د.عبدالقادر القيسي
بداية مضمون مقالي ينصرف الى المحامي البعيد عن الأطر المهنية غير المنضبط بضوابط قانون المحاماة النافذ والامر نفسه على السياسي غير الوطني فقط، واقول:
توهم البعض، ان البراعة في المحاماة تكون بالقدرة على قلب الوقائع وتمويه الحقائق ولبس الحق بالباطل ولكنه وهم فاسد، لان الصدق أساس المحاماة وحليتها وكلما كان المحامي صادق اللهجة شريف النزعة كان أثره في المحاماة محمودا ونجاحه مضمونا، لا ينبغي للمحامي ان يؤجر ذمته لموكله، وان يقف من القاضي موقف العامل على إخفاء الحق وإظهار الباطل، بل يجب ان يقف منه موقف الباحث عن الحقيقة المنير للطريق(منقول).
ليس يعنى قبول المحامي موضع القضاء الواقف أنه أقل قدراً من قرينه الجالس فلكلٍ دوره، ولقد سُئل نقيب المحامين الفرنسيين ذات مرَّة عن وصفه للقاضي فقال (رجل قانونٍ لم يستطع الوقوف فجلس) .
المحامون شانهم شأن كافة التجمعات المهنية داخل المجتمع، ينتمون إلى نقابة واحدة ويمارسون مهنة واحدة، إلا أن انتماءاتهم السياسية والحزبية متباينة ومتعددة ومتعارضة في كثير من الأحيان.
قليل من المحامين والمحاميات ممن يمارسون دورهم كمحامين بحِرفيةٍ وبنظرة الوكالة المُجرَّدة بغض النظر عن القناعات السياسية او الدينية او الطائفية او القومية.
ظهرت في العراق بعد الاحتلال، انتماءات لمحامين لأحزاب سياسية وترشيحهم لمجلس النواب ضمن قوائم لأحزاب وكتل سياسية، وعلى المحام ان يفكر بتروي وهدوء قبل الولوج للسياسة والانتماء لاحد مسمياتها واذا كان لابد من ذلك فعليه اختيار الاحزاب والكتل ذات الثوابت الوطنية والتي اساس عملها الحوار الهادئ والذي تتقارع فيه الحجة بالحجة ويتبارى فيه البرهان مع البرهان سبيلا لتحقيق المطالب، وطريقا لنيل المزيد من المكاسب، وما ذلك علينا بعزيز إذا ما خلصت النيات وصفت الطويات، ولم ندع في بيتنا ثقبا تتسرب إلينا منه الأهواء والنزوات، بخاصة هناك بعض المحامين حولوا النقابة إلى واجهة تدعو للفرقة والاختلاف والكراهية والتظاهر.
أن المشاركة السياسية الوطنية هي السياج الأمين والداعم للديمقراطية، والمحامون في الطليعة دائماً، ويرى البعض، من ان أصباغ النقابة بالصبغة السياسية لأعضاء المجلس أو النقيب كانت هي الشرارة التي أوقدت الصراع داخل نقابة المحامين، وهو ما أدى إلى زيادة فجوة الانقسام والشقاق بين أبناء المهنة الواحدة.
أن حق المحامي الفرد أن يكون نائباً أو ناخباً، وحريته في الانضمام للأحزاب السياسية الوطنية، وحريته في تناول القضايا العامة بالنقد وإبداء الرأي بشأنها، إن هذه الحقوق الممنوحة للشخص الطبيعي لا يمكن للنقابة كشخص معنوي ممارستها إلا في شقها الأخير وهو حقها في تناول القضايا العامة بالنقد وإبداء الرأي بشأنها.
ونحن نرى أن دور النقابة السياسي الوطني يجب أن يشتمل على الحفاظ على ثوابت المجتمع من حيث الحفاظ على الحريات العامة والأمن القومي الخارجي والداخلي والمتمثل في النظام العام بعناصره الثلاثة وهي الصحة العامة والأمن العام والسكينة العامة فكل ما يمس ذلك يتعين على النقابة أن تتصدى له وتبدى الرأي بشأنه، فلا يجوز في رأينا للقيادات المهنية الولوج الى عالم الأحزاب وميدان السياسة بخاصة، لا يوجد قطع بالمطلق وإنما كل النهايات والمتغيرات مفتوحة، لذلك هناك اختلاف في الرؤيا والمعالجة.
عليه من حق للمحامي كفرد أن يضطلع بدور كامل وفعال في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لبلده سواء عن طريق العضوية في حزب سياسي أو هيئة تشريعية أو منظمة غير حكومية وعلى المحامي عندما يقوم بأعماله المهنية أن يخلع عنه رداء السياسة وأن يرتدي رداء المحاماة،
ومن خلال ما لاحظته من ممارسات يقوم بها عدة محامين وما أصاب مهنة المحاماة من انهيار مهني لا يحمد عقباه، بحيث أصبح المحامي في نظر المواطن (نصاب او محتال محترف) لاستنزاف جيوب الزبائن كقاعدة عامة والاستثناء هو المحامي النزيه الوطني الوقور الهميم في عمله؛ وعند مطابقة أفعال هؤلاء النفر الضال من المحامين نراه ينطبق واعمال السياسي العراقي الذي يمارس عمله بعيد عن أي معلم وطني؛ وتظاهرت لدي عدة اوصاف وممارسات وتصرفات يقوم بها المحامي، لها مثيل لدى السياسي، تتمحور بما يلي:
1) كثير من المحامين لا يعمل على صهر شخصيته المهنية بشخصيته الوطنية من خلال الدفاع عن وطنه واستقلاله والعمل على رفع شأنه وأن يقدم مصالح وطنه ومجتمعه على مصالحه الشخصية، وهذا ما يفعله أكثر السياسيين العراقيين، لأن أهواءهم طافحة وشهواتهم جامحة، لا يؤتمنون على دين الله ولا دنيا الناس.
2) كثير من المحامين لا يضع المصلحة العامة أمام عينيه بل يضع مصلحته الشخصية أولا وفي بعض الأحيان يجعلها تسبق مصلحة مهنته وزملائه وموكله، وهذا ما فعله أكثر السياسيين العراقيين، فانه إذا ما تصارعت الفكرة العامة مع المصلحة الخاصة، فانهم لا يفسحوا للفكرة العامة مكاناً في نفوسهم.
3) دائما يكون هدف المحامي في عمله المهني تأمين مصلحته الشخصية السياسية او المادية أو حب الظهور وإيجاد مكانة له، قد تكون سياسية او حزبية او مهنية، في المجتمع على حساب قضايا موكليه وزملائه وقضايا الوطن، وهذا ما شاهدناه في عمل السياسيين العراقيين طيلة هذه السنوات، فانهم بنينٌ وحفَدة يسيطرون على مقدرات مؤسسات الدولة ويملكون قصور وسيارات فارِهة ومنتجعات سياحية وأرصدة بنوك خياليَة وهِندام مُزخرَف وقِنينات عِطر شذيَّة .
4) كثير من المحامين لا يقف لصالح القضايا التي تتعلق بالوطن وبكرامة الوطن وفي دفع أي ظلم موجه لزملائه وأبناء وطنه، وفي توجيه الشعب توجيهاً صحيحاً وفي صيانته من أن تلعب الأهواء الضارة بكيان الوطن، وقد مارسها السياسيين العراقيين بمهارة، عندما جعلوا الوطن بأدبياتهم وممارستهم وافكارهم في مهب الريح.
5) ان المحامي ذو التاريخ القانوني لا يقامر بواجب الالتزام المهني الوطني لصالح قناعاته السياسية وقد تصل أحيانا الى البوح بأسرار زملائه وموكله، وهذا متجسد بين السياسيين عندما يختلفوا فيما بينهم يبوح بكل شيء متفق عليه سابقا على سريته لأغراض التسقيط السياسي
6) كثير من المحامين من لديه سلطة الدولار والنفوذ، فوق الأطر الأخلاقية والمهنية وأصبح يفكر وينسج خططه لأجل الدخول الى معترك السياسة لتحقيق المكاسب المادية والمعنوية بعيدا عن أي ثوابت وطنية او مهنية، وهكذا يفعل السياسيين نراه يبذخ ويرشي ويطرح شعارات براقة في كل شيء الا في تنفيذها خصوصا قبل الانتخابات للحصول على مقعد نيابي وبعدها يسقط جميع ما التزم به من مبادئ واهداف.
7) كثير من المحامين من يعملون على اسقاط زملائهم وازاحته من الساحة المهنية بدوافع تنافسية او طائفية او سياسية او حزبية، ويتنصلون عن زملائهم وأبناء وطنهم عند حدوث أي مشكلة؛ تحقيقا لرغبات حزبية او طائفية او فئوية او مهنية او لخوفه من فقدانه لبعض المكاسب المهنية وهذا ما حصل معي عندما اتهمت بالإرهاب حيث تنصل مني غالبية محامي غرفتي ومنهم من اتيت به لهيئة الانتداب واستلم رئاسة الغرفة من بعدي وكان يعلن دائما امامي انه لا يرغب برئاسة الغرفة وانه مجبر وووو، لكن الوقائع مؤخرا دحضت ذلك؛ ففي عام 2011 عندما سلمت رئاسة الغرفة للجنة ترعى الانتخابات برئاسته وانا من اختاره، فوجئت في اليوم الثاني بتجواله على القضاة يخبرهم بانه هو رئيس الغرفة وليس القيسي، وعندما عاتبته واخبرته انك في لجنة مؤقتة ولأسبوع واحد فقط، انكر ذلك، وبعدها انهارت حججه في واقعتين، الأولة، عندما طلب منه النقيب الاستقالة وعين معه محامي لا يصلح مهنيا ان يكون عضو هيئة، لكنه لم يعترض وتمسك برئاسة الغرفة وهذا الموقف مثلبة بحقه، والأخرى عندما وجدته في الانتخابات الأخيرة مقاتل ومتكالب على رئاسة الغرفة(سبع أعضاء هل هي قيادة عمليات؛؛؛؛) من خلال ممارسات وتصرفات لا تنسجم مع ما كان يخبرني به نهائيا، وتمنيت ان يكون قتاله وتكالبه لأجل نصرة رئيس غرفته وصديقه ومن انقذه من أوضاع كادت ان تؤدي بحياته، لكني لم اجد منه الا الاقوال بل منع بداية ولحد الان تشكيل لجنة لأجل الدفاع عني لخوفه من الاستهداف ونصرة للجاني وسحقا لحقوق المجنى عليه وكأن هناك امر دبر بليل فاذعن له من اذعن مجبرا او مختارا، انه رجل وقور واخي وله مكانة عندي مرموقة؛ لكن المحامي القيادي عند تيقنه بانه في موقف لا يستطيع تقديم شيء لنصرة محامي غرفته؛ عليه عدم الترشح وترك رئاسة الغرفة لمحامين ينصفون زملائهم شجعان لا يخافون ويتحملون المسؤولية(وانا قدمت استقالتين تحريريتين وأخرى شفوية عندما وجدت نفسي لا استطيع تقديم شيء للمحامين) لكنها لذة السلطة (وسأكتب مقالة مفصلة عن ذلك)، وهذا الفعل يفعله السياسي البرلماني عندما ينضم لحزب او كتلته تراه معها في كل شيء لكن اذا استهدف رئيس كتلته او حزبه تجده سرعان ما يتنصل وينزوي حتى عن التصريحات ويحاول ان يحسسنا أنه حمامة ولا هدف له سوى العمل على ترصين وحدتنا ومحبتنا كشعب؛ مواقفهم المرئية هذه لدس السم بالعسل.
8) كثير من المحامين دخلوا الميدان السياسي واخذوا بمهاجمة القوانين أو السلطات القائمة بهدف سياسي او حزبي ولتحقيق المهاجمة والتجريح ليس إلا، بعيدا عن حالة النقد والتحليل الموضوعي والتقويم، والسياسيين العراقيين أدعوا تمثيل مصالح الشارع العراقي، بينما هم نجحوا فقط في تمثيل مصالحهم الخاصة بكل صدق، حيث يقوموا بمهاجمة الدولة وفي بعض الأحيان خلق فكرة معادة الدولة لدى مريدهم وعامة الشعب.
9) كثير من المحامين ممن يتوكلون في قضايا سياسية لا يكونوا دقيقين في مقاييسهم ووزنهم للكلام بل ان بعضهم يخرج عن الذوق واللباقة في النقد المشروع ويتجاوز حدوده ويتقمص موقف كتلته او حزبه السياسي ويدفع باتخاذ موقف معاد من السلطة ابتغاء إلى مصلحة موكله ويقلد السياسي من خلال عدم الاعتدال في أشكال كلامه واخلاله بحزمه في مواقفه ولم يبتعد عن اساليب السباب والشتائم والصياح، لتحقيق اغراض سياسية او حزبية، والسياسي عندما ينتمي لكتلة ما تجده يتقمص ويلبس ثوب كتلته بحرفية وتجده بعد فترة يترك تلك الكتلة او الحزب ويبدأ مشوار اخر مع كتلة او حزب جديد.
10) لا سلطان للنقابة على المحامي في الاتجاه السياسي الذي يعتنقه طالما أن الفكر السياسي الذي ينتهجه وطني لا يدعو إلى إتباع العنف والكراهية واستخدام السلاح بمواجهة صاحب الرأي الآخر أو لا يدعو إلى ارتكاب جرائم ضد سلامة الوطن واستقلاله ووحدة أراضيه، لكننا شاهدنا محامين كثيرين ممن يرتكب جرائم يومية من خلال انتماءات لأحزاب وتيارات مسلحة مشبوهة غير وطنية او سارقة للمال العام والخاص ويقومون بتقديم الرشاوى(هناك في عرف مهنة المحاماة رشاوى مباحة يقدمها المحام لمعتمد بريد او مبلغ في الدعاوى وغيرها مما شابه ذلك) وتحريف الأوراق وتزويرها واخرين يقومون بالابتزاز واخرين من عملوا مخبرين سريين واخرين باتوا منصة للكراهية وتصدير الطائفية، وكما يمارسها ويتفنن بها السياسيين العراقيين عندما يحتاجون لأقصاء بعضهم حيث استخدموا سلاح القضاء وسلاح القتل والخطف والتهديد والرشاوى والابتزاز واستخدام نقاط الضعف وغيرها من أساليب ملعونة غير شريفة.
11) كثير من المحامين لا يمارس مهنته مستقلاً عن أي توجيه او فكر سياسي او حزبي بل نجده كالسياسي مرتبط بفكر حزبه او حتى اجندة خارجية تسيره، حيث لاحظنا كثير من المحامين يطرح بحماسة بالغة شعار (كلا للطائفية) لكنه في الممارسة وفي الغرف المغلقة نجد وجناته تشع طائفية وبطريقة مقرفة بل ان بعضهم عندما تقرا منشوراته تجدها طائفية مفرقة منفرة؛ ونادر ما نجد سياسي او محامي متحرر من الطائفية والحزبية والضغوط؛ واضعاً نصب عينه دائماً العراق وهذا معناه انه اختار الحرية والاستقلال والكرامة.
12) كثير من المحامين يحضون موكليهم ومواطنيهم ان كانوا سياسيين على عصيان القوانين والطعن فيها لأجل التأخير لأغراض سياسية؛ كما يفعل السياسيين العراقيين عندما يتفقوا على عدم التصويت على قانون ما لأنه لا يخدم توجهات كتلهم الحزبية.
13) كثير من المحامين عندما يشارك في مؤتمر أو لقاء خارج بلده لا يعتبر نفسه رسول أمته وبلده ونقابته في علمها وثقافتها، وفي سلوكها وآدابها وفي شرفها وأمانتها وفي لباقتها وخفة ضلها، وفي تقريبها من القلوب وتحبيبها إلى النفوس، وذلك الامر يفعله السياسيين العراقيين عندما يذهبون كوفود لتمثل العراق فانهم لا يمثلون العراق بل اجندة طوائفهم وقومياتهم واحزابهم وخير دليل مؤتمر دافوس في عمان ذهب اليه ستة وفود كل وفد ذهب لتحقيق مصالح طائفته او قوميته او كتلته.
14) كثير من المحامين ممن يمثلون تيارات سياسية معينة؛ ينتقد التشريعات وأعمال السلطات وأحكام المحاكم ويقدم الطعون فيها ويطعن في القضاة اللذين أصدروها ويعبروا عن رأيهم بدوافع سياسية وبنفس الوقت يحترم القضاء والقوانين النافذة ويؤمن بان المحامين لهم دوراً رائداً في مضمار التطوير والتعديل رغم الصعوبة في ذلك، لكن هذا الاحترام والاعتقاد لا يتم على خلفية قانونية وانما عن ايمان بفكر سياسي او حزبي، وهذا ما يقوم به السياسيين العراقيين عندما يعترضوا وينتقدوا القضاء العراقي وبعض السلطات، وعندما يصوتوا على القوانين او يعترضوا عليها دائما تتم وفق اجندة الحزب او الطائفة بعيدا عن الهوية الوطنية.
وأخيرا نقول: المحامي صوت من لا صوت له، فعليه ممارسة مهنته وانتماءاته وفق الثوابت والقيم الوطنية بعيدا عن سلطان الاحزاب؛ وان يبتعد عن ممارسة العهر السياسي والإعلامي كما يمارسها السياسي العراقي.
889 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع