د. علي محمد فخرو
من حق المواطن في دول مجلس التعاون ان يطرح السؤال التالي: ما الهدف الوطني أو القومي من وراء إقحام هذه الدول نفسها في كل صراع أو خلاف أو تنافس سياسي يظهر في أي بقعة من الوطن العربي، بل وأحياناً خارج هذا الوطن؟
في الماضي، وقبل قيام المجلس، أقحمت بعض دول الخليج العربية نفسها في صراع دولي بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي حين جيَشت وموًّلت آلاف الشباب من مواطنيها ليحاربوا ويستشهدوا في أفغانستان تحت راية وضعت كل تفاصيلها الاستخبارات الأمريكية، وذلك باسم حماية الإسلام. ولا حاجة لذكر النتائج الكارثية لذلك الإقحام، فهي مازالت ماثلة أمامنا في السًّفك الجنوني الذي تمارسه القاعدة لدم الأبرياء من العرب والمسلمين والبشر الآخرين في كل بقاع الدنيا، وفي الاستباحة الأمريكية المطلقة لكل أرض العرب والمسلمين بعد ان ساهم «الجهاديون» في أفغانستان في تدمير الاتحاد السوفيتي الذي كان عنصر توازن دولي في منطقتنا.
هل تستطيع سلطات الدول، التي أقحمت نفسها في ذلك العبث الدولي، ان تقول لنا ما الذي استفادته دولها على المستويين الوطني والقومي من المساهمة في تدمير الاتحاد السوفييتي؟
اليوم تمارس ذات الدول، وتجر معها بقية دول مجلس التعاون، إقحام النفس العبثي ذاته، والسًّماح لأن تكون بلدانها وأموالها الأداة ذاتها في يد اللاعبين الدوليين الكبار، وعلى الأخص في يد استخباراتهم.
هذا الإقحام، الذي يستغربه القاصي والداني والذي يأخذ أحياناً أشكالاً كارثية، متواجد في الصراعات الليبية، في الانتخابات التونسية، في الخلافات اللبنانية، في التجاذبات المصرية، في الصراع التدميري السريالي في سوريا والعراق، في الانقسامات والمؤمرات في اليمن، في السودان والاردن وباكستان والداخل الخليجي نفسه والعديد من دول العالم.
هذا الإقحام، الذي يتدرًّج ليصبح وباءً سياسياً، يشمل ساحات الاقتتال الدموية، ساحات التنافس السياسي الانتهازي، ساحات الإعلام البذيء، ساحات المساجد ومدارس الفقه وحفظ القرآن وساحات مؤسسات المجتمع المدني بكل أشكالها.
يسأل المواطن نفسه: كيف تستطيع دول متواضعة في أحجامها السكانية وقدراتها العسكرية والصناعية والاقتصادية والثقافية والعلمية ان تدخل نفسها في كل تلك الساحات وتتصرف وكأنها كتلة دولية كبرى؟ ذلك ان الكثير من التواجد غير المفسَر، بل والمحير، لدول المجلس، في ساحات كثيرة ليس لما يحدث فيها أي ارتباط مباشر بمصالح دول المجلس الحيوية. هذا التواجد، الذي لا يهدأ على حال، آن له ان يطرح للنقاش بموضوعية تامة حتى يعرف المواطنون إلى أين يسير هذا المجلس.
في الساحات الشعبية هناك لغط كثير حول هذا الموضوع. هناك النظرية التي تفسر كل ذلك بأنه يوجد قرار في بعض الأوساط الدولية، يُنفَذ بحذق وخبث، لعدم السماح لتراكم الثروة البترولية والغازية الهائلة في يد حكومات دول مجلس التعاون لئلاً يوجد في المستقبل وزن مؤثر عربي في الأسواق الاقتصادية والمالية العالمية.
من هنا الضغط الغربي الدائم على دول مجلس التعاون لتسدد فواتير الحروب والصراعات في هذا الإقليم ولتساهم بشكل كبير في إعادة إعمار ما تهدمه تلك الحروب والصراعات. ومن أجل ذلك تطورت الضغوط لإقحام دول المجلس في تجييش وتسليح التكفيريين من جهة وفي دفع الرشاوى وشراء الذمم لهذه الجهة السياسية أو الإعلامية أو الدينية أو تلك من جهة أخرى.
وتكتمل الصورة ويتضاعف الإغراء عندما تتناغم الرغبة الخارجية الخبيثة مع الأسباب الانتهازية الداخلية، وما أكثر صورها وبلاداتها ومهازلها، لتصبح دولنا الخليجية، بقصد أو بغير قصد، مصدر تنفيذ لإرادة الخارج بالوكالة، ومصدر تمزيق وخلط أوراق في الساحة السياسية القومية، بل مصدر وأداة لكل أنواع الجنون القبلي والإثني والمذهبي الطائفي.
هناك ثروة عامة تخص المواطنين الساكنين في هذه الأرض العربية تحرق وتبعثر دون رقابة أو محاسبة برلمانية وإعلامية ومجتمعية، ودون ان يعرف المواطنون لماذا وكيف وإلى أين وماهو الثمن.
انها مأساة غياب الديموقراطية الحقة، انها مأساة الضعف التاريخي للمجتمع ومؤسساته المدنية، انها التهميش المتعمد للمواطن، انها جريمة بحق الأجيال القادمة.
والنتيجة المفجعة هي نجاح الطمع والخبث الخارجي وبلادة وقلًة حيلة الداخل في ضياع فرصة تاريخية لاستعمال ثروة مؤقتة ناضبة، تدُر أكثر من تريليون دولار في السنة، لإدخال أمة العرب، كل أمة العرب، في عصر ذهبي جديد.
أين فواجع الميثيولوجيا الإغريقية من فاجعة العرب التي يعيشونها الآن!
٭ كاتب وطبيب بحريني
1368 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع