لواء الشرطة الحقوقي
محي الدين محمد يونس
عند تسلم سمير محمد عبد الوهاب الشيخلي مهام إدارة وزارة الداخلية العراقية في عام 1987 , أشرف بشكل مباشر ومركزي على أعمال هذه الوزارة وفي مختلف فواصل العمل فيها..
وكانت لسياسته الإدارية هذه نتائج إيجابية في بعض جوانب عمل دوائر قوى الأمن الداخلي جراء السياسة المتشددة وأسلوب التهديد والوعيد التي اتبعها لتخويف العاملين من المحاسبة القانونية والإدارية والتزامهم بتنفيذ كافة الأوامر والتعليمات التي كانت تصدر من قبل الوزير في مجالات كثيرة منها متابعة الهاربين والمتخلفين وإلقاء القبض على المتسولين, مراقبة مدارس البنات لمنع وقوف الشباب المتحرشين , منع ارتياد الأحداث محلات المشروبات الروحية , منع ممارسة الرجال العمل في صالونات حلاقة النساء , منع لعب القمار , مراقبة الشباب الطائش.
وكان من طبيعة الوزير إجراء اللقاءات الدورية مع كبار ضباط الوزارة للتداول في شؤون العمل وكيفية تنفيذ التعليمات والأوامر.
وفي بداية عام 1989 دعيت لحضور اجتماع في مقر وزارة الداخلية في بغداد , وكنت برتبة عقيد وبمنصب نائب مدير شرطة محافظة أربيل , وكان جميع المدعويين لحضور هذا الاجتماع هم نواب مدراء شرطة المحافظات في العراق .
في بداية الاجتماع بدأ الوزير في التأكيد على وجوب الالتزام بتنفيذ أوامره حرفياً ومهدداً بفرض أقسى العقوبات على المخالفين والمتقاعسين في هذا المجال , وقد لاحظت تأكيده على فقرة منع القمار مهدداً بالويل والثبور للضابط الذي يضبط في منطقته أي دار أو محل يمارس فيه القمار ومهما كان نوعه وأن هذه المحاسبة سوف تكون شديدة.
بعد انتهاء الوزير من إلقاء كلمته في الاجتماع , طلب من الحاضرين إبداء ملاحظاتهم في كيفية تنفيذ هذه التعليمات والمعوقات والنتائج التي توصلوا إليها... رفعت يدي طالباً من الوزير السماح لي بالتحدث .
أجابني الوزير : تفضل
قلت : لاحظت تأكيد سيادتكم على منع ممارسة القمار وغلق وكبس الأوكار التي تمارس فيها... إلا أننا نلاحظ بأن الدولة تشجع ممارسة القمار وتدير وتؤمن أماكن ممارسته ...
وعند انتهائي من طرح تسائلي .... ؟
أخذ يحدق في وجهي غاضباً وهو يتسائل أنت شدت خربط ... شنو الدولة تشجع القمار وتدير وتؤمن أماكن ممارسته شتقصد من كلامك .
في هذه الأثناء لاحظت الضباط الحاضرين في الاجتماع وقد تفاجئوا من استفساري ومندهشين من جرأتي في طرح هكذا تسائل ومترقبين نتائج غضب الوزير.
أجبت الوزير : أرجو أن تهدأ أعصابك وأن ما أقصده هو ممارسة القمار وبمختلف أنواعه يومياً في الفنادق الحكومية من الدرجة الأولى ( شيراتون , ميريديان , ميليا منصور , بابل وبعض الفنادق الحكومية الأخرى في بعض المحافظات وتخصص أماكن خاصة في هذه الفنادق لهذا الغرض وتواجد عدد كبير من ممارسي لعب القمار إلى ساعة متأخرة من الليل)
الوزير : أنت منين
أجبته : أنا من محافظة أربيل
عندها لاحظت انفتاح أسارير الوزير ويجيبني مبتسماً وهو يقول:
أبويا تعرف ليش الحكومة سامحة بممارسة لعب القمار في الأماكن التي ذكرتها حتى تسترجع أموال الدولة التي تصرفها على مستشاري أفواج الدفاع الوطني * وهذي أحسن وسيلة لأن أغلبهم يتردد على الأماكن المذكورة لغرض ممارسة القمار والنتائج معروفة وهي خسارتهم وخروجهم من هذه الاماكن بجيوب وحقائب خالية.
حبذا لو قامت حكومتنا الحالية أيضاً بإتباع نفس الأسلوب وشجعت على فتح أماكن ممارسة القمار , فربما يتم استرجاع بعض ما سرقه أغلب مسؤولوا الدولة منذ ما يربو على عشرة أعوام ( ولو أني متأكد هذوله النغولة ما يفوتون هيجي فوته ).
* في خضم استمرار واشتداد أوار الحرب بين العراق وإيران وانشغال الحكومة العراقية بها وعدم تمكنها من السيطرة على الوضع الأمني في المناطق الشمالية ( إقليم كردستان حالياً) اضطرت إلى القيام بتشكيل أفواج من أبناء العشائر الكردية لغرض السيطرة ومساعدة القوات الأمنية في المنطقة, وكان رؤوساء العشائر والمسؤولين عن قيادة هذه الأفواج يسمون بالمستشارين.
لقد استمرت الحكومة العراقية في تشكيل هذه الأفواج حيث وصل عددها في الفترة قبل نهاية الحرب العراقية الايرانية في الثامن من آب 1988 ما يربو على (250 ) مائتان وخمسون فوجاً.
وكان عدد المقاتلين في هذه الأفواج غير محدد وتكون حسب حجم العشيرة وإمكانية المستشار في جمع أكبر عدد من الموالين له وتسجيلهم في ملاك فوجه على ضوء علاقاته بالمسؤولين المؤثرين في هذا المجال , او ما يدفعه لهم من أموال أو عطايا .
كما أن الفائدة التي تؤول للمستشار لا تكون بالأساس من الراتب المخصص له والذي يتقاضاه , وإنما من المقاتلين الفضائين أو ما يطلق عليهم بالمصطلح الكردي ( بن ديوار ) والذين هم من المسجلين في الفوج ولكنهم لا يحضرون إلى الدوام , وتبقى رواتبهم للمستشار نفسه وعددهم في أغلب الأحيان يتجاوز 70% من العدد الكلي لملاك الفوج بسبب كونهم من مختلف شرائح المجتمع ( مهندسين, اطباء, محامين , مدرسين , مقاولين , تجار , اصحاب المصالح من ممارسي المهن الحرة) والذين كانوا يلجئون للانخراط في هذه الافواج تهربا من الخدمة العسكرية في ذلك الوقت لاسيما والحرب كانت مشتعلة بين العراق وإيران.
الگاردينيا: نرحب باللواء الحقوقي/ محي الدين محمد يونس في حدائقنا.. ننظر جديدكم.. زارتنا البركة...
3189 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع