من طرائف البيروقراطية

                                             


كلنا نحتقر البيروقراطية ونعتبرها من عوامل التأخر وعرقلة أعمال الناس. الكلمة مشتقة من اللغة الفرنسية bureaucracie ولا عجب، فطالما تذمر الأوروبيون الآخرون من روتينيات routine وبيروقراطيات الإدارة الفرنسية. والظاهر أننا ورثناها منها.

تسلم أحد الموظفين تقريرا من مجلس الوزراء. قرأه ثم شرح عليه: «اطلعت. يحفظ» وذيل الكلمة بتوقيعه. وبعث بالتقرير للأوراق للحفظ. عاد في اليوم التالي فوجد التقرير مرة ثانية على مكتبه مع ملاحظة: «هذا التقرير سري وليس من حقك الاطلاع عليه. يرجى حذف توقيعك». فتناول القلم وشطب على توقيعه وأعاد الملف للأوراق. مرة ثالثة وجد نفس التقرير على طاولته مع ملاحظة تقول: «لقد أجريت تغييرا في وثيقة التقرير. يرجى التذييل بتوقيعك على الشطب الذي أجريته».

وكما قلت، انتقلت روح البيروقراطية إلى عالمنا، العالم الثالث. ينظر الغربيون باحتقار للموظف المدني ويعتبرونه رجلا فاشلا في الحياة. ولكن الأمر عندنا يختلف. ننظر بإجلال للموظف المدني، ويطمح سائر المتعلمين للحصول على وظيفة ويبذلون شتى الوسائل لنيلها. هذا ما حصل في أحد بلداننا العربية. نجح شاب في الحصول على وظيفة فيها، وكان ذلك في بلد يحرم الكحوليات، فأراد مدير المكتب أن يتأكد من طالب الوظيفة قبل الأمر بتعيينه، فسأله: هل تشرب المشروبات الكحولية؟ فأجابه: «كلا يا سيدي. لقد جربت الويسكي قبل سنوات وكرهته. ولكن إذا تعتبرون شرب الويسكي من متطلبات الوظيفة فلا مانع لديّ من أن أجرب شربه ثانية».

يروي صديقي الدبلوماسي العراقي السابق عبد المنعم الخطيب أن السفير العراقي في أنقرة التقى ذات يوم من أيام العهود البائدة، وما أكثرها في العراق، مع وزير الخارجية التركي، وجرت بينهما محادثات عن جدوى التعاون بين البلدين ومجالات ذلك. ودون سكرتير السفير ملاحظاته عن الكلام المتبادل. ولدى عودته كتب التقرير اللازم لإرساله إلى ديوان الوزارة في بغداد. قدمه بالطبع للسفير للاطلاع عليه. قرأه بإمعان ثم لاحظ أن طروحات الوزير التركي تبدو أكثر علمية ودقة وإقناعا من طروحاته هو. التفت إلى سكرتيره وقال: «شكرا يا وليدي على هذا التقرير القيم. ولكن أعد كتابته واقلبه».

«إش تقصد سيادة السفير؟».

«أقصد يعني هذا الكلام الذي أعطيته للوزير أعطِه لي، وأعطِ كلامي للوزير».

بيد أن دبلوماسيا عراقيا آخر وقع في مقلب مختلف عندما نشلوا محفظته في بازار طهران، فكتب رسالة شديدة اللهجة إلى الخارجية الإيرانية يشكو مما تعرض له. بعد أيام تسلم رسالة اعتذار حار وتعرب عن استيائها من هذا العمل الشاذ، وتعد بالتحقيق في الأمر والقبض على الجاني ومعاقبته. ولكن الموظف نسي وربط سهوا رسالة الاعتذار هذه مع رسالة الشكوى الأصلية وفي أسفلها هذا الشرح بقلم مدير الخارجية باللغة الفارسية: «أرسلوا لهذا العربي نسخة من الجواب المعتاد على شكاوى النشل».

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

869 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع