شرط لازم لمستقبل الديموقراطية العربية

                                  

                      د.علي محمد فخرو


أظهرت ثورات وحراكات الربيع العربي، اينما حدثت، ازمة خانقة تعيشها الغالبية الساحقة من الأحزاب، سواء اكانت قومية ام اسلامية ام يسارية ام ليبرالية.

لقد فشلت تلك الأحزاب في تقديم النصح والخبرة والمساندة للشباب الذين فجروا تلك الثورات والحراكات ليتجنبوا ارتكاب الأخطاء وفي الاسهام في قيادة الجماهير الغاضبة المشوشة نحو مرافئ الأمان والانتصارات. والواقع ان تلك الأحزاب ما كان تاريخها، او النواقص في أيديولوجياتها، او مقدار امتدادها وتجذرها في المجتمع، او فهمها للعصر الذي تعيشه الانسانية قد هيئوها لتقوم بتلك المهمات المطلوبة. وهكذا ضاعت فرصة تاريخية نادرة لتصبح بعض تلك الأحزاب قيادية تاريخية مثلما حدث في العديد من بلدان العالم. تلك خلفية تستوجب طرح السؤال التالي: ما مستقبل الأحزاب العربية؟ الجواب ان ذلك سيعتمد على مقدار مراجعتها، بصورة نقدية موضوعية تجاوزية، لماضيها من جهة وعلى مقدار شجاعتها ومرونتها لتبني افكار ومنهجيات عمل جديدة صالحة لمتطلبات المستقبل السياسي العربي من جهة اخرى. وبالطبع سيختلف مقدار تلك المراجعة ونوع ذلك التبني من حزب الى حزب آخر. أما مراجعة ماضي الكثير من الأحزاب فقد كتبت عنه كتب، وهو موضوع معقد وبالغ الاتساع والتشعب، وبالتالي لامكان له في هذه المساحة المحدودة. لكن بعض مايجب التفكير فيه لتبنيه سنوجزه هنا باختصار. اولاً: لقد اصبح موضوع الديموقراطية سياسيا مفصليا في حاضر ومستقبل المجتمعات العربية، انه موضوع الساعة. ولأن هناك تباينات فكرية وتطبيقية، في العالم كله وفي الوطن العربي، فان الأحزاب العربية مطالبة بتفصيل مايعنيه شعار الديموقراطية بالنسبة لها. وهي، اي الأحزاب، مطالبة على الأخص بالتأكد من ان شعار الديموقراطية لايتعارض مع بعض شعاراتها الأخرى او بعص ممارساتها التنظيمية. فمثلا، ان شعارات الحزب القائد والعنف الثوري والايديولوجية المطلقة التي لا ترى العالم الا ابيض او اسود، ولاغير ذلك من ظلال، تناقض الديموقراطية المبنية على النسبية والحلول التوافقية. ومثلا ايضا، فان الحزب الاسلامي الذي يطرح شعار «ان لا حاكمية الا لله» فينفي بذلك المبدأ الدستوري القائل بأن الشعب هو مصدر السلطات، ويهيئ لهيمنة رجال الدين والفقه على التشريعات القانونية والحياة السياسية، لا يستطيع الادعاء بايمانه بالديموقراطية. ولايستطيع الحزب الاسلامي الذي لايقبل في عضويته الا المنتمين لمذهب معين، سني اوشيعي، ان يدعي الايمان بالديموقراطية التي تستوجب عدم التفرقة بين المواطنين في حقوقهم بسبب العرق او الجنس او الدين او المذهب. ثانيا: هناك قضايا حزبية تنظيمية قديمة تحتاج بالفعل لمراجعة. فمثلا هل ستستمر الأحزاب في ترك امر اختيار مرشحيها للنزول في الانتخابات البرلمانية والنقابية عن طريق لجان ادارية او هيئات انتخاب داخلية، وهي المشهورة بانحيازاتها وتلاعباتها الحزبية، ام ستنتقل من اجل صالح المجتمع وتحسين الحياة الديموقراطية الى طرح اسماء مرشحيها على جميع اعضاء الحزب وعلى جميع المسجلين من مناصري الحزب لاختيار المرشحين؟ ثم، هل سيظل انتقاء مرشحي الحزب للنزول في الانتخابات مقتصرا على السٍياسيٍين المخضرمين المحترفين من الرجال ام انه سينتقل الى اعطاء اهتمام وأولوية للشباب وللنساء وللأقليات وللمهمشين الفقراء؟
ثالثا: هل ستقوم الأحزاب العربية بعرض برامجها وقراراتها المفصلية على عموم المواطنين من خلال كل انواع التواصل الاجتماعي الالكتروني، وذلك للاستفادة من ملاحظات المواطنين واقتراحاتهم واجراء التعديلات اللازمة في البرامج والقرارات قبل اقرارها النهائي؟
رابعا: هناك الموضوع الأزلي المتعلق بالممارسة الديموقراطية الشفافة داخل الأحزاب نفسها. فالحزب الذي لايمارس الديموقراطية في داخله لا يستطيع الادعاء بأنه سيمارس الديموقراطية عند استلامه سلطة الحكم. ولنا عبرة فيما حل من سقوط مذهل لبعض الأحزاب العربية التي وصلت الى الحكم او البرلمانات ابان السنوات الأربع الماضية، وذلك بسبب غياب الممارسة الديموقراطية فيها وفي اجهزتها القيادية. لن يكون من الممكن المنطقي الحديث عن انتقال المجتمعات العربية الى انظمة ديموقراطية حقيقية ومستقرة دون حل اشكاليات الأحزاب العربية التاريخية من جهة ودون تجديد لبعض افكارها وشعاراتها ومنهجيات عملها في التفاعل مع المواطنين ودون تغيير جذري في تنظيمها لذاتها. مستقبل الديموقراطية في ارض العرب مرتبط بصورة وجودية بمستقبل الأحزاب العربية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

921 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع