يوسف علي خان
ينجب العراق في كل يوم عبقري فذ يكبر بين احضان امه وينطلق في صباه داخل مجتمعه ومعه موهبته وذكائه ليبحث عن اجواء وضروف يمارس فيها موهبته ويطلق خلالها عبقريته من خلال مسيرة حياته فإذا به يجد نفسه في صحراء قفراء ينظر فيها فلا يجد سوى سراب فلا شيء يمكن أن يعينه لابراز تلك االمواهب ولا مجال لتفعيل قدراته ومهما حاول سوف يصطدم بعقبات ولا يجد حاضنة يلتجيء لها كي تعينه على انضاج موهبته وصقلها...
فالموهبة هي حجر خام بحاجة الى صقل وتهذيب كي تخرج بشكل جذاب مثيرة للاعجاب وتكون منتجة وذات فائدة للمجتمع الذي تتواجد فيه ... غير أن المواهب في
بلداننا على العكس تجد امامها المصدات وعشرات المعوقات فيصاب صاحبها بالاحباط.. لذا تأخذ هذه الموهبة بالضمورشيئا فشيئا حتى تتلاشى وتتلاشى معها الاحلام.. فينكفي صاحبها على نفسه ويغور داخل معمعة الحياة لينتهي في اخر المطاف ويموت وتموت معه كل تلك الاحلام إذ يكتشف بانه ليس بمقدوره أن يطبق قدراته ويبرز موهبته على ارض الواقع... فلايجد الحاضنة التي تحتضنه والتي تهيء له ضروف العمل والبدء بالبحث والتجربة.. فالموهبة تبدأ بفكرة وهبي بحاجة الى تفعيل كل في مجال تلك الموهبة فالفنان بحاجة الى معهد موسيقي يتدرب قيه ويمارس موهبته ويتعلمها
باتقان... فمن دون الممارسة لايبرز فنان ((فشميم صمة)) لم يبرز في عزف العود ويتقنه لولا التمارين التي تلقاها في المعهد فاظهرت موهبته في العزف المتقن وخالد الرحال وجواد سليم لم يبرزا لولا سني المعهد التي قضياها يدرسان ويتمررنان فطورا فيها موهبتهما... وكذا الحال بالنسبة لجميع الاعمال فلولا مراكز البحوث مابرز العديد من العلماء في الذرة والكهرباء... ونفس الشيء بالنسبة للمطربين على مختلف المستويات لم يشتهرو لولا اماكن عرض فنهم في الغناء إن كان ملهى او قاعة حفلات ..كما أن صاحب الموهبة على الاقل بحاجة الى مال كي يقدم يطبق فكرته ويجعلها
حقيقة بمجهوده الفردي على ارض الواقع معشدة صعوبة ذلك... في حالة انعدام مراكز البحوث فإن لم يتوفر لا هذا ولا ذاك بقيت موهبته داخل ذهنه حتى يموتوتندثر موهبته معه... كما ان الانسان بحاجة الى ما يديم حياته من المال وهي لاتتوفر إلا اذا وجد فرص عمل توفر له احتياجاته اليومية فان لم يجدها مهياة فينصرف للبحث عنها منشغلافي خضمها عن ممارسة مواهبه المكنونة فتبقى مؤجلة حتى تحين الفرص وقد لايجد مثل هذه الفرص طيلة حياته إذ يكون مشغولا في البحث عن فرصة عمل وإن تحققت فقد لا تكون متوافقة مع موهبته ولا علاقة لها بعمله وليس له الامكانية اوجتى الوقت
الكاف لممارسة او تنفيذ موهبته المكنونة فتذهب هباءا .. إلا اللهم قد يحضى بضر بة حظ كما حدث لصاحبي الفنان التشكيلي العبقري عامر محمد حسن المحاويلي واتته الفرصة عن غير قصد ومنة من السماء ودون أي توقعات ..وهي ما اريد ان اقصها اليوم للقاريء الكريم عن هذا العبقري الفذ الذي ادهش الانكليز وصعقهم وكان سبب حضوته وانفتاح ابواب المستقبل المشرق له... مع ان العراق حسره كالعادة كما خسر الالاف من المبدعين .. فقد التقيته في كلية الاحتياط وتخرجنا وعينا في مكان واحد هو برتبة نائب ضابط وانا برتبة ملازم وكان ذلك المكان هو حراسة محطة شركة نفط في احد
الامكنة على الحدود العراقية التي يديرها الانكليز في ذلك الوقت.. وكنا نجلس يوميا في قاعة الاستراحة الكبيرة لمهندسي الشركة لنتناول المرطبات والتحدث مع بعضنا وكان عامر يمسك بيده بشكل دائم دفتر صغير بحجم 10*15 سم وقلم فحمي صغير يرسم عليه بعض الرسومات الرائعة وكنت انظر اليه بكل اعجاب وانا لا اصدق ما ارى واحثه على رسم المزيد ..وفي احد الايام اخذ ينظر الى جدار القاعة وكان بطول عشرة امتار وكان نظيفا وصقيلا وخاليا من أي شوائب ..فالتفت لي وقال هل ارسم على هذا الجدار فاجبته دون أي تفكير افعل ما تشاء دون التنبه لردة فعل الادارة انذاك فنهض
وامسك بقلم فحمي غليظ كان بصحبته وبدأ بالرسم وكان يضع خطا هنا وخطا هناك متنقلا بين اليمين واليسار خلال عشرة امتار واستمر لمدة ساعتين او يزيد وإذا بي امام لوحة تشكيلية هائلة لمنظر ريفي فيه جدول ماء كانه يتحرك واشجار باسقات وبعض الدور منتشرة في بعض الزوايا ..فذهلت هل حقيقة ما اراه ولم يمضي على ذلك سوى نصف ساعة وإذا بمدير الشركة ومجموعة من المهندسين يدخلون كالعادة لتناول الغداء فوقع نظرهم فجأة على هذا المنظرالرائع فتسمر الجميع في اماكنهم ينظرون ونحن نرتجف خوفا وهلعا ولا نعلم ما ستكون النتيجة وبعد مدة خمس دقائق تقريبا جاء مدير
الشركة وسالنا من فعل ذلك فأجابه عامروهو مرتبك –انا – فقال له عن طريق المترجم المرافق بدهشة بادية على وجه الجميع هل صحيح انت فقدمت له الدفتر الذي امامنا مرسوم عليه بعض الرسومات ..فإذا بمدير الشركة الانكليزي يمديده الى عامر ويصافحه ويستمر بهزها ويطلق الكلمات والمترجم يترجم كلمات الاطراء التي لم يتوقف عنها – ومنها انت عبقري انك لامثيل لك لقد اذهلتنا جميعا فلم نشاهد رسما رائعا ولا رساما نظيرك طيلة حياتنا يرسم مثل هذه اللوحة على جدار طوله عشرة امتار في ساعتين فهذه معجزة لا يصدقها انسان ثم اردف وقال له سارسلك على حساب الشركة الى
اية دولة تريد الذهاب لها لتختص بالرسم وسنتكفل بجميع مصاريفك .. وبعد عدة ايام سرحنا وافترقنا ولم نشاهد بعضنا على الاطلاق وبعد اكثر من خمسة عشر سنة كنت ابحث في بعض الاوراق فوقع نظري على رقم تلفون عامر فقمت على الفور واتصلت به فاخبرتني والدته بانه في ايطاليا قدعين استاذا للرسم بعد حصوله على شهادة التخرج في المعهد الذي درس فيه ولا اعلم بعد ذلك عنه أي شيء وانقطعت الاخبار...وهكذا فقد العراق احد نوابغه ومبدعيه مع غيرهم من العلماء امثال نزارعالم البصريات مثلا الذي حل اصعب عقدة لشركة ناسا باختراع عدسة مكرسكوبية رفعت صفاء الرؤية من 70% الى
99% واجبر على تسجيل براءة الاختراع كما حدثني هو نفسه مشاركة مع استاذه في الجامعة تحت الضغط والتهديد فاضطر للموافقة والبقاء ..واليوم يخترع احد العراقيين جهاز محول السرعات للسيارة (( كير اتوماتيك )) بسيط جدا دون كل هذه التعقيدات وبامكانياته المتواضعة ويربطه بسيارته دون ان يخبر احد بهذا الاختراع خوفا على حياته من ان يحدث كما حدث للعديد من العلماء ..فمتى سيعود العراق الى حياته الطبيعية ويزول الخوف ويستطيع العديد من اصحاب المواهب يبرزون مواهبهم في مراكز الابحاث ويحضون بالتقدير المناسب .. ولربما سيبقى حلم جميل طالما الاحتلال مستمر و
التقسيم جار على قدم وساق ...!!!
1537 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع