الدوافع الامريكية لتغير النظام الدولى كما يراها الساسة والخبراء الاستراتجيون

                                                 

                                  فلاح  ميرزا

الثقافة الامريكية الحالية هى ليست كما كانت فى مراحلها السابقة لان اخلاقها السياسية التقليدية شهدت تنظيرا وتطبيقا على النحو الذى يرى بها تبريرا لسياسة التمدد فوق السيادات القومية والوطنية

بمعنى السيطرة والنفوذ بوصفها امرا لاطائل منه مادام جيل مابعد الحرب الباردة من القادة الوطنيين يشعر بالحرج عند القول بمبدأ المصالح القومية  كما ذكر ذلك كسينجر فإنَّه سيحقِّق شللاً تراكمياً وليس ارتقاءً أخلاقياً" ومرّة أخرى سيقول فرانسيس فوكوياما (منظِّر نهاية التاريخ في بداية التسعينات) كلاماً دالاًّ على هذه النقطة: " إنَّ البلد الذي يجعل من حقوق الإنسان عنصراً أساسياً في سياسته الخارجية يميل إلى الوعظ الأخلاقي عديم الجدوى في أحسن الأحوال، وإلى استخدام العنف المفرط بحثاً عن أهداف أخلاقية في أسوأ الأحوال .
حين سئل الرئيس تيودور روزفلت عمّا إذا كانت الإستراتيجية الأميركية العليا، عازمة على تشييد فضائها الإمبراطوري ـ وكان ذلك في مستهلّ القرن العشرين ـ أنكر ما يرمي إليه سائله وقال: "إنَّ البلد الذي قام على فضيلة الحرية، يصعب عليه أن يقع في خطيئة الإمبراطورية.
ظلَّ ريتشارد نيكسون الرئيس الأميركي الأسبق يردِّد في خُطَبِهِ العصماء الموجَّهة إلى الجيش والشعب هذه الكلمات: "الله مع أميركا، الله يريد أن تقود أميركا العالم". في ذلك الوقت كانت حرب فيتنام تتجه إلى جحيمها المحتوم. وكان عليه لكي يشحذ الهمم، ويدفع حجج منتقديه، أن يستعيد ثقافة المؤسِّسين الأوائل ليبيِّن أنّ لاهوت القوة ليس إلاَّ منحة إلهية لدفع الشر في عالم ممتلئ بالفوضى.
مع دخول أميركا حقبة جورج دبليو بوش أخذت تتبلور الصورة الإمبراطورية ذات "الطابع الرأسما لي التوتاليتاري". لم يعد الأمر بالنسبة للفريق الحاكم مقصوراً على التبشير بدولة عالمية بات كل شأن من شؤون العالم شأناً يخصُّها، ويتصل اتصالاً عضوياً بأمنها ومصالحها الجيو ـ استراتيجية.
في نهاية الحرب الباردة، انبرى عدد من الإستراتيجيين إلى الجزم بأنه يوجد اليوم نظام عالمي، وتقوم الولايات المتحدة في هذا النظام بدور لا ينحصر في الممثل الأكبر، بل يمتد إلى دور المدبِّر. فبعد محو الخصم السوفياتي لم تعد وحدة أوروبا تعود عليهم بأيَّة منفعة، بل العكس، فإذا طاب لهم أن ينظروها بعين الرحمة ويستحسنوا تماسكها، وقوَّتها الاقتصادية، فإنَّهم لا يستطيعون التسامح بأن تصبح قوة عظمى جديدة يتقاسمون معها السلطة العالمية  .وبذلك فهى تعيد الى ذاكرتها الاسلوب الذى اتبعه (القرصان مورغان) والذى سيمنحها فلسفة استثنائية للسيطرة على العالم لا يكون فيها للقوانين والقيم العالمية المشتركة فعالية تذكر. بل على العكس فإنَّ مثل هذه القيم ستتحول إلى أساليب مجدية للسيطرة، مثلما حدث في جملة من عمليات غزو السيادات الوطنية بذريعة إحلال السلام وحقوق الإنسان وتعميم الديمقراطية .
هذه الثقافة السياسية الأميركية ستجد وقائعها منذ أكثر من مئة سنة، وهي تداوم على ذلك  ويبين فرديمان لكتابه (حجاج فى العالم الجديد) أنَّه من اليوم الأول لوصول المستعمرين الإنكليز إلى العالم الجديد، وهم "يريدون أن ينشئوا في أمريكا دولة ثيوقراطية تعيد سيرة اليهود التاريخيين. فالخطباء والوعّاظ استمدّوا نصوص خطبهم من العهد القديم، أما الآباء فقد استعاروا منه أسماء أولادهم. لم تكن العبرية لغة ثانوية بل كانت عمود ثقافة المثقفين والمتعلِّمين المتدينين وغير المتدينين. وكان تاريخ اليهود في العهد القديم قراءتهم اليومية، بل لربَّما كانوا يعرفونه أكثر ممّا يعرفون تاريخ أي شعب". ينتسب هذا التوصيف إلى المحاولات المعرفية التي دأب عليها عدد من المؤرِّخين والمفكِّرين الأميركيين على امتداد العقود المنصرمة.
ليس من شك في أنَّ بعض هذه المحاولات إلى الإضاءة على ما يمكن وصفه بالبعد الميتافيزيقي للثقافة المؤسِّسة لأميركا. وضمن هذا السياق تلقي دراسة الباحث في الشؤون الأميركية د.منير العكش الضوء على المعنى الإسرائيلي للنشوء الأميركي.
إنَّه يبيِّن أنَّ أميركا ليست إلاَّ الفهم البريطاني التطبيقي لفكرة إسرائيل التاريخية، وأنَّ كل تفصيل من تفاصيل تاريخ الاستعمار البريطاني لشمال أميركا حاول أن يجد جذوره في أدبيات تلك "الإسرائيل"، ويتقمَّص وقائعها وأبطالها وابعادها الدينية والاجتماعية والسياسية، ويتبنَّى عقائدها في "الاختيار الإلهي" وعبادة الذات وحتى تملُّك أرض الآخرين وحياتهم. لقد ظنوا أنفسهم، بل سمّوا أنفسهم "إسرائيليين" و"عبرانيين" و"يهوداً"، وأطلقوا على العالم الجديد اسم "أرض كنعان"، "إسرائيل الجديدة"، واستعاروا كل المبرِّرات الأخلاقية لإبادة الهنود (الكنعانيين) واجتياح بلادهم من مخيّلات العبرانيين التاريخية ؟ من جديد كى تتلائم مع المصالح الاستراتجية العليا للولايات المتحدة وتحقيق امنها القومى والدولى من خلال احتلال العراق بالكامل واسقاط نظامه والسيطرة على نفطه ونفوط المنطقة وحماية امن اسرائيل وهذا يتطلب حسب رؤيته  اقامة نظام فى العراق يؤمن بما اسماها القيم الديمقراطية الغربية .
ولو عدنا إلى مسالة تقسيم العراق ففى تقرير جوست هيلترمان الخبير فى الشؤونالعراقية لمجموعة ألازمات الدولية ، وهي منظمة بحثية مقرها بروكسيل ، من أن على الولايات المتحدة أن تستعد لمواجهة احتمال تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء أو أكثر بسبب العنف الذي كان نتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي ، ويرد مسئول أمريكي ، لم يكشف عن اسمه ، أن الولايات المتحدة ليست في حاجة إلى تحذير من وقوع هذه الكارثة ، فهي التي تسعى إليها للقضاء نهائيا على ما تبقى من دولة العراق الموحدة القوية .. وآخر ما طالعنا في هذا المجال هو قرار مجلس الشيوخ حول تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية : كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب ودعوات لتقسيم العراق إلى أقاليم في الوسط والجنوب الى غيرها من المشاريع المشبوهة كقانون النفط والغاز الجديد الذي نظم على أساس توزيع الأرباح حسب النسب السكانية لكل إقليم أو منطقة منتجة للنفط حيث لا تتعدى الأرباح المتبقية للحكومة المركزية الثلاثين بالمائة من المجموع الكلي للأرباح العائدة من بيع النفط العراق….
ويعترف احد المسئولين في الخارجية الأمريكية ،  بما معناه بان واشنطن قد شنت الحرب على  العراق لان القراءة التاريخية التى ترسخت فى اذهان الساسة الامريكان بان النبؤات التى جاء بها الفكر التلمودى اليهودى والعهد القديم يشير الى ان العراق يشكل ازعاجا لاسرائيل واخرين اشاروا الى احتلال العراق واسقاط نظامه وماترتب وماترتب على ذلك من تدمير لمؤسسات الدولة فيه ومرافقها كافة
والعبث في وثائقها أو حرقها وحل الجيش ومؤسسات الأمن الوطني والتأسيس لنظام حكم طائفي وإشاعة الفوضى في البلاد وحرمانها من الأمن والاستقرار لفترة طويلة وسرقة ثرواتها عبر مشاريع وهمية أو غير منتجة وخلق الأجواء لانتشار الفساد الإداري والترويج لتجارة القتل والحرق والسلب والتخريب والمخدرات … إلى غيرها من الأعمال التي تصب كلها في هدف استراتيجي مركزي هو إنهاء الدولة العراقية ومحاولة قتل الروح الوطنية والقومية لدى أبنائها وإعادة بنائها وتأسيسها من جديد على أسس مغايرة لما تربى عليه العراقيون الشرفاء أصحاب التاريخ والحضارة من قيم وطنـــية وعربية وإسلامية نبيلة ، وذلك من اجل خلق جيل جديد يؤمن بالمباديء والقيم الغربية المؤسسة على الفكر الصهيوني والماسوني ويقبل بالتعايش مع إسرائيل كأمر واقع ومفروض  فالحرب على العراق تم برمجتها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط التوازن الدولي الهش مباشرة ..في هذه الفترة بالذات اقتنعت أمريكا بان السياسة التقليدية المؤسسة على الاحتواء والردع لم يعد معمولا بها ، فاستبدلتها بسياسة الهجوم والضربات الاستباقية ، وحــــــــسب الدراستين ، فان الأسلوب الأمريكي ا، وتستمر الأحداث التي لن نخوض فيها هنا لكننا نقول أن هذا السيناريو قد سحب البساط من الدول العربية التي تحالفت عسكريا مع أمريكا ضد العراق وجعلت المكافأة التي لوحت بها من قبل مجرد سراب ووهم ومع كل ماحصل فى العراق لابد ان نشير هنا إلى إحدى المفاجآت الاستراتيجية غير السارة بالنسبة للاحتلال الأمريكي ، فنقول : إن ما كان يقال في واشنطن أن غزو العراق سيصبح نموذجا لغزو دول أخرى قد تلاشى وتبخر وتحول إلى وهم كبير، فإذا بالغزو يتحول إلى كابوس بالنسبة للولايات المتحدة نتيجة الضربات الموجعة للمقاومة الوطنية العراقية والرفض الشعبي لهذا الاحتلال ، ناهيك عن تكاليف الحرب الأمريكية الباهضة في العراق  وقد دفعت هذه الحقيقة الكثير من مؤيدي الحرب على العراق إلى التراجع عن موقفهم ومنهم البروفيسور ( فوكوياما ) الذي سبق أن طالب الرئيس السابق كلينتون في عام 1998 بإسقاط النظام العراقي ..يقول ( فوكوياما ) : (الآن ثبت أن الحرب في العراق كانت خطأ وقع نتيـجة لأوهام ) ..فكل ما سوقته الادارة الامريكية لحربها على العراق قد فشل فشـــــلا ذريعا ، بدءا من أسلحة الدمار الشامل وانتهاء بتحرير العراق وإقامة نظام ديمقراطي ، فيما النتائج ليست بعيدة عن العين ، حيـــــــث الموت اليومي و نذر الحرب الأهلية وحيث تقف المنطقة  في حرب أهلية فيما إذا اندلعت ؟ والسؤال الذى يطرح نفسه هو لماذا حصل كل هذا في العراق ومن المسئول عن ذلك ؟ وفي إجابة عن هذا الســـــــؤال يقول البروفيــــــــسور ( ها وارد زين ) اشهر مؤرخ أمريكي :ان دروس حرب العراق تبدأ مع التاريخ الأمريكي وعلينا أن نواجه بعض الحقائق التي تزعج فكرة ( الأمة الطاهرة ) بشكل فريد ، يجب أن نواجه تاريخنا الطويل في التطهير ألاثني ، الذي هجّرت فيه حكومة الولايات المتحدة ملايين الهنود من أرضهم بواسطة المذابح وعمليات الإخلاء ، يجب أن نواجه تاريخنا الطويل وهو ما زال حاضرا ، من العبودية والتفرقة والتمييز العنصري ، ويجب أن نواجه الذاكرة الطويلة الأمد لهيروشيما وناغازاكي ، وهو تاريخ لا يمكن أن نفتخر به .. ..
وإذا كان هذا المفكر الأمريكي غائبا عن نشر أفكاره أثناء الاستحضارات العسكرية والسياسية والأمنية تمهيدا لغزو العراق فان آخرين كانوا ضمن السلسلة القيادية في جانبها ألتنظيري لهذا الغزو .. يحرضون عليه ، أما اليوم فلنرى ماذا يقولون :
فعشية الذكرى الرابعة للحرب على العراق واحتلاله وفي مقابلات صحفية مع العديد ممن حرضوا الرئيس بوش على غزو هذا البلد ووفروا إطار العمل الفكري والآلية السياسية والإعلامية لحملته العسكرية ، يقرّون بأنهم كانوا على خطأ ، ولكن ماذا يفيد هذا الإقرار بعد خراب البصرة كما يقال ..
المهم أن هذه المقابلات تكمن أهميتها ، في أنها تعكس خيبة أمل الذين دعموا الغزو وأيدوه ، وكذلك تعكس القصور الفكري والسياسي الذي يتمتعون به ، وهم في مواقع يفترض أنها تستند إلى عناصر تتمتع بقدرات غير عادية ، خاصة وأنها تشارك في صنع قرارات تؤسس للنجاح أو الفشل في دولة تتطلع إلى السيطرة على العالم في ..
ويذكر ( ريتشارد بيرل ) احد ابرز المتطرفين ودعاة الحرب في إدارة المحافظين الجدد : ( إن إدارة بوش ناقشت الحملة العسكرية وتبعاتها السياسية ، وقد أصابت فيما يتعلق بالحرب وأخطأت في تبعاتها ) .. في حين يلخص المحرر اليميني ( جورج ويل ) في صحيفة ( واشنطن بوســت ) الوضع في العراق بقوله : ( منذ احتلال العراق وحتى ألان لا يزال من غير المؤكد ، للعراق بالكاد حكومة) ..
أما الناقد والكاتب ( اندرو سوليفان فيقول : ( لقد تعلم العالم درســـا قاسيا ، إلا انه كان اشد قسوة على عشرات آلاف القتلى العراقيين الأبرياء مقارنة بمجموعة المثقفين الذين تعرضوا للإذلال ) .. ويعتـــــرف ( سوليفان ) : ( الاستجابة الصحيحة ليست في المزيد من اللف والدوران بل في الإحساس بالعار والحزن ) فى     المحصلة ) ..، فان خلاصة هذه المقابلات تقول : إن إخفاقات غزو العراق كانت نتيجة مباشرة للطريقة التي تقرر بها الغزو في المقام الأول ، إذ لا يمكن الفصل بين الاثنين كما لو كان احدهما نتيجة قرار والآخر نتيجة مجموعة مختلفة من الافتراضات التي عبر عنها البعض من السياسيين والمفكرين الأمريكيين والتي خلاصتها : إن الولايات المتحدة ذهبت إلى الحرب وتبعتها بريطانيا استنادا إلى اعتقاد بان تغيير النظام في العراق قد يُمكن استخدامه كنموذج في إعادة تشكيل منطقة الشرق..الاوسط باسرها ويعترف السفير الامريكى السابق فى العراق (نغروبنتى) بالفشل فيقول ( إن الفشل الأمريكي في العراق قد يدفع نحو سيناريو حرب أهلية تصل بالعراق حد التقسيم ، وحين يحدث ذلك ستدب الفوضى في المنطقة ، بينما يمكن أن تنتقل عدوى التقسيم إلى السعودية وبلدان أخرى ) ..
وفي ضوء الأحداث والتطورات المأساوية في العراق لم يعد بأمكان الولايات المتحدة أن تخفي أن ديمقراطيتها الموعودة للعراقيين تحولت إلى موت يومي ، فالكاتب الأمريكي ( فولر ) الذي يعرف ماذا فعلت حكومته في أماكن أخرى من العالم ، يسوق الدليل التالي على مدى تورطها في مسلسل الموت اليومي الذي يعصف بالشعب العراقي من قتل واغتـيالات وزرع لبــذور حرب أهلية ، فيقول عمليات الاغتيال :    فان الموت اليومي هو فعل أمريكي على كل حال ، سواء أتم ذلك بأيد أمريكية أم بأيد عراقية تعمل تحت الإمرة الأمريكية ) ..
 وان ما نشاهده اليوم وما نقراه من أفكار وتنظيرات أمريكية إنما تحمل قيم ومفاهيم أصحابها ، في نفس الوقت يعبر معظمها عن وجهة النظر الرسمية للإدارات الأمريكية المتعاقبة وهى بالتاكيد متأثرة باللوبي الإسرائيلي في واشنطن ولكنها بطبيعة الحال لاتمثل الراى الامريكى كله ، وهذه الرؤى والنظريات هي حقائق اقرها أصحاب الاختصاص قبل أن ينكرها من خدع بقناع الديموقراطية وزيف الثقافة الحرة والكلمة الموضوعية المحايدة ..
وفي هذا المجال يقول ( روبرت ويكس ) أستاذ الأعلام في جامعة أركنســاس الأمريكية في كتابه ( فهم جمهور الإعلام ) الذي صدر عام 2001 : ( إن الإعلاميين يبنون رسائلهم على ثقافتهم ومعتقداتهم ومواقفهم ، ورسائلهم الإعلامية هي انعكاس لمواقف مسبقة قد تؤثر على بناء الرسالة الإعلامية ومضمونها ، وان المؤسسات الإعلامية تؤثر أيضا في بناء الرسالة الإعلامية وتوجهاتها ومعتقداتهم ) وينطبق الشيء ذاته على تحليلات ورؤى المنظرين الأمريكيين وخبرائهم ..باختصار فان هذا يمثل ما يمكن أن نسميه بالأيديولوجية الفكرية والإعلامية للخطاب السياسي الأمريكي ، وهي الأيديولوجية التي أخذت تظهر إلى العلن في إطار ما سمي بتيار صراع الحضارات ، الذي رسمه وخطط له عدد من فلاسفة السياسة والتنظير الأمريكيين وأهل الاختصاص والرأي في دوائر التخطيط ألاستراتيجيي من أمثال ( صموئيل هنتنغتون )، ونفذها صناع القرار السياسي والمستثمرون في العقل البشري العالمي من خلال وسائل الأعلام ذات السيطرة والهيمنة على كثير من مصادر المعلومات والتحليل في عصـــر الرقمية والفضائيات …
ولأهمية هذا الموضوع وحول هذا التحول في الفكر السياسي الأمريكي يتفق محللون سياسيون عالميون على أن هناك أجماعا بين الادارة الامريكية التى تضم الحزبين الجمهوري والديمقراطى على الهيئات الدولية الدولية وإعطائها دورا من اجل معالجة أي محاولة تعيد النظر في المصالح القائمة مع بقاء الجدل قائما حول طبيعة تدخل الأمم المتحدة ومداه في ألازمات الجديدة مع إبقاء خيار استخدام القوة قائما وحسب ظروف ألازمة وتأثيراتها على المصالح العليا للولايات المتحدة .. فالجمهوريون  يرون بان المجتمع الدولى لايشكل اهمية بالنسبة لقرارات امريكا وان كان يشكل عائقا اى لاشان للامم المتحدة بها بل يجب منحها الاولوية ولحلفائها فى حين يصر الحزب الديمقراطى على ضرورة التدخل ضمن الاطر القانونية الدولية حتى يمكن للدول الكبرى ان تشترك فى ذلك. ويزعم مناصرو التفوق الأمريكي أن الحفاظ على هذا المبدأ وتطبيقه هو كون الولايات المتحدة الدولة الوحيدة القادرة على تامين الاستقرار وفرض احترام النظام الدولي القائم ..وبالنسبة للديمقراطية التى تقع ضمن المنظور الامريكى لايجب ان يهمش دورها فى حركتها نحو استعمار العالم  الدكتور ( فرنسيس فوكاياما ) مؤلف كتاب ( نهاية التاريخ ) الذي يدعو إلى تحقيق الديمقراطية الليبرالية وحسب رأيه فان الديمقراطية تمنع العدوانية ويعتبر الانتقال إلى الديمقراطية مصدر استقرار في النظام العالمى
خلاصة هذا الاتجاه هو أن السير نحو الديمقراطية لا يؤدي بالضرورة إلى انتهاج سياسة سلمية وخاضعة لمتطلبات النظام الدولي ، بل أن ذلك سـيوفر فرصة لشعوب ،هي في صراع مع الغرب ، بان تعبر عن عدائها له .. وحسب أصحاب هذا الاتجاه ، فان الأفضل للغرب هو المساهمة في إجهاض المسيرة الديمقراطية في مثل هذه الحالات وهم يرون انه مع سقوط الشيوعية تحول الصراع من المستوى الأستبدادىوالدكتاتورى الى المستوى الحضارى.  ولا يدخل فوكياما) فى تفاصيل  التحليل الجيوسياسي للوطن العربي ، بل يرسم ، بصورة غير مباشرة ، حدود الشرق الأوسط كوحدة جيوسياسية تجمع بين النفط وإسرائيل ودول الجـــوار لها.. وحسب هذه النظرية فان تدخل الديمقراطيات في شؤون ( العالم التاريخي ) يظل ضروريا من اجل ضبطه باعتباره مصدر تهديد سياسي وعسكري لها ويتم ذلك عن طريق التضامن فيما بينها ، ويجب إعادة النظر في دور الأمم المتحدة ومشاركة ( العالم التاريخي ) القرارات  وان رســـــــــــــــم خارطة جيو اقتصادية بحيث يستعاض عن مبدأ الاحتواء بمبدأ التوسع الديمقراطي ، وبما أن هذه الدول تعيش أزمات اقتصادية فلا بد من دعم اقتصادي أمريكي لها ..بينما يرى( كينيث والتز ) في نظريته المواجهة هذه أهمية موازين القوى ويتوقع ابتعاد الدول الكبرى الأخرى عن الولايات المتحدة ، بوصفها القوة العظمى ، فتتجه ألمانيا نحو أوربا الشرقية وروسيا وتتجه روسيا نحو ألمانيا واليابان ..وحسب رؤية ( والتز ) فــــــــأن ( الدول العاصية ) الموجودة في الشرق الأوسط لم تعد مصدر تحدٍ أساسي بقدر ما أصبــحت تصنف علـى أنها دول خارجة عن إطار اللعبة المتفق عليها دوليا  فى حين  يرى كيسنجر فى نظرية موازين  القوى وتدعو إلى ضرورة التخلي عن المقاييس الأيديولوجية الصرفة وتحذر من التعاون الروسي الألماني في أوربا الوسطى والشرقية وبالمقابل تحذر من النزاع الروسي الألماني الذي قد يؤدي إلى فوضى سياسية في المنطقة .  فى حين تبنى اكثر من مسؤول هذا الاتجاه وحسب رأيه فان هذا هو الهدف الاستراتيجي لبلاده وهو ما تصبو إلى تحقيقه خلال هذه المرحلة المهمة من تاريخ العالم .. كما أنها تسعى ، في حالة تعذر قيام الحكومة العالمية ، إلى تحقيق نظام عالمي يأخذ شكل الكونفدرالية العالمية التي تتمتع فيها أمريكا بزعامة عالمية تشاطرها في بعض مظاهرها ، بالتراضي ، أهم قوتين عالميتين بعدها وهما أوربا واليابان ..ويستبعد بريجنسكي أن يتم لأمريكا أي شكل من أشكال الزعامة الحقيقة على العالم لحقبة من الزمن ليست بالقصيرة ويُرجع ذلك إلى سببين أساسيين :
الأول ( داخلي ) : يتعلق بما وصفه تداعي النمـوذج الحـضاري الأمريكي من الداخل ..
الثاني ( خارجي ) : يتعلق بموقف القوى العالمية والإقليمية وقوى أخرى رافضة .. وقد صنف بريجنسكي القوى العالمية والإقليمية التي ستستمر لفترة قادمة تنازع أمريكا الزعامة والنفوذ إلى ثلاثة اصناف  قوى عالمية اوروبا واليابان وقوى اقليمة الصين وروسيا  وأيا كانت دقة هذا الموقف فان الباحث توخى عرضه دون تعليق تاركا ذلك لأراء القراء والباحثين والاستراتيجيين ..واما هنتنغتون فيضع الموضوع فى اطار صدام الحضارات وبدعو الدول الغربية الى التضامن فيما بينها ، ويسعى ليبدو أكثر وضوحا في طرح نظريته هذه حين نشر في العدد السنوي لمجلة نيويورك الأمريكية     مقالا بعنوان ( حروب المسلمين ) التي وصفها بأنها احتلت مكان الحروب الباردة ك شكل أساسي للصراع الدولي .. وهذه الحروب ، حسب( هنتنغتون ) تتضمن : حروب ( الإرهاب ) ، حروب العصـــــابات ، الحروب الأهلية ، الصراعات بين الدول … الخ والرسالة التي أراد ( هنتنغتون ) إيصالها هي ( أن العرب يشكلون مصدر الخطر الذي يهدد العالم ) ..وذهب ابعد من ذلك عندما حاول إظهار العرب والمسلمين بصورة المتخلفين الذين يضـــــمرون الحقد والكراهية للثقافة وروح العصر .  ان  الصورة القاتمة التى سببتها الادارات الامريكية المتعاقبة فى المنطقة بدءا بايران حين ارادت باسقاط الشاه ان ترسم سياسة جديدة مستندة على ثقافة  تروتالية جديدة واحتلالها للعراق تحت حجة اسلحة الدمار الشامل والارهاب وانتهاء بتقسيم المنطقة  سيدخل العالم فى دوامة الصراعات وسوف لن يعود ذلك عليها بالفائدة بقدر ماسيعود عليها بالضرر ولان المثل العراقى يقول ياحافر البير لتعمق مساحيها تالى الفلك يندار وانت تكع بيها

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1109 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع