هل حان الوقت لأعادة رسم خارطة الشرق الأوسط ؟

                                       

                            جــودت هوشيار

يعتقد عدد كبير من المؤرخين و الباحثين و المفكرين  من جنسيات مختلفة ، أن خارطة الشرق الأوسط  التى رسمت بعد الحرب العالمية الأولى بموجب اتفاقية سايكس –بيكو ، بحاجة الى تصحيح ، وأن الأحداث العاصفة التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة وتداعياتها المتسارعة ، قد تؤدى الى أعادة رسمها من جديد،بما يرفع الظلم الذى وقع على الشعب الكوردي.

ان معظم الدول العربية فى المنطقة ،هى كيانات سياسية ، ظهرت الى الوجود فى خارطة العالم ، ليس نتيجة لعمليات ديموغرافية طبيعية ، ولم تكن تعبيرا جغرافيا  لما هو موجود على أرض الواقع ، بل فرضت بالقوة ، بعد أنتصار الحلفاء فى  الحرب العالمية الأولى وأنهيار الأمبراطورية العثمانية ، حيث قام اللاعبان الرئيسيان فى المنطقة وهما بريطانيا و وفرنسا  برسم خارطة الشرق الأوسط وتشكيل دول جديدة ورسم حدودها ، بما يضمن مصالحهما فى المقام الأول ،  دون الأخذ بنظر الأعتبار التمايز الأثنى و الدينى والتأريخى والثقافى لشعوب المنطقة.
 
لم تكن لهذه الدول المصطنعة وجود فى الأمبراطورية العثمانية ، حتى على شكل ولايات أو وحدات أدارية – جغرافية منفصلة . فعلى سبيل المثال ، كانت المساحة التى تشغلها  سوريا حاليا مقسمة .الى اربع وحدات ادارية منفصلة تأخذ بعين الأعتبار الأختلافات الواضحة بين مكوناتها  . وبعد الأحتلال الفرنسى في العام 1919 ، تم توحيدها كمحمية فرنسية واستقلت فى عام 1946 ، رغم وجود تناقضات كثيرة فيها .. أما لبنان ،فأنه ،  خليط صاخب من المسلمين الشيعة والسنة والمسيحيين المارونيين و الدروز والأرمن والكورد وغيرهم  ، ويعيشون فى جيب لا يتجاوز مساحته 10 آلاف كيلومتر مربع ، و يحاولون حل ما لا يمكن حله وهو تقاسم السلطة في ما بينهم.
 
 اما تأريخ تشكيل دولة الأردن كوحدة سياسية مستقلة ، فأنها أكثر غرابة و تتناقض مع شروط عصبة الأمم ، التى تم بموجبها وضع فلسطين تحت الوصاية البريطانية . هذه المملكة أخترعت على عجل للعائلة الهاشمية القادمة من الحجاز .أما الغزو البريطانى للعراق ومن ثم تشكيل الدولة العراقية ، فأنه يمثل بحق قمة الغطرسة الأمبريالية بأسوأ صورها والأستهانة بالحقوق المشروعة للشعب الكردى .
في 12 آذار سنة 1921 ، عقد مؤتمر في القاهرة واستمر أسبوعين برئاسة وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل. وحضره كبار الضباط والاداريين الانكليز العاملين في مناطق الانتداب. وناقش المؤتمر « تحديد مستقبل الولايات الثلاث في ما كان يعرف بـ" ما بين النهرين " وهى البصرة وبغداد والموصل، وأختيار شكل النظام السياسي ورئيسه، وبتعبير آخر، كان على بريطانيا إعادة تنظيم علاقاتها السياسية والمالية والعسكرية مع العراق العربي وكردستان الجنوبية الواقعين ضمن انتداب " ما بين النهرين "
 
كان وزير المستعمرات ونستون تشرشل يخشى من تجاهل مشاعر الكورد واضطهادهم على يد حاكم شريفي مدعوم بجيش عربي ونادى بفكرة كردستان جنوبية منفصلة سياسيا عن الدولة العربية في بغداد, وقرر المؤتمر عدم إلحاق كردستان الجنوبية بالدولة العربية، وان يدار الإقليم كحزام أستراتيجي من قبل المندوب السامي عبر موظفين ميدانيين حتى الوقت الذي يستطيع فيه الكرد ، تحديد مصيرهم السياسي في المستقبل.(1) وقد صادق رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج على قرارات مؤتمر القاهرة بخصوص كردستان الجنوبية.
فى عام 1921  تشكلت الدولة العراقية من ولايتين عثمانيين منفصلتين هما ولايتى بغداد والبصرة فقط ، ولكن حكومة المحافظين الجديدة ، التي تشكلت بعد فترة وجيزة من انتهاء مؤتمر القاهرة ، تخلت عن قرارات المؤتمر المذكور وعملت بحلول سنة 1923 على الحاق ولاية الموصل ( كردستان الجنوبية ) بالدولة العراقية ، ، بعد أدراكها أهمية نفط كركوك ومنافعها الأقتصادية لبريطانيا والدولة الوليدة في آن معاً ، خاصة ان النفط لم يكن مكتشفاً ،حتى ذلك الحين سوى في موقعين أثنين هما كركوك وخانقين وكلاهما كانتا ضمن ولاية الموصل المتنازع عليها بين بريطانيا وتركيا .
بقع النفط كانت  ظاهرة على سطح الأرض في منطقة ( بابا كركر)  منذ زمن سحيق ، مما سهل عمل خبراء الجيولوجيا الذين جلبتهم بريطانيا ، من فنزويلا ، والمكسيك ، ورومانيا ، والهند الصينية ، لأغراض الأستكشاف والتنقيب وتحديد اماكن حفر الآبار . وفي 14 اكتوبر/ تشرين أول سنة 1927 تدفق النفط بغزارة من اول بئر نفطي الى علو 43 متراً ، وتم انتاج حوالي ( 100 ) آلف برميل خلال عشرة أيام . ومنذ ذلك التأريخ ، اصبح نفط كركوك جزءاً من المعادلة السياسية  في العراق . وتحدد في الوقت نفسه مصير مدينة كركوك ولو الى حين .
 
واجهت الدولة الوليدة مشاكل جمة حيث لم يألف سكان الولايات العثمانية الثلاث ( الموصل ، بغداد، البصرة) كيانا سياسيا متماسكا من قبل ، وكانت الولايات الثلاث تتميز بخصائص اثنية وطائفية خاصة تختلف كل منها عن الأخرى. وكان الإسلام هو الرابط الرئيس بين هذه الولايات الثلاث ولكن الدين وحده لم يكن كافيا في ذلك الوقت لتوحيدها . وتتجلى هذه الخصائص المتميزة بين العراق العربي وبين كردستان الجنوبية بشكل صارخ ، فأصل الكورد ولغتهم وتأريخهم وثقافتهم ، لا علاقة لها بالساميين العرب و تنتمي لغتهم الى عائلة اللغات الهندو – أوروبية ، وتشكل نمط حياتهم وثقافتهم على مدى التأريخ في ظروف مختلفة . و يقول بعض المستشرقين ، أن ثمة تشابه بين الكرد والأرمن فى التقاليد و فى الموروث الشعبى عموما  أكثر بكثير من التشابه بين الكورد والعرب..
ويجد المتتبع لتأريخ تلك الفترة الحاسمة في تأريخ العراق، أن الكورد عارضوا الحاق كوردستان الجنوبية بالدولة العربية الجديدة ودعا زعماؤهم الى إنشاء دولة كوردية مستقلة .
 
يتبين مما تقدم ان الدول والكيانات المصطنعة  من قبل الحلفاء ، لم تكن  قادرة على الأستمرار فى الحياة والمحافظة على حدودها الحالية الا بوجود نظم دكتاتورية قمعت الشعوب الخاضعة لها بالحديد و النار  .
بعد مائة عام  تقريبا على ابرام تفاقية سايكس – بيكو ، الشرق الأوسط يغلى من جديد ، ولن يشهد الأستقرار المنشود ، الا بعد تحرر شعوبها وحصولها على حقوقها المغتصبة . فالشعوب غير العربية ، ليست أقليات فى الشرق الأوسط ، بل شعوب عريقة تعيش فوق أراضى الآباء و الأجداد و من يعيش على أرضه ، لن يكون أقلية ، حتى اذا ضم بالقوة الى شعوب أكثر عددا .
الواقع الجديد يفتح الأبواب على مصاريعها ، لتهب منها رياح التغيير ،التى لن يستطيع أحد بعد اليوم ، الوقوف أمام تيارها الجارف . وقد حان الوقت لأعادة النظر في خريطة الشرق الأوسط  حسب مصلحة شعوبها وليس الأستعمار الذي لم يعد له وجود .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2026 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع