ليست مشكلة نسائية بل رجالية

                                          

                         د. علي محمد فخرو

لانحتاج الى يوم عالمي يختص بأمور المرأة لندرك نحن العرب أنه لاتوجد مشكلة عربية نسائية، وانما توجد بامتياز مشكلة عربية رجالية.

المرأة العربية تحتل المقاعد الدراسية في الجامعات العربية بنسب تفوق نسب الرجال في كثير من الأحيان. وهي لم تترك اختصاصا إلا ولجته. وهي لها مكانة متميزة في ساحات الاعلام والفن والأدب والفكر والعلوم وفي أسواق العمل. وهي قد حققت كل ذلك بجهودها الذاتية ومن خلال مسيرة نضالية طويلة شاقة مع التخلف والتعصب والانحياز ضدها، سواء في محيطها العائلي أم في مجتمعها أم عند سلطات الدولة.
وبالتالي فانها مهيأة وجاهزة وراغبة في لعب دور فاعل نشط في مجتمعاتها العربية وتبوؤ مراكز قيادية قي ساحات كانت حكرا على الرجل بسبب اعتقادات انتهازية كاذبة بتميز الرجل في قدراته الذهنية والعاطفية والنفسية والخلقية.
أمام هذا الصعود المبهر في قدرات المرأة العربية وصفاتها الشخصية واستقلاليتها ونتاجها الغزير نحتاج الى أن نطرح السؤال التالي بصراحة تامة: أين تكمن المشكلة؟ انها تكمن في الرجل العربي. فلنعط أمثلة لتوضيح ذلك.
1 - جميع رؤساء الحكم في أرض العرب هم من الرجال، فهم الذين يعينون رؤساء الوزراء والوزراء والتنفيذيين الحكوميين الكبار. هؤلاء يستطيعون القفز نحو تمكين المرأة العربية كخطوة أولى وفي الحال من خلال جعل نسبة المرأة في هذه المراكز الأساسية في حدها الأدنى لا تقل عن الربع أو الثلث، وتتدرج لتصل الى المساواة المعقولة العادلة. لكن الرؤساء العرب يتحرجون عن فعل ذلك لأسباب تراثية أو دينية أوسياسية لاحصر لها ولاعد.
2 - ان الغالبية الساحقة من مقاعد السلطات البرلمانية التشريعية في أرض العرب يحتلها الرجل العربي. ويستطيع هؤلاء كخطوة أولى وفي الحال اصدار تشريعات قانونية تلزم كل دائرة انتخابية بأن يتم انتخاب ممثليها بنسبة تعطي للمرأة ربع أو ثلث المقاعد، لتتدرج في المستقبل نحو التساوي. لكن المؤسسات التشريعية العربية هي الأخرى تحجم عن اتخاذ هذه الخطوة تحت ذرائع تراثية أو دينية أو سياسية متوهمة.
3 - ان مؤسسة القضاء العربي وقيادات غالبية مؤسسات المجتمع المدني العربي المهنية والسياسية والاجتماعية وغيرها يهيمن عليها الرجل العربي. ويستطيع القائمون عليها الزام مؤسساتهم بقوانين وأنظمة تقود الى فعل نفس الشيء، بحيث تصبح نسبة النساء في تلك القيادات لا تقل عن الثلث كحد أدنى.
لكن جميع هؤلاء يتكلمون عن العدالة والمساواة في المواطنة والحقوق والديموقراطية، لكنهم لا يمارسون متطلباتها بالنسبة للمرأة.
ان مثل تلك الخطوة، وغيرها من الأمثلة كثير، ستجعل من المرأة العربية شريكة فاعلة، من خلال سلطة حقيقية في واقع اتخاذ القرارات في ساحتي سلطة الحكم والمجتمع المدني، وبالتالي المساهمة الفعلية في حل الكثير من التجاوزات بحق المرأة المواطنة.
عند ذاك، وعند ذاك فقط، ستهزم التشريعات التاريخية غير العادلة وشتى أشكال القراءات الفقهية التي تخطاها الزمن.
لايستطيع الرجل العربي أن يريح ضميره من أوزار تلك المشكلة المجتمعية وعليه أن يتحمل مسؤوليته الكاملة تجاه ما لحق أخته في الانسانية من ظلم وأذى، وذلك بسبب تخلفه الثقافي التاريخي، وبقائه في سجن العادات القبلية وتزمت الكثيرين من فقهائه، وتردده الدائم نحو ولوج الحداثة العربية ومتطلباتها التنويرية العصرية.
في هذه اللحظة التي نعيشها يحاول الجهاديون التكفيريون الذهاب الى أقصى درجات التطرف في ظلم المرأة وجعلها سلعة من سلع الغزو البربري الذي تمارسه. وسيكون أحد الردود على تلك الأفعال المتخلفة اتخاذ خطوات لرفع مكانة المرأة بأنواع من الطرق المماثلة لما ذكرنا سابقا.
لقد قامت المرأة العربية بما عليها بصورة شبه كاملة. لقد هيأت نفسها تعليميا وتثقيفيا واندماجا مبهرا في الحياة المجتمعية المدنية، بما فيها السياسية. ولقد تجلى ذلك في الدور العظيم الذي لعبته في تفجير ثورات وحراكات الربيع العربي، بل ودفعت الثمن غاليا في الشوارع والسجون والمنافي.
الآن من حقها على أخيها الرجل أن يراجع ضميره وعقله وقلبه، يحل مشكلته هو، وبعدها لن توجد قضية تحت مسمى مشكلة المرأة العربية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1035 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع