هذا ما جنتْهُ عليَّ ذاكرتي

                                      

                           علي السواني

            

هذا ما جنتْهُ عليَّ ذاكرتي
إلى حسين الفراجي جليسي على مائدة القهر

ذاكرتي تضغط عليَّ بقوة شهقة لوز الجيران في خواصر الربيع . ركلات متصلة ببطن الدماغ تشبه طبلة عبد ارويّح . ألليلة عندي مشكلة ضخمة .

رغبة مشوّشة لاستعادة سلة أمكنة معتّقة مثل نبيذ العوائل الطيّب . ليس بمقدوري مسكَ سبع تفّاحات بكفّ وحيدة . سألعبكم الآن برسم خريطةٍ تضيء الطريق نحو تلك المفقودات ، ومن ثمَّ سأعدكم برسمها حرفاً حرفاً .
سأشتغل في الخمسمئة متر النازلة من أول ميدان شارع الرشيد ، حتى رأس سوق السراي ورقبة القوس الذي يعبر دجلة ، حيث عيون المها بين الرصافة والجسرِ . هنا انولدتْ الفكرة العظيمة . ستكون البداية من هناك صعوداً إلى الميدان ، فأرى في ما يرى العاشق ، طابوق بناية المتحف البغدادي ، وطعم أول قبلة مرتبكة وقعت خارج النصّ . إنْ دخلتَ المتحف من بوابته الرئيسة ، فسوف يكون سوق الذهب على شمالك وبناية الكويتي على يمينك ، وهذه بناية بائسة بمقدورك أن تحبّها فقط لأنّ فيها دكان أنغام التراث وصاحبه المثقف المقامجي الطيب سمير الخالدي . في باب سنوات الرمادة والحصار ، بدّل سمير مهنته مجبراً ، فتحول خزان الأنغام العظيمة إلى محل بيع ملابس وما حولها وسمّاه الربوض ، وقبل أن يقتله الحنين إلى عيطات محمد القبنجي ويوسف عمر وحمزة السعداوي ووريثهم القويّ حامد السعدي ، عاد إلى شغلته ثانيةً مع شكوى تكاد تصل حدّ البكاء على سلّم مقام الصبا ، من أنّ الكاسيتات المتوفرة في السوق الآن ليست يابانية . سأتأخر قليلاً في متحف التراث البغدادي البديع وأتذكر أن الزوار وبعد أن يتركوا بصمات عيونهم على تماثيل المكان حيث حمّام النسوان وزفة العرس وجراخ السكاكين وجايجي المقهى ، سيكون بمستطاعهم الخروج من الباب الخلفية التي تنتهي بمقهى حقيقية نظيفة معمولة من نفس طابوق المتحف والفرشي البارد ، وهنا ستقع الدهشة والضحكة المكتومة ، حيث سيخرج الزائر وهو معبأ بمنظر التماثيل ، وعندما يصل هذا المقهى المتحرك الحيويّ ، ستستقبله نظرات الجلاس الأوادم وستشيّعه حتى باب الهروب خاصة إن كان هذا المتعوس امرأة حلوة . على ذكر سوق الذهب ، سيكون تحت يمينك منظر كمشة من الفقراء وهم يخوضون تحت الجسر بمياه لونها ليس من لون النهر وهي أقرب إلى السيان الأسود ، حيث ينطرون بغرابيلهم الكبيرة ، ما تحمله المياه النازلة من أجسام الصاغة ومشغولاتهم من برادة ذهب عزيز تفلتُ من شِباك الصائغ الشاطر .
بقي من الأمكنة التي وعدتكم بمسحها في السطر الثاني من المكتوب عشرة ، لكنني أشعر الآن بنعاسٍ شديد وإحباطٍ لا أدري منبعهُ ، لذلك سأستودعكم الله .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1232 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع