ما أرادت الشعوب طرحه

                                        

                       د. علي محمد فخرو


لوسئلت شعوب الأمة العربية، ومن ضمنها بالطبع شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، عما كانت تود أن يطرح في اللقاء الأميركي - الخليجي في كامب ديفد لأدرك الذًّاهبون الى ذلك اللقاء مقدار التغيير الجذري المطلوب لتعديل جدول أعمال ذلك الاجتماع.

فالشعوب العربية تريد تشخيص وعلاج أمراض العلاقة العربية - الأميركية المزمنة الخطرة وليس الاكتفاء بالاشارة الى أعراض تلك الأمراض في هذه الساحة أو تلك ومحاولة تخفيفها بالمهدئات والمسكًّنات المؤقًّتة.
والسبب هو أن أميركا كانت ومازالت تصرُّ على أن تكون في علاقتها مع العرب سرطاناً خبيثاً ينهش في أعضاء الجسم العربي الحيوية، سنة بعد سنة، في ساحة بعد ساحة، بأشكال ظاهرة وخفيًّة، بحروب مباشرة وبحروب بالوكالة، وذلك من أجل اضعاف ذلك الجسم وتدمير كل أنظمة مناعته وكل امكانات تعافيه ونهوضه.
يشهد على تلك الهجمة السرطانية الأميركية تاريخ أسود: من الدًّعم الأعمى المتحيز اللا إنساني، المالي والعسكري والسياسي والاعلامي، للعدو الصهيوني في فلسطين المحتلًّة وانتزاع قضية الشعب الفلسطيني من ايادي مؤسسات المجتمع الدولي لتصبح لقمة سائغة في يد اللوبي الصهيوني الأميركي، الى الوقوف المتآمر ضد أي فكر أو عمل سياسي قد يؤدي الى توحيد الأمًّة العربية المجزًّأة، الى التدخل في شؤون مجتمعات العراق وسورية وليبيا واليمن وغيرها، الى أشكال لا حصر لها ولاعدًّ من الأدوار التي لعبتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وأخواتها في اثارة الفتن والصراعات الطائفية والقبليًّة والايديولوجيًّة والسياسية في كل أرض العرب، الى المواقف الحالية الغامضة المترددة المتقلبة المشبوهة المكيافيلية من الظاهرة الداعشية ومشاريعها، في كل الأرض العربية ولكن العراق وسورية على الأخص.
هل سيطرح الذاهبون هذا التاريخ الأسود ويطالبون بصراحة تامة ايقاف مسلسلاته المأساوية الانتهازية أم سيضيعون في تفاصيل الحلف العسكري الخليجي - الأميركي القادم الذي تعرف الشعوب جيداً، بخبرة تاريخية طويلة، بأنه لن يكون أكثر من حلف الدجاجة المغلوبة على أمرها مع الثعلب الماكر الكذاب؟ ألم يلعب هذا الثعلب ذاته مع أشكال من الدَّجاج الآخرين نفس اللعبة، فيسقط أنظمتها الشرعية التي لاتعجبه، ثم يرميها بقايا حطام لتقضي السنين الطوال في استرداد عافيتها؟
هل الهدف من المطالبة يطرح أسباب وعلاج العلاقات العربية - الأميركية المريضة هو صرف النظر عن السبب الرئيس لعقد اجتماع كامب ديفيد؟ بالطبع لا. فنظام الحكم الايراني ارتكب ويرتكب الكثير من الأخطاء والخطايا في بعض السًّاحات العربية، كما أن بعض الأنظمة العربية جعلت من تلك الممارسات الايرانية الخاطئة غطاء لجر العرب الى صراع سنًّي - شيعي طائفي مجنون سيحرق الأخضر واليابس في بلاد العرب وكل بلاد الاسلام.
لكن هل أن مكان مواجهة المشاكل والصراعات العربية - الايرانية، التي تقترب شيئاً فشياً من حالة المأساة التاريخية لكلا الأمتين، هل هذا المكان هو كامب ديفيد وتحت الجناح الأميركي الذي أهان وأنهك الأمتين في مناسبات كثيرة؟
واذن ما دور منظمة الدول الاسلامية ان لم يكن اطفاء حرائق الجنون بين بعض أعضائها وتجييش كل أعضائها الآخرين لحلًّ المشاكل والصًّراعات من خلال مبادئ الدين المشترك والجيرة الجغرافية والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة؟ أليس المفروض أن تجري محاولة انهاء هذه الصًّراعات العبثية في احدى عواصم بلاد العرب أو بلاد المسلمين وأن يكون الوسطاء من الغيورين على مستقبل العرب والمسلمين؟
ثمًّ لنفترض حدوث الجانب الأسوأ، وهو عدم قدرة العرب والايرانيين على حلًّ مشاكلهم بالحوار وبالحسنى وبالتالي لابدًّ من المواجهة المانعة لانتصار جهة ما على جهة أخرى، فهل ستكون المواجهة الأجدى من خلال شراء المزيد من الأسلحة الأميركية وقبول المزيد من التواجد العسكري الأميركي، أم أن الأجدى هو بناء نديًة عربية رادعة بشرية واقتصادية وسياسية وأمنية، تبدأ على المستوى الخليجي وتصعد الى المستوى القومي؟ نديُة تمنع استباحة مجتمعات العرب من قبل أي دولة اقليمية، سواء أكان الكيان الصهيوني أو تركيا أو ايران؟ وكذلك من قبل أي دولة لها مطامع استعمارية في ثروات العرب وأرضهم.
لقد جرجرت أميركا العرب منذ حوالي ربع قرن للجلوس مع العدو الصهيوني في مدريد، عاصمة اسبانيا، ووعدتهم بأنها ستحلً قضية فلسطين حلاً عادلاً. لكنًّها بدلاَ من ذلك عزلت القضية عن بقية العرب وجعلتها قضية شعب فلسطيني مشرَّد وحيد منهك معزول عن أمته في وجه نظام استعماري استيطاني عنصري بربري مدعوم بأموال وأسلحة ومكانة أميركا. لقد كان فصلاً من الكذب والخداع الأميركي ومن البلادة السياسية العربية.
اليوم، وفي كامب ديفيد، ستكذب أميركا، وستعزل موضوع الخلافات مع ايران من مستواه العربي لتجعله قضية خليجية - ايرانية، وكالعادة ستنطلي الكذبة وستبقى الخلافات مع ايران تدور في حلقة مفرغة سنة بعد سنة، تماماً كما هو الحال مع القضية الفلسطينية.
يا أمة العرب، متى ستخرجين من سذاجة الطفولة وبراءتها الى مرحلة الفهم والتعلًّم من الخبرة؟ متى؟



  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1160 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع