قطار الموت عام 1963

                                        

                    بقلم:الصقر

نشرت الگاردينيا حديث مع الاعلامي امير الحلو تحت عنوان فنجان قهوة مع الكاتب الصحفي الكبير الاستاذ امير الحلو ،.

اجرته  الاعلامية الاخت ايمان البستاني تطرق فيه  خلال سير الحديث عن حادثة ما سمي ( بقطار الموت ) . ووردت في اللقاء  البعض من المعلومات التي اختلف بها معه ، ولم أشأ التعليق عليها  حينها  كي لا اخرج اللقاء عن ذكريات يحتاج لها الشباب لمعرفة تاريخهم الحديث والخلاف بين القوميين بشتى تسمياتهم (بعثيين قوميين عرب  ناصريين ..الخ). مما يستفيد منه من يحاول النيل من زمن كانت الوحدة العربية  قريبة جدا  وان تحقيها مسألة وقت ليس الا ، وان لم تكن اندماجية كاملة كما كان يريدها من يؤمن بان قوة امتنا ووطننا هي بتحقيقها.
ومما جاء في حديثه ( تم نقل اعداد كبيرة من المعتقلين الى سجن نقرة السلمان وقد توفي المئات منهم اثناء نقلهم ) . وهذا تجني على الحقيقة فقد بالغ السيد امير الحلو  وبشكل غير معقول بعدد المتوفين ، ولم اتبين القصد من ذلك ، حاولت ان اجد تبريرا لذلك وخاصة ما جاء على  لسانه وهو  يدعي انه قومي عربي ان ما قصده هو عدد المعتقلين وليس الذين توفوا في القطار ، وكنت مخطأ في ذلك فمن يصف حسن السريع بالبطل الان وليس قبل هذا الزمن يقينا لم يكن هذا هو رأيه سابقا بحسن السريع.
قبل مدة التقيت مع احد الاصدقاء القدماء الشيوعيين فارقتنا الايام جسديا دون ان تفقدنا الود الذي يجمعنا ..وبشكل اعتيادي يكون محور حديثنا حول ما يجري في وطننا  العراق وامتنا العربية من احداث مؤسفة وجرائم ترتكب بحقها ، وكان من الطبيعي القاء اللوم على هذه الجهة او الاخرى وحسب قناعة كل واحد منا.
خلال تبادل الحديث  والنقاش جرى الحديث عن  حركة الحزب الشيوعي ( البيرية المسلحة ) في 3/تموز /1963  وما رافقها  من احداث وتداعيات واهمها ما سمي بقطار الموت . ناقشته بما قرأته من مذكرات  لجهات مختلفة  وما سمعته من اشخاص كانوا خلال الحادثة في موقع المسؤلية وخصوصا حول عدد الاشخاص الذين ( توفوا ) خلال نقلهم بالقطار من بغداد  الى السماوة ثم  سجن نقرة السلمان واسباب نقلهم وتسمية الحركة بهذا الاسم وتبعات الحركة.  وكان المدخل الى  النقاش هو نشر جريدة المشرق وفي صفحة ذاكرة عراقية تقديم لكتاب ( من اعماق السجون ..نقرة السلمان ..قيود تحطمت) من تأليف السيد عبد القادر احمد العيداني ، يذكر فيها ترحيله من سجن البصرة الى سجن نقرة السلمان على اثر انتفاضة  ( البطل ) حسن سريع وسماها ( قافلة الموت )  على شاكلة قطار الموت  ثم جرى الحديث  عن ما سمي ( قطار الموت ).
استند في  اسناد رأيه  ومصادره على اللقاء المذكور مع  امير الحلو حول الحادثة ( عدد المتوفين في ما يسمى قطار الموت) و(من لسانكم ايها  القوميين) والذي نشر في الگاردينيا  .. وجاء به رد امير الحلو على سؤال الگاردينا حول اعتقاله ومن معه من القوميين المتهمين بمحاولة قلب نظام الحكم  وكان نص السؤال ما يلي : ( وهل جرى عرضكم على المحكمة؟ )
لم يجري عرضنا على المحكمة ولكنا احلنا عليها بمادة تقضي بايقاع حكم الاعدام بمن تثبت ادانته بالمشاركة في ( المؤامرة )  ولعل السبب في ذلك يعود الى عوامل خارجية وداخلية منها الضغوط من جانب الزعيم جمال عبد الناصر وعبد الله السلال  والقوى الوطنية والقومية  للتخفيف من الاجراءات المتخذة بحقنا ، والداخلية هي قيام ( البطل الشيوعي حسن السريع  ) بمحاولته الانقلابية الجريئة في معسكر الرشيد في 4 /7 /1963 ( الصحيح 3/7 ) والتي اربكت البعثيين وجعلهم ( يلتهون ) باعدام وتعذيب الشيوعيين فقد جرى اعدام المرحومين نافع يونس  والدكتور محمد الجلبي  بوجودنا في قصر النهاية ، ثم جرى نقلنا الى سجن رقم ( 1 ) بعد نقل اعداد كبيرة من الشيوعيين بقطار الموت الى سجن نقرة السلمان  حيث  (مات المئات في القطار) .
وهنا استشهد الصديق برأي القوميين بوصف حسن سريع بالبطل  والجريء وعدد التوفين  ( مئات ) في القطار الناقل للمعتقلين .
حاولت ان ابرر الموضوع بانه يقصد عدد المعتقلين وليس المتوفين !  ولم يوافق على هذا التبرير ( فلو كان كذلك لعلق على اللقاء وصحح المعلومة ) اذا فهو متأكد من الرقم ! .
ولاجل بيان ما حصل ساذكر ما تضمنته مذكرات لعدد من ا لقياديين في حزب البعث ومعارضين لهم  والبيان الرسمي الوارد في  سلسلة   تاريخ الوزارات العراقية  ولن اتطرق الى ما سمعته من قياديين في الحزب حينها في احاديث شخصية جرت معهم . اورأيي الخاص لكون الجريمة واحدة اذا كان المجنى عليه واحد او اكثر فالجريمة هي جريمة يتحملها صاحب القرار .
وانقل للقاريء الكريم ما جاء في المذكرات المشار اليها بتصرف بسيط لاختصار المقال دون المساس بالمحتوى او الفكرة .
اولا _ كتاب عراق 8 شباط 1963 من حوار المفاهيم الى حوار الدم مراجعة في ذاكرة طالب
شبيب (عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ووزير الخارجية ) حينها   ومحسوب على جناح العسكريين (عبد السلام عارف ) المعارض لتصرفات لحرس القومي وقيادة الحزب المدنية  . للدكتور علي كريم سعيد.
جاء في الصفحات 302 الى 304  وعلى لسانه مايلي :
قطار الموت !!
ان ماسمي بقطار الموت لا اتذكر كل شئ حوله , وما اتذكره الان هو اننا فكرنا بأن مجرد وجود مثل ذلك العدد الكبير من االضباط الشيوعيين , معتقلين في معسكر الرشيد قرب الدبابات والطائرات ومركز السلطة ، سيضل مصدر قلق وخطر كبيرين ، وسيسعى جنود مغامرون لتحريرهم والاستفادة منهم . وان اهم عامل في فشل حركة حسن السريع كان في عدم تمكنها من اطلاق سراح اولائك الضباط . وايضا لعدم وجود ضباط في قيادة الحركة . وباستخدام هذا التحليل تمكن عبد السلام وغيره من ( الصقور ) من ادخال فكرة ( ضرورة القضاء عليهم ) في ذهن احمد حسن البكر وذلك من اجل قطع الامل امام اي مغامر قد يحاول مستقبلا  اخراجهم من السجن واستخدامهم في عمل عسكري ضد السلطة .
وعلى هذا الاساس نقل السجناء الى سجن نقرة السلمان في الصحراء المحاذية لمدينة السماوة ، فيما سمي بقطار الموت . ولا ادري اذا كان قد مات بعض السجناء خلال رحلتهم بالقطار الى النقرة من العطش او الحرارة الشديدة ، ولم اسمع اي شي حينذاك اطلاقا  .
وما اعرفه ان احمد حسن البكر استدعى عبد الغني الراوي ( عضو مجلس الثورة قومي ) وطلب منه ان يذهب الى نقرة السلمان وهناك يجري تنفيذ اعدام بعض الضباط بعيدا عن بغداد . وهذا الامر لقي مقاومة حازمة وشديدة من قبل قيادة الحزب المدنية . ولقي موقفنا دعما من بعض العسكريين واذكر منهم على وجه التحديد سكرتير مجلس قيادة الثورة انور عبد القادر الحديثي .
سعينا نحن المدنيون ومعنا انور الحديثي الى ايقاف دعوة الموت المندفعة الصادرة عن فورة من الانفعال الشديد وقد ساعدتنا عصبية عبد الغني الراوي الذي رفض التنفيذ لان عدد المطلوب قتلهم قليل جدا بالنسبة له ! وطالب باعدام المئات في حين ابلغ بتنفيذ الاعدام بحق 30 فقط فتدخلنا وبعد جدال طويل اقنعنا احمد حسن البكر ان لاينفذ حكم الاعدام سوى بثلاثين اسما يحددون بالاسم ويتم التنفيذ بنقرة السلمان .
وبعد اقتناع البكر اعتبرنا تلك خطوة اولى طيبة نحو اقناعه عن التخلي نهائيا عن فكرة الانتقام واعدام ضباط كانوا سجناء عندما حصل التمرد . قررنا قضاء الليلة مع البكر في مقر المجلس انا وحازم وانور لاقناعه بالغاء احكام الاعدام .
ولم يقتنع البكر بكلام انور وكلامنا الا في الساعة 4 صباحا وبذلك توقف اسوء مشروع للموت  في تلك الحقبة القاسية من تاريخ العراق المعاصر .
وفي هامش الدكتور علي كريم  وفي الصفحتين 302 و303 اورد  تفصيل للحادثة وكما يلي :
لم يكونوا شيوعيين عسكريين فقط ،وانما كان بينهم مدنييون وقاسميون ايضأ.وتختلف الروايات حول عدد الضباط الذين كانوا في سجن رقم واحد فيقول الفكيكي انهم 450   ، وباقر ابراهيم 600 ،في حين يقول كاظم السماوي انهم 1200 سجين واغلب هؤلاء حملهم القطار بعربات (فار كونات) مطليه جدرانها وارضيتــــــها بالزفت (القار)،وغير مبطنه بواقيات عازله وغير موصله للحرارة.انطلق بهم في الساعه الحاديه عشر صباح 7 تموز1963 ،مع ارتفاع شمس تموز العراقيه الحارقه.فكان يمكن للركاب حسب التقديرات العلميه والطبيه ان يستسلموا للموت بعد ساعتين من انطلاق القطار ،بسبب تمركز الحراره في الجدران والارضيه القيريه، فتتحول كل عربه الى تنور متنقل او فرن مغلق على لحوم بشريه ، وكانت تلك العربات  مخخصه لنقل البضائع ،فوضع السجناء داخلها مكبلين ،بعضهم "بكلبجات" واخرين بسلاسل حديديه ، ربطوا بها الى بعضهم باشكال مختلفه وبصورة ليست منظمه ولامعتاده تدل على الاستعجال والفوضى ..وتوزع الحراس على الممرات بملابس مدنيه وارتدى بعضهم ملابس بطريقه ابناء الفرات الاوسط ليظهروا بمظهر عمال او فلاحين امعانا في التمويه.وكانت مهمتهم منع اية محاوله لكسر الابواب والهرب .ان صمود السجناء احياء فتره اطول سببه وجود عدد من الاطباء الضباط معهم اعطوهم النصائح باهميه (مص)اصابعهم واجزاء الجسد الاخرى لاستعاده بعض الاملاح التي يفقدها الجسم وهي ضروريه لاستمرار صمود الجسم البشري وغيرها من النصائح المفيده ،وكان السجناء قد فقدوا قدرتهم على تحمل الحراره بعد ساعه من تحرك القطار وبداوا يعانون من الغثيان وهبوط ضغط الدم بسبب نقص الاوكسجين داخل العلب التي حاول السجانون احكام اغلاقها، فتقيأ اكثرهم  . وبتدخل الحظ  ولكن هذا المرة لصالحهم ويتوقف القطار بعد تجاوز الدورة وهور رجب في محطة المحاويل واثناء توقفي (يبدو ان واضع الهامش يقصد  سائق القطار )  صعد رجل في الثلاثين من عمره وقال لي : خالي تعرف ان حمولتك ليست حديد بل بشر هم افضل ابناء شعبنا ويقال ان شخص اخر اتصل بالسائق عبد عباس المفرجي في المحاويل قائلا : ان حمولتك ليست بضاعة خاصة وانما سجناء سياسيين انهم ضباط عبد الكريم قاسم. فكلف المفرجي ( السكن ) مساعد السائق ان يذهب للتاكد فعاد مصفرا وهو يصيح ( الحك الحجي طلع صدك ) ولم يكن السائق يتوقع انه يقود تابوتا بهيئه قطار مصفح لهذا السبب استبدت به الشهامة العراقية المتوقعة فانطلق قبل الموعد باقصى سرعة ممكنة فوصل بالقطار قبل موعده بساعتين وقبل ان تتهيأ السلطات المحليه لاستقباله وعندما فتحت ابوابه في السماوه تكشفت العربات عن حشرجات صادره عن هياكل بشرية زاحفه للخارج في حان غاب اخرون عن الوعي ومات شخصاً واحد على الاقل وللمره الثانيه يلعب الاطباء الثلاثة السجناء دوراً مهماً في أنقاذ حياة السجناء أذ قفزوا للامام وامرو المستقبلين الذين احضروا معهم مياه مثلجه وحليب ومشروبات غازيه فمنعوا السجناء من الشرب وامرو الناس بجلب ماء دافئ وملح ورشوا بها السجناء وسقوهم . وعندما حاول رجال الشرطه والحراس الاعتراض تحدث معهم بعض الضباظ السجناء فأخجلوهم فأبتعدوا واحترموا ذاك المشهد الانساني النادر ولم يتوفى من السجناء سوى شخصاً واحد كان في الاساس يعاني من مرض الربو هو الرئيسي الاول (الرائد) يحيى نادر اخو اللواء محمد نادر مدير الشؤون الطيبه في وزارة الدفاع ( تعليق كاتب المقال : كان قاسميا وليس شيوعيا وهو تركماني وسكن الاعظمية ، هزيل البنية لا زال البعض يذكره  بخير لاخلاقه الحميدة )  .وكان من بين سجناء القطار غضبان السعد ووالعقيد ابراهيم حسن الجبوري و العقيد سلمان عبد المجيد الحصان والعقيد حسن عبود والمقدم عدنان الخيال ورئيس اول لطفي طاهر وحمدي ايوب والدكتور رافد صبحي والطيار ابراهيم موسى والمهندس الكهربائي الضابط عبد القادر الشيخ ورئيس اول صلاح الدين رؤوف قزاز والضابط يحيى نادر وجميل منير العاني  واخرين ..وكان من بين سجناء القطار ضابط صيدلي هو ابن السيد طالب ... وهو شخص مرموق في السماوة فاستاجر شاحنة لوري حملها بالمواد الغذائية وسارت مع سيارات نقل السجناء الى سجن نقرة السلمان .وقد سمى حمدي ايوب نجدة اهالي السماوة  بانتفاضة السماوة الصامتة .
ثانيا _مذكرات حازم جواد  ( عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وزير الداخلية  ) ( مذكرات حازم جواد الرجل الذي قاد البعث العراقي الى السلطة في عام 1963 ) وهو من جناح  طالب شبيب وجاء في الصفحة 117 من المذكرات ما يلي :
ماذا حدث عندما ذهبتم الى وزارة الدفاع؟
بعد الصدمة التي تلقيناها ذهبنا الى منزلي او منزل طالب شبيب، ثم توجهنا الى وزارة الدفاع وكانت شوارع بغداد مكتظة بالحراس القوميين والتظاهرات. دخلت الى غرفة الوزير صالح عماش في وزارة الدفاع وكان عنده عبد السلام عارف واحمد حسن البكر، واستقبلنا عبد السلام عارف بمزيج من الجد والهزر قائلآ: لماذا لم يقتلوكم ويخلصونا منكم؟ فضحكنا. ثم اكمل: هذه نتيجة سياسة التساهل ودفاعكم عن الشيوعيين ليلا  نهارا . لو أن التصفيات استمرت لما حدثت هذه الحركة. كان البكر يومئ برأسه موافقا  على عبد السلام وكذلك صالح عماش الذي كان واقفاً خلف مكتبه يرد على التلفونات مزهوا  كالطاووس, أذ اعتبر انه تمكن أخيرا  من القيام بعمل ما يعوض تقصيره في حركة 14 رمضان.
حتى تلك الساعة لم ار أياً من أعضاء القيادة المدنيين فكلفت مرافقا  لعماش بالاتصال بهم, وأبلغت عبد السلام بضرورة عقد جلسة طارئة للمجلس الوطني لقيادة الثورة لمناقشة أسباب الحركة وما أعقبها. بدأ أعضاء المجلس بالوصول الى غرفة وزير الدفاع وعقد اجتماع طارئ وكانت الساعة بين التاسعة والعاشرة صباحا ً.
ثالثا - مذكرات هاني الفكيكي   ( عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ) (اوكار الهزيمة )  وهو من جناح علي صالح السعدي المختلفين مع حازم جواد وطالب شبيب يقول في   الصفحتين  279 _ 280 من مذكراته ما يلي :
اما المفاجأة الثانية فكانت أصرار العسكريين, وفي مقدمتهم عارف والبكر, على اعدام ال450 ضابطا قاسميا  وشيوعيا, بذريعة تواطئهم مع حسن سريع ورفاقه, ومشاركتهم في الحركة المسلحة ضد الثورة, فضلا  عن ان  أبقاءهم على قيد الحياة سيغري الآخرين بالتآمر. وقف جميع اعضاء القيادة المدنيون ضد هذا التوجه الخطير, وعرضنا ما توافر لدينا آنذاك من المعلومات عن تلك الحركة, وأكدنا عدم علاقة هؤلاء المعتقلين بما جرى, فضلاً عن الحاجة الى أجراء تحقبق حول الحادث للوقوف على حقيقة الامر. غير ان ذلك لم يكن كافياً لأطفاء لهيب  الثأرالمتأجج في نفوس شركائنا في السلطة. وفجأة اندفع الى داخل قاعة الاجتماع العميد الركن عبد الغني الراوي وقدم الى عارف وريقات ما أن أطلع عليها حتى هتف: ماذا تريدون أكثر من ذلك؟ وتصورنا للحظات ان امر  خطيراً وقع, وأن تمرد اخر حدث, وأن الانتفاضات الشيوعية المسلحة قد عمت وحدات الجيش ومعسكراته. وواصل عارف: هاهم الشيخ قاسم القيسي, والمفتي نجم الدين الواعظ, والسيد محسن الحكيم  قد أفتوا بجواز قتل الشيوعيين فماذا تنتظرون بعد؟.
لم نرى تلك الوريقات وما كتب فيها ، غير أننا رفضنا الامر ، وتساءل محسن الشيخ راضي عن مبرر وجود مجلس قيادة الثورة والحاجة لاستمراره اذا كان هؤلاء هم اصحاب القرار في البلد . تأزم الموقف وهدد عارف بترك الاجتماع .  ثم غادر القاعه لاداء فريضة الصلاة . وأنتهزنا غيابه للضغط على البكر ونجحنا في تشكيل لجنة تحقيق خاصة من محسن الشيخ راضي وحمدي عبد المجيد والبكر وأبو طالب الهاشمي و منذر الونداوي ،  لتباشر اعمالها فورا ، على أن نعود الى الاجتماع في التاسعة من مساء ذلك اليوم .
اتفقنا مع حمدي على ملازمة البكر والمبيت في القصر الجمهوري أن لزم الامر ، وتحركنا بسرعه لتهريب هؤلاء الضباط المعتقلين خوف أن يتكرر ماحدث سابقاً في قصر النهاية ، خصوصاً أن عبدالسلام طلب الى عبد الغني الراوي عند مغادرتنا القاعة التحضير لاعدام (150)  ضابطاً شيوعياً ، الامر الذي رفضه الراوي بسبب قلة العدد وتواضعه . وبعد التداول مع حازم وعلي تقرر تهريب الضباط المعتقلين الى سجن  السلمان في تلك الليله أن أمكن ، وتمت تهيئة ما توفر من عربات السكك الحديد . وبسبب الحر الشديد وقلة الماء وصعوبة التنفس في عربات الشحن توفي احد المعتقلين،وعانى الاخرون عذاباً شديداً ، ولو عرف هؤلاء المسافرون سر القطار الذي أسرى بهم ليلاً الى السلمان ، لبحثوا له عن اسم اخر غير الموت
رابعا _ مذكرات صبحي عبد الحميد ( مدير الحركات العسكرية حينها ووزير الخارجية والداخلية  بعد 18 تشرين  )  ( العراق في سنوات الستينات  )  وجاء في الصفحة 72 ما يلي :
مؤامرة ضباط الصف الشيوعيين :
قام بعض ضباط الصف والجنود في معسكر الرشيد صباح يوم 3 تموز 1963 بتحريض من الحزب الشيوعي بمؤامرة للاستيلاء على الحكم. وكانت خطتهم تقضي بالتوجه الى سجن رقم (1) في المعسكر نفسه لإطلاق سراح الضباط الشيوعيين الموقوفين وعددهم (400) ضابط ليقودوا ويشاركوا في الحركة ولقد سيطروا على مدرسة الهندسة الآلية الكهربائية والباب النظامي للمعسكر ، واخفقوآ في اقتحام السجن حيث قاومهم حرسه.
وذهب بعض أعضاء القيادة للمعسكر حال سماعهم بنبأ المؤامرة فاعتقل المتآمرون الوزراء طالب شبيب وحازم جواد والمقدم منذر الونداوي قائد الحرس القومي عند وصولهم الى المعسكر.واستطاع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السيطرة على المعسكر حال وصولهما أليه.وانتهت المؤامرة بسرعة. ولم تستمر الا ساعات قلائل . وكان قائد المؤامرة يحمل رتبة نائب عريف اسمه (سريع) وقد قتله نجاد الصافي خطأ أثناء التحقيق. وبعد أخفاق هذه المؤامرة قرر المجلس الوطني لقيادة الثورة نقل الضباط الشيوعيين كافه من سجن رقم (1) الى سجن نقرة السلمان. فوضعوا في قطار الحمل ونقلوا ليلا في جو شديد الحرارة، حتى قيل أن احد الضباط توفي في القطار في الطريق من شدة الحرارة. واشرف على نقلهم مدير السكك الحديدية العام وآمر الانضباط العسكري بأمر من الحاكم العسكري العام.
وفكرة النقل في قطار الحمل هي فكرة شيوعية حيث سبق لهم نقل ضباط الموصل بعد أخفاق
حركة الشواف في 8 أذار1959 من الموصل الى بغداد بقطار الحمل أيضا .
 خامسا _ تاريخ الوزارت العراقية  في العهد الجمهوري الجزء السادس ص 274
استغل العسكريون في المجلس الوطني لقيادة الثورة هذه الحركة لتصفيه شامله للعناصر الشيوعية العسكرية المعتقلة في سجن رقم واحد بحجة أنهم كانوا على صلة بالحركة  ، وأن بقائهم في هذه السجن خطرا مستديما ، فقد طالب عبد السلام عارف في اجتماع المجلس الوطني لقيادة الثورة ،الذي انعقد في مساء يوم 3 تموز باعدام كل الضباط والمدنيين المعتقلين في السجن رقم واحد ، بذريعة تواطئهم مع حسن سريع ورفاقه ، ومشاركتهم في الحركة المسلحة ضد الثورة ، فضلا عن ان بقائهم على قيد الحياة  سيغري الاخرين بالتآمر  ، وبذل اعضاء قيادة حزب البعث المدنيين جهدا كبيرا لتجنب المزيد من عمليات القتل ، ودخل المجتمعون في نقاش حاد،هدد عارف خلاله بترك الاجتماع ، وصب أمتعاضة وغصبه على سعدون حمادي و محسن الشيخ راضي عضو القيادة ،متسائلاً :- عما سيفعله الشيوعيون بهما لو قدر لهم النجاح ؟ ثم أجاب : السجن لأشهر معدودة في حين أن قتله  هو ورفاقه محقق .
وأنتهى النقاش الى حل وسط يقضي بأرسال الضباط المعتقلين بعيداً عن مركز السلطة في بغداد ، الى سجن نقرة السلمان الصحراوي ، وهو قرار كانت الحكومة قد اتخذته قبل قيام حركة معسكر الرشيد ، والتراجع عن فكرة أعدام الضباط في بغداد وبهذا العدد الكبير .
وهكذا نقل الى محطة القطار العالمية قبيل منتصف ليلة 4 تموز المعتقلون ، ثم أقتيدو نحو قطار حمولة لنقل البضائع ، عرباته شبيه بعلب حديديه صماء محكمة الاغلاق ، بلا نوافذ ، وبلا مقاعد ، فأطلق عليه أســـــــــم (قطـــــار المــــوت) الذي اوصل المعتقلين الى محطة السماوه ومنها الى نقلوا بحافلات الى سجن نقرة السلمان الصحراوي الذي يبعد عن السماوة حوالي 400 كم .
وكان من بين المعتقلين عدد من المدنيين من بينهم مكرم الطالباني  وعزيز الشيخ  وحمدي ايوب العاني وطبيب الاسنان فاضل الطائي وآخرون.
انتهت المذكرات .
هذا ما جرى في حركة حسن سريع وما رافقها من احداث ماسمي ب( قطار الموت  )كما جاء في مذكرات لاشخاص عايشوها من موقع المسؤولية ا تؤكد ان من توفي في القطار هو واحد فقط وليس المئات كما ورد في اجابة امير الحلو ،وهي تتطابق والى حد كبيرعلى ما  اطلعت عليه من اشخاص كانوا قريبين من الحادثة  في ذلك الوقت مع اختلافات في بعض الجزئيات التي لا تغير من حقيقة ما حصل حينها  .ومهما كان العدد واحد او اكثر فان سلامة المعتقلين واجبة  على من اعتقلهم . ولكن ظرف نقلهم الى سجن نقرة السلمان لانقاذهم من موت محقق ادى الى عدم مراعاة شروط السلامة وادى الى وفاة احد المعتقلين ومعاناة قاسية لبقية الموقوفين وظهرت حالات انسانية من قبل الحراس والشرطة والمواطنيين تحسب على طيبة شعبنا وحبهم للخير .
حادثة حصلت   قبل اكثر من خمسين عاما وما زالت تتداول وتنسج الاساطير حولها رغم ان التبرير كان لاجل انقاذ الموقوفين  من موت محقق  ، وحادثة اخرى حدثت قبل سنوات قلة في زمن العراق الديمقراطي وتحت ظل وزارة تسمى حقوق الانسان وباشراف ( دولة الديمقراطية الاولى ) في العالم الجديد ( الولايات المتحدة الامريكية ) قتل اكثر من عشرين معتقلا في عجلة  ( سجن ) تابعة لوزارة الداخلية نتيجة اختناقهم داخل الحاوية المحكمة الابواب  ، وكان التبرير ( عدم معرفتنا بخصائص هذه العجلة )  ولم اجد من يتحدث عنها  رغم بشاعتها ومر الامر  دون مسائلة او محاسبة المقصرين عن هذه الجريمة الشنيعة  وهم معروفين  ( هم المكلفين بالواجب ) كأن الشباب الذين راحوا ضحية جهل  او حقد تاريخي لشباب العراق وانتقاما منهم هم مجرد ارقام تضاف لعشرات الالوف من ضحايا الارهاب الخارجي والارهاب الحكومي .
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1096 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع