د.عبدالقادر محمد القيسي
البرلمان الحالي يقوده اشخاص هم رؤساء الكتل ونوابه، انهم منتخبون من قبل الشعب غير انهم لا يمثلون الشعب قدر تمثيلهم لرؤساء الكتل وكل وجودهم في جلسات البرلمان هو لعكس وجهة نظر رؤساء الكتل.
رؤساء الكتل يتفقون، يتوافقون ثم يصدرون اوامرهم لنوابهم اللذين لا دور لهم سوى رفع الايادي عند التصويت دون الرجوع الى من انتخبهم.
متى يفهم قادتنا ان المسؤولية تكليف وليس تشريف.
أنهى مجلىس النواب في الأيام الماضية تقرير عن نتائج اعمال اللجنة التحقيقية حول جريمة سبايكر التي قتل خلالها عناصر "داعش" في 12 حزيران الماضي في قاعدة سبايكر الجوية، حوالي 1700 شاب من طلبتها حيث تلت لجنة الامن والدفاع البرلمانية التقرير الذي اشارت فيه الى انها استقت معلوماتها من خلال استضافة عدد من المسؤولين المحليين والعسكريين في محافظة صلاح الدين، والتقرير كسابقته؛ كان بمثابة بيان سياسي عام، لا يمكن وصفه بتقرير لجنة تحقيقية؛ لأنه غادر ذكر الأسماء المتهمة كما يجب في اي تقرير يحقق في واقعة جنائية، ودعا الى اعادة التقرير الى اللجنة التحقيقية بوزارة الدفاع لحث الاجهزة الامنية والاستخبارية على معالجة اوجه النقص والتدقيق لإكمال التحقيق والوصول الى الحقائق وتحديد المسؤوليات ومعرفة مصير المفقودين من الاحياء.
اذن لماذا صدعتم رؤوسنا بمجريات عمل لجنتكم وغيرها وستوديو التاسعة في قناة البغدادية يتابع يوميا وينقل اخبار لجنتكم، واللجنة فسرت الماء بعد جهد جهيد بالماء، لاسيما ان البعض بما يمتلكه من موارد مالية وقنوات فضائية وصحف ومواقع إعلامية حاول تسير القضية باتجاه طائفي عبر لصق الجريمة ببعض العشائر المتواجدة في تلك المناطق.
لماذا لاتزال معظم الاخبار والشعارات التي تبثها القنوات الفضائية والصحف والمواقع المدفوعة الثمن تضخم وتركز على ضحايا سبايكر دون المجازر الأخرى؟ ولماذا يستقبل رئيس مجلس النواب أهالي ضحايا (سبايكر) في حين لم يسأل أحد عن ضحايا مجازر المليشيات ؟ ولماذا تم نسيان قضايا مجازر الزركة وجامع المصطفى ومصعب بن عمير والمقدادية وبروانة وسليمان بيك وجلولاء والسعدية وجرف الصخر وغيرها؟
لقد شهدت هذه المناطق جرائم بشعة ترافقت مع دخول القوات الحكومية النظامية وغير النظامية، ففي قرية بروانة وحدها وجد 77 مواطنا تم إعدامهم بإطلاقات في الرأس، وكانوا معصوبي الاعين ومقيدي الايدي، حيث نسبت إحدى النائبات عن محافظة ديالى الجريمة الى الميليشيات المحمية من قبل قوات الأمن، وقد نشرت بعض الفضائيات العراقية شريط فيديو يصور الجثث الملقاة في الطرقات والبيوت، بينما ذووهم يحتضنون أجسادهم والدماء تسيل من الرؤوس.
فهل تحرير المناطق يجب أن يكون ثمنه دماء وأموال الابرياء وتدمير دورهم وحرق مزارعهم؟ وهل وقوع محافظات عراقية كاملة تحت سيطرة (داعش)، يعني أن السكان فيها باتوا جميعا عناصر في هذا التنظيم؟
هل من لجان تحقيقية تبحث عمن فجروا وأحرقوا عشرات المساجد في جرف الصخر وديالى مسقط رأس رئيس مجلس النواب، ولماذا يتم التعتيم على هذه الجرائم فيما يتناول الإعلام وبخاصة قناة البغدادية جرائم (داعش) لوحدها؟ ولماذا لم يتم التركيز على ذكر جرائم بروانة وجرف الصخر والسعدية وبهرز وغيرها واذا تم ذكرها فيكون على استحياء بخاصة جريمة بروانة حيث تناولها استوديو التاسعة بطريقة اسقاط فرض ليس الا ؟ وهل هذه الدماء التي اغتيلت غدرا كما في مسجد مصعب بن عمير، ليس لها قيمة وضحايا سبايكر المغدورين، قيمتها اعلى واثمن؟ وهل هناك تفضيل دماء على دماء وفق قاموس ستوديو التاسعة ؟
وهل هناك مسلحون ضد القانون وآخرون فوقه؟!
لماذا تمارس هذه الازدواجية بتناول القضايا، وهل ان سكان المناطق التي يسيطر عليها داعش عليهم باستمرار أن يستبدلوا مجرما بآخر ويدعى أبناؤهم لمحاربة (داعش) ؟!.
إذن ما الفرق بين جرائم (داعش) وجرائم ترتكب من بعض العناصر وهي بحماية الدولة لتحرير المناطق المسيطر عليها من داعش، وهذا معناه انها تحصل من قبل جزء من السلطة؟ وأين الحدود الفاصلة بين سلوك الدولة القانوني، وسلوك المنظمات المسلحة من خارج الدولة التي لا تعترف بالقانون؟
وقد لاحظنا هناك تحول في مضمون برنامج ستوديو التاسعة وبطريقة نعتقد ستؤدي الى ضعف في متابعة البرنامج من المشاهدين، لاسيما اصبح البرنامج نشرة اخبار وقراءة تعزيات وتهاني وتبريكات في بعض حلقاته وتطبيل لشخصيات لا تستحق ذلك وتلك الأمور يشوبها غموض في المهنية التي عهدناه في مقدم البرنامج أنور الحمداني فندعوه الى إعطاء الأهمية لقضايا الدم العراقي بصورة متساوية والجدية في متابعة القضايا التي تهم المجتمع العراقي ككل والابتعاد عن الأمور التي تتناولها نشرات الاخبار والتركيز على القضايا التي يفقدها المشاهد ولا يلحظها في متابعته لنشرات الاخبار وتجنب التكرار اليومي لقضايا تحقيقية تتم في البرلمان لان اللجان التحقيقية في البرلمان ليس لها فائدة على المشهد السياسي الا تهريج اعلامي غايته تحقيق مصالح الكتل السياسية لان قضية سبايكر قد تم فتح تحقيق قضائي فيها واعلن مجلس القضاء الأعلى ذلك ببيان رسمي على موقعه، ومسالة سقوط الموصل قد تم فتح تحقيق في وزارة الدفاع حسب ما اعلنه وزير الدفاع وبالتالي من المفيد للمشاهد التركيز على التحقيق الذي تجريه وزارة الدفاع لا ما يقوم به أعضاء برلمان لا يفقهوا شيئا بالعلوم العسكرية، ونشاهد ان مسالة الاستجوابات التي تعلنها لجنتي تحقيق الموصل وسبايكر عبارة عن مشاهد تمثيلية لتحقيق مصالح سياسية وغايات حزبية فقط .
ان قضية سبايكر وسقوط الموصل والقضايا الأخرى قضايا وطنية وقانونية تستحق التحقيق والبحث عن المتسببين الرئيسيين فيها؛ بعيدا عن التضليل الإعلامي، بعيدا عن التلاعب بمشاعر أهالي الضحايا واستغلالها لتمرير أجنداتهم السياسية، وسبق وان بينا في مقالة سابقة ان تقارير اللجان البرلمانية يعتريها الصبغة السياسية وبعيدة عن الموضوعية وغالبيتها لا تحمل أي الزام قانوني، لا سيما ان المادة (61) من الدستور العراقي النافذ قد حددت المسؤولين والأشخاص الذين يحق لمجلس النواب مسائلتهم واستجوابهم، بالرغم من ان النظام الداخلي لمجلس النواب الذي استحدث نصا في المادة(32) منه لا ينسجم ونص المادة (61) من الدستور، ويحق للمجلس التحقيق مع المسؤولين المذكورين في نص المادة 61 من الدستور النافذ بشرط ان تكون هناك واقعة لها علاقة بالمصلحة العامة او حقوق المواطنين، ويحق للمجلس في ضوء ذلك طلب حضور أي فرد امامه للأدلاء بشهادة او توضيح امر ما يريده المجلس، واعطت المادة 77 من النظام الداخلي لمجلس النواب حق للجانه الدائمة وبموافقة اغلبية اعضائها دعوة وكلاء الوزراء وأصحاب الدرجات الخاصة وبقية الموظفين من العسكريين والمدنيين حق طلب حضورهم للاستيضاح واخذ المعلومات منهم على ان يسبق ذلك، اعلام رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء.
لذا نجد ان اللجان البرلمانية ليس لها الحق فيما يتعلق بالأشخاص الذين لم يطالهم نص المادة 61 من الدستور ان تخضعهم للمسائلة، فقط ترسل بطلبهم للاستيضاح او تستمع لشهاداتهم، مع العلم ان الذين تستمع لشهاداتهم اللجان البرلمانية تكون شهاداتهم غير ملزمة لمن ادلى بها امام اللجان؛ لأنها تمت وفق إجراءات لم ينص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته النافذ، وليس من صلاحيات اللجان الإحالة الى القضاء؛ بعد انتهاء الاستيضاح او سماع الشهادة، بل وحتى المذكورين في نص المادة 61 لا يحق للجان البرلمانية احالتهم للقضاء حتى لو تراءى لها هناك جريمة، لان المادة الأولى من قانون أصول المحاكمات الجزائية، قد نصت على ((1- تحرك الدعوى الجزائية بشكوى شفوية او تحريرية تقدم الى قاضي التحقيق او المحقق او اي مسؤول في مركز الشرطة او اي من اعضاء الضبط القضائي من المتضرر من الجريمة او من يقوم مقامه قانونا او اي شخص علم بوقوعها او بأخبار يقدم الى اي منهم من الادعاء العام ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، ويجوز تقديم الشكوى في حالة الجرم المشهود الى من يكون حاضرا من ضباط الشرطة ومفوضيها...)) والمادة واضحة ولا تحتاج الى شرح.
وبحدود ما سبق وصفه، نجد ان اللجان البرلمانية التي تشكل للتحقيق في امر ما، لا تمتلك أي صفة قضائية لأنها محددة بنصوص الدستور والقوانين ذات العلاقة، وبذلك فان كافة اجراءاتها ليس لها قيمة قانونية بقدر ما تكون ظاهرة إعلامية لامتصاص غضب الشارع والراي العام، ومذكرين، ان القنوات الفضائية في تغطيتها لجرائم يقوم القضاء بالتحقيق فيها، قد خالفت نص المادة المادة 235 التي نصت((يعاقب بالحبس .... من نشر بإحدى طرق العلانية امورا من شانها التأثير في الحكام او القضاة الذين انيط بهم الفصل في دعوى مطروحة امام جهة من جهات القضاء او في رجال القضاء او غيرهم من الموظفين المكلفين بالتحقيق او التأثير في الخبراء او المحكمين او الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى، او ذلك التحقيق، او امورا من شانها منع الشخص من الافضاء بمعلوماته لذوي الاختصاص.
فاذا كان القصد من النشر احداث التأثير المذكور او كانت الامور المنشورة كاذبة تكون العقوبة الحبس ...)). لذا من الموجبات ان تغادر قناتنا العزيزة البغدادية تناول قضايا منظورة امام القضاء العراقي لان في ذلك تأثير على سير العدالة، وهذا الامر ينصرف الى قضية سقوط الموصل لان القضية، قد أعلنت وزارة الدفاع بانها شكلت لجنة تحقيقية واحالة مجموعة من الضباط الى القضاء العسكري بتهمة الخيانة العظمى، وهناك ضرورة ان تطالب قناتنا العزيزة البغدادية من وزارة الدفاع الإسراع بحسم عمل تلك اللجان والمحاكم واعلانها للراي العام، لتحقيق الامن الاجتماعي.
وتم استضافة القاضي جعفر الموسوي في ستوديو التاسعة مؤخرا، واكد على ان هذه اللجان لا قيمة قانونية لتقاريرها وانها تصدر توصيات غير ملزمة حالها حال أي لجنة تحقيقية إدارية، واكد من الخطأ ان يتم التحقيق في قضايا منظورة امام القضاء العراقي ويتولى التحقيق فيها، والمؤسف ان قناة البغدادية كانت تسوق له(جعفر الموسوي) وبطريقة، فيها تجاوز على حقوق الشعب لأنه نائب برلماني ومن الخطأ التسويق له لان يستلم منصب تنفيذي كما يفعلها البرلمانيين، لان الشعب انتخبهم نواب يمثلون حقوقهم وتطلعاتهم، والقاضي جعفر الموسوي ليس بالشخصية التي تمتلك خبرة قضائية كافية لاسيما انه وفق قانون التنظيم القضائي المرقم 160 لعام 1979 لا يعدو ان يكون قاضي صنف رابع ورئاسة هيئة النزاهة تحتاج لقاضي صنف اما اول او ثاني، لديه خبرة في القانون المدني أولا والجزائي والتجاري؛ لان عمل هيئة النزاهة خليط من ذلك ومن المهم ان يكون رئيس الهيئة ممن يتحدثون اللغة الإنكليزية.
وننوه، ان قضية عشرات آلاف المعتقلين لا تزال غائبة عن جدول اعمال ستوديو التاسعة وبطريقة غريبة، رغم وجود دعوات لتشريع قوانين تعيد الحقوق لأصحابها وتنصف الابرياء الذين جرّوا إلى السجون بجريرة المخبر السري والاعترافات القسرية بخاصة المتلفزة منها فيما يسرح المجرمون خارجها ويمرحون.
وهناك ظاهرة ايجابية تمارسها قناة البغدادية من خلال التركيز على انتصارات الجيش العراقي والحشد الشعبي الوطني وان يصبح الحشد تجمعأ وطنياً منسجماً متفانياً من شباب عابر للطائفية ممثلاً لمكونات المجتمع، بالتضحيات التي يقدمها أبناء الحشد الشعبي الوطني والجيش يمكن ان تكتسب الانتصارات نكهتها الوطنية.
وهناك ضرورة ان يقوم ستوديو التاسعة بالمشاركة للحفاظ على زخم الحشد الشعبي الوطني بفضح الجرائم البشعة التي ترتكبها المليشيات المنضوية تحت الحشد الشعبي الوطني, وتوفر الأدلة والشواهد الموثقة التي حصلت عليها المنظمات الدولية, ومنظمات حقوق الإنسان، والمجتمع المدني، وصارت حديث الأسرة الدولية، وتناقلتها تصريحات المسؤولين والمراقبين والمتابعين المحليين والدوليين، وبخاصة ما صرح به السيد مقتدى الصدر مؤخرا ولمرتين، الأولى دعته الى تجميد عمل سرايا السلام واليوم الموعود والثانية اكد بوجود مليشيات وقحة محمية وتعمل بغطاء الجيش تقوم بممارسات وجرائم وحشية وذلك يحتاج وقفة وتصدي سريع وحازم لأجل ضبط الجناة ومنعهم من الإساءة الى الحشد الشعبي الوطني، لاسيما قد شاهدنا عرض صور ومقاطع فيديو، تظهر تلك الجرائم، وهنا لم يبقَ شماعة لتبرير الجرائم والانتهاكات وتبرئة مرتكبيها بان الزعم بأن مَن يقوم بها هم عناصر مندسة، هدفها تشويه صورة الحشد الشعبي, فحصولها بهذه الصورة والكيفية والديمومة والاستمرارية لا يمكن تفسيرها أنها صدرت من عناصر مندسة، او أنها تمثل حالات شاذة، لأن الحالة الشاذة لا تتكرر بكثرة ولا تستمر، خاصة أن تلك العناصر المندسة باتت تشكل حالة متجذرة ومتحكمة ولها سلطة ونفوذ وتتحكم في بعض مفاصل الحشد الشعبي الوطني الذي تحول في قسم منه إلى حاضنة لهم والجرائم المرتكبة جنائية؛ إذ لا يمكن لعناصر قليلة مندسة أن تقوم بتلك الجرائم وبصورة مستمرة، مؤكدين، أن العنصر المندس يمارس مهامه بطريقة لا تسمح بانكشافه كونه مندسا؛ لكن ما نلاحظه ويعرف به الجميع أن مَن يرتكب تلك الجرائم يتبجح بها ويصورها ويعرضها، كما انه يمارس الجريمة علنا وأمام مرأى ومسمع القيادات والمراتب فأي عناصر مندسة ؟!!!!. إن الجرائم التي ارتكبت وترتكب ومنها تهديم المساجد وحرق البيوت وتجريف البساتين تدحض شماعة العناصر المندسة، ولا يمكن أن تتم بصورة مخفية، فهل أن هذه العناصر المندسة لا ترى بالعين المجردة ؟! وهل أن المواد التي يستعملونها لتفجير المنازل والمساجد من نوع الكاتم بحيث لا يسمع لها صوت ولا دوي حتى تحافظ تلك العناصر على سريتها ومدسوسيتها؟
وهل إن آليات التجريف تعمل بلا صوت؟ ولنا أن نتساءل كيف استطاعت تلك العناصر المندسة الانخراط ضمن صفوف الحشد الشعبي الوطني؟!, فأين دائرة الرصد والامن الاستخباراتي للحشد؟
نرى أن يكون هناك تغطية إعلامية لحث القيادات السياسية والدينية والجهات المسؤولة لتبذل قصارى جهدها من اجل التفكير في آلية جادة حقيقية للحد منها ومحاسبة مرتكبيها.
وندعو السلطة القضائية والادعاء العام في نفس الوقت إلى أخذ الدور القضائي والقانوني بالتحقيق بجريمة سبايكر وجرائم المليشيات غيرها، بعيداً عن اللجان الحكومية أو النيابية التي لم تؤتي أكلها لحد الآن.
ونختم مقالتنا بقول لسيد البلغاء الإمام علي عليه السلام: ( القائل بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل، واللازم للحق ذليل ).
1055 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع