني أمية فيأخذ الملك منه.. فقرروا أن تكون مجموعة من الأوصياء من غير بني أمية، ووقع الاختيار على محمد ابن أبي عامر وابن أبي غالب والمصحفي. وكان محمد ابن أبي عامر مقربا إلى “صبح” أم الخليفة واستطاع أن يمتلك ثقتها ووشى بالمصحفي عندها وأزيل المصحفي من الوصاية وزوج محمد ابنه بابنة ابن أبي غالب ثم أصبح بعد ذلك هو الوصي الوحيد ثم اتخذ مجموعة من القرارات؛ فقرر أن الخليفة لا يخرج إلا بإذنه، وقرر انتقال شؤون الحكم إلى قصره، وجيش الجيوش وفتح الأمصار واتسعت دولة بني أمية في عهده وحقق من الانتصارات ما لم يحققه خلفاء بني أمية في الأندلس.
تذكر صاحبيه الحمارين فأرسل أحد الجنود وقال له: اذهب إلى مكان كذا فإذا وجدت رجلين صفتهما كذا وكذا فأتي بهما. وذهب الجندي ووجد الرجلين بنفس الصفة وفي نفس المكان... العمل هو هو.. المقر هو هو.. المهارات هي هي.. بنفس العقلية حمار منذ ثلاثين سنة.. قال الجندي: إن أمير المؤمنين يطلبكما.. أمير المؤمنين إننا لم نذنب. لم نفعل شيئاً.. ما جرمنا.. قال الجندي: أمرني أن آتي بكما، ووصلوا إلى القصر، دخلوا القصر نظرا إلى الخليفة، قالا باستغراب إنه صاحبنا محمد.
قال الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر: اعرفتماني؟ قالا نعم يا أمير المؤمنين، ولكن نخشى أنك لم تعرفنا، قال: بل عرفتكما ثم نظر إلى الحاشية وقال: كنت أنا وهذين الرجلين سويا قبل ثلاثين سنة وكنا نعمل حمارين وفي ليلة من الليالي جلسنا نتسامر فقلت لهما إذا كنت خليفة فماذا تتمنيان؟ فتمنيا ثم التفت إلى الأول وقال: لك ما تمنيت من حدائق وأموال. ثم التفت إلى الآخر وقال له ماذا تمنيت؟ قال الرجل اعفني يا أمير المؤمنين، قال: لا والله حتى تخبرهم قال الرجل: الصحبة يا أمير المؤمنين، قال حتى تخبرهم. فقال الرجل: قلت إن أصبحت خليفة فاجعلني على حمار واجعل وجهي إلى الوراء وأمر مناديا ينادي في الناس أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن.
قال الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر افعلوا به ما تمنى حتى يعلم (أن الله على كل شيء قدير).
1123 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع