لقاء مع الأديب التّونسيّ الكبير ساسي حمام(قيثارة القصّة التّونسيّة)
أجرى اللقاء معه الأديبة الأردنيّة د.سناء الشعلان
إطلالة على المبدع ساسي حمام: هو قاص ومترجم تونسيّ،عمل في التّربية والتّعليم،صدرت له من المجموعات القصصيّة:"لاهثون معي" و"قطع غيار"،كما صدر له كتاب "أنطولوجيا الشّعر الإفريقي المكتوب بالفرنسيّة"،و"علي الدوعاجيّ:رائد القصّة التّونسيّة في صور"،إلى جانب الكثير من الأعمال المخطوطة الجاهزة للنّشر.وقد أُنتخب لأربع دورات عضو الهيئة المديرة لاتّحاد الكتّاب التّونسيين،كما أنّه رئيس فرع ولاية نابل لاتّحاد الكتّاب التّونسيين لسبع دورات،وهو عضو نادي القصّة"أبو القاسم الشّابيّ"،وقد نظّم العديد من المهرجانات الوطنيّة والعربيّة وعدّة ندوات عن الشّعر والقصّة،وقد حصل على جائزة الدّولة التّشجيعيّة في القصة القصيرة في العام 1982،ووسام الاستحقاق التّربويّ عام 1999،ووسام الاستحقاق الثّقافيّ عام 2006.
1-أنتَ من المبدعين التّونسيين المخضرمين والمهمّين.لكنّك على الرّغم من ذلك مقلّ في إنتاجك القصصيّ.فما سبب ذلك؟
في الأول كانت الدراسة ثم العمل وأنت تعرفين كم يحتاج التعليم من جهد وتركيز ومتابعة، ولم انتم لأي حزب أو مجموعة ولم أكن منتسبا أو تابعا، ومشاكل الطبع والنشر والتوزيع . وأنا صارم مع نفسي وإنتاجي صرامة لا حدود لها لا انشر إلا القصص التي أرضى عنها تماما .
2-ما رأيك بالمبدعين العرب الذين يجيدون العربيّة لكن يكتبون إبداعهم أو بعضه لغة غير اللّغة العربيّة؟
هذا موقفهم وأنا احترمه . إنهم يعتقدون أن الكتابة بلغة المستعمر تجلب لهم الشهرة والمال وهذا لا يكون إلا بعد أن يتنازلوا عن الكثير من قيمهم ومعتقداتهم لأنهم يكتبون ما يطلب منهم ويلبي أذواق من يكتب لهم نستثني طبعا الأدباء الذين لا يجيدون العربية ويريدون أن يعرفوا بقضايا أوطانهم ومجتمعاتهم.
3-أنت تجيد اللغة الفرنسيّة.فهل فكّرت بأن تكتب إبداعاً بالفرنسيّة؟ ولماذا؟
كتبت قصصاً قصيرة جداً باللغة الفرنسية لمجلة المعهد وعدلت على ذلك فقد شعرت بالغربة وكنت كمن يلبس جلدا غير جلده فعدلت على ذلك وأنا اكتب لمجموعة لغتها العربية التي تمتاز بجمالها ووقعها وقيمها .
4-هل تعتقد أنّ المبدع يكتسب المزيد من الإبداع عندما يكون ملمّاً بأكثر من لغة؟
أكيد لأنّ اللغة نافذة لمعرفة الآخر والاطلاع على إبداعه وتجاربه، لذلك يكون من يحذق لغة واحدة كمن يحلق بجناح واحد كما كان يقول أبو القاسم الشابي .
5-ما هي مساحة التّجديد عند ساسي حمام بين مجموعتي"لاهثون معي" وقطع غيار"؟
اعتبر نفسي ويعتبرني النقاد مجددا ومجربا في القصة القصيرة التونسية في الشكل والمضمون مجموعتي الأولى ( لاهثون معي ) نالت إعجاب الجميع والى الآن مازالت تدرس وتحصلت على جائزة الدولة التشجيعية في القصة وقد تناولت فيها قضية الغربة وصدمة الحلم بالواقع المعيش من زوايا متعددة حتى لكان المجموعة رواية كما لاحظ احد النقاد أما مجموعتي الثانية ( قطع الغيار) فقد احتفيت فيها بالعادي والاعتيادي الذي نصادفه ولا يلفت انتباهنا. وقد سببت لي الكثير من المشاكل .
6-ما هو همّ ساسي حمام الأكبر في إبداعه؟
همي الأول والأخير والأكبر في كل ما كتبت وترجمت هو الإنسان.
7-كيف تبدو عوالم الشّخوص في إبداع ساسيّ حمام؟
عوالم الشخوص في إبداعي بسيطة وعادية متعددة ومألوفة للقارئ.
8-ما رأيك بحركات التّجديد والتّجريب والحداثة وما بعد الحداثة في القصة القصيرة العربيّة؟
أنا شخصياً مع التجديد والتجريب في شتى المجالات الفنية وهذا دليل حياة وحركة ولا يهم إن قرانا أو شاهدنا أعمالا موغلة في التجديد أو التجريب فان الزمن كفيل بالغربلة.
9-بما تصف مشهد القصّة القصيرة العربيّة في الوقت الراهن؟
تشهد القصة القصيرة في الوطن العربي في الوقت الراهن انحسارا شديدا وكأنها في طريقها للاندثار رغم ذلك فان المشهد القصصي العربي متنوع تتعايش فيه أشكال عديدة ومواكب للأحداث السياسية والفكرية والنفسية التي يمر بها الوطن العربي اليوم .
10-بما تصف مشهد القصّة القصيرة العربية في تونس؟
المشهد القصصي العربي في تونس لا يختلف كثيرا عن المشهد القصصي العربي نفس الانحسار ونفس العزوف عن كتابة القصة القصيرة بأشكالها المعروفة ونشاهد نفس التنوع والثراء وتتعايش فيه كل الأجيال ومواكب للتطورات التي نعيشها اليوم.
11-ما الفرق في الإنتاج القصصيّ بين جيل الرّواد وجيل الشّباب في تونس؟
هناك فرق شاسع بين جيل الرواد وجيل الشباب كتابة وتناولا وتفكيرا وأهدافا فجيل الرواد لم يهتم بفنيات القص إذ تميز خطابه القصصي بنزعة أخلاقية إصلاحية وبتصوير البيئة التونسية ونقدها بهدف إصلاحها. أما جيل الشباب فخلص القصة من تلك النزعة الاجتماعية الإصلاحية ومن أسلوب الخطب المنبرية والوعظ والإرشاد والزخارف اللفظية والمقدمات الطويلة والنهايات السعيدة .
أما المضامين فتقريبا هي نفسها.
12-هل حقاً أنّ زمن القصّة القصيرة قد ولّى؟وأنّ الزّمن الآن هو زمن الرّواية؟
قيل أن الرواية أصبحت ديوان العرب وأننا في زمن الرواية وبشروا بموت الأجناس الأخرى واختفائها ومنها القصة القصيرة وهذا القول فيه الكثير من التجني والظلم فالقصة القصيرة باقية ما بقي الإنسان لأنها شكل من أشكال التعبير عن النفس. يمكن أن تتطور ولا يمكن أن تختفي أبدا .
13-لقد ترجمت بعض الأعمال الإبداعيّة من وإلى اللّغة الفرنسيّة.فهل يتسرّب ساسي حمام المبدع إلى هذه الأعمال؟ وما حدود هذا التّسرّب؟
لا يمكن أن يكون المترجم بريئا إطلاقا، يبدأ تسرب ساسي حمام المترجم عند اختيار النص الذي سيترجمه فلا بد أن يكون معبرا عما يختلج في نفسه وما يريد ان يمرره من خلال هذا النص من مواقف وأفكار وإذا اتفقنا على أن الترجمة هي إعادة كتابة فلا بد ان يتسرب شيء من أسلوبي مع الأمانة طبعا.
14-هل تعتقد أنّ المترجم لأيّ عمل إبداعيّ من لغة إلى أخرى يجب أن يكون مبدعاً في الجنس الأدبيّ الذي يترجم منه أو إليه؟ ولماذا؟
ليس بالضرورة أن يكون المترجم مبدعا في الجنس الأدبي الذي منه ولكن من الأحسن أن يكون مبدعا. الترجمة إبداع .
15-هل تعتقد أنّ المبدع النّاجح يحتاج إلى إعلام يقدّمه للجمهور؟
نعم المبدع يحتاج إلى إعلام قوي يقدمه للجمهور وللمؤسسات العالمية.
16-هل يمكن للإعلام أن يصنع مبدعاً مشهوراً حتى وإن كان إيداعه متواضعاً أو حتى ضعيفاً؟
يمكن ذلك ولكن لمدة زمنية تطول او تقصر.
17-برأيك الخاص هل ولّى زمن النّشر الورقيّ وجاء زمن النّشر الإلكتروني؟
إلى وقت قريب كنت من المؤمنين بالنشر الورقي ولكن الآن أمام هذا التطور السريع المذهل المهول في هذا المجال اقتنعت ان زمن النشر الورقي قد اشرف على نهايته. اننا مقبلون على حضارة جديدة ستخفي وستقضي على الكثير من مقومات ومرتكزات هذه الحضارة التي نعيشها .
18-هل تعتقد أنّ المبدع يجب أن يكون على علاقة بالتّواصل الإلكترونيّ كي يحافظ على وجوده في السّاحة الإبداعيّة المحليّة والعربيّة؟
أكيد رغم مافيه من سلبيات وطفيليات كثيرة .
19-ما رأيك بالقصّة القصيرة جدّاً؟ وهل يمكن أن تحلّ مكان القصّة القصيرة بشكلها الكلاسيكيّ؟
القصة القصيرة جدا شكل من أشكال التعبير لن يحل محل القصة القصيرة بشكلها الكلاسيكي او الحديث .
20-لماذا يحبس ساسي حمام الكثير من أعماله المخطوطة دون نشرها حتى الآن؟
ببساطة لأني كاتب وليس لي الوقت والإمكانيات والمادية واللوجستية للإشراف على الطباعة وإصلاح الأخطاء وبعد ذلك التوزيع والنشر ولست مستعدا أن ادفع ثمن الطباعة أو أكلف بمقابل دكانا من دكاكين النشر لطبع إنتاجي وتوزيعه.
21-لقد كنتَ تربويّاً لمدّة طويلة من عمرك.فماذا أعطت تجربة التّعليم والتّربية للمبدع ساسي حمام؟ وممّا حرمته؟
قضيت فترة طويلة في سلك التدريس وهي رسالة اخترتها وعلمتني البحث والصبر وكيفية التعامل مع الآخر واحترام آرائه واحترام إنسانية الإنسان ومنحتني محبة الناس.
22-ماذا قدّم العمل في التّرجمة للمبدع ساسي حمام من ناحيّة إبداعه؟
قدم لي الكثير عرفت تجارب الآخر وتثاقفت معه وتأثرت ببعضهم .
23-لقد عملت فترة طويلة في الإداريّة الثّقافية في اتّحاد الكتّاب التّونسيين في تونس وفي نابل؟ ماذا علّمتك هذه التّجربة؟
هذه التجربة كانت قاسية ومريرة عانيت منها الكثير وكنت في خصام دائم مع رئيس الاتحاد إذ كنت معارضا تعلمت أن احترام الناس ومحبتهم لا يكون إلا بعدم الانحناء والثبات على المبدا والاخذ بيدهم .
24-لقد علمت طويلاً في تنظيم المهرجانات والفعاليات الثّقافيّة في تونس. فهل لاحظت أنّ المهرجانات والفعاليات الثّقافيّة في تونس تخضع للشّلليّة والمحسوبيّات كما هي في سائر الوطن العربيّ؟
ضيوف المهراجانات كانوا يختارون حسب الدرجة العلمية واشعاعه وما سيقدمه للمهرجان وللبلد المضيف وانتمائه الحزبي والعقائدي وبعد ذلك الشللية والمحسوبية والمقايضة
25- هل أنصف النّقد ساسي حمام؟
نعم أنصفني النقد واعتز بما كتبه النقاد عني .
26-كيف تصف المشهد النّقديّ في تونس؟
المشهد النقدي في تونس لا يختلف عن المشهد التقدي في البلدان العربية الأخرى تتعايش فيه مختلف أنواع النقد يبقى هلاميا وضبابيا تطغي عليه المجاملات والاخوانيات والمصالح المتبادلة وهو متخلف كثيرا عن الحركة الإبداعية ولا يخلو من بعض الأقلام الجادة .
27- هل المبدع يحتاج فعلاً إلى النّقد الأدبي؟
أكيد،إنّ المبدع في أي مجال من مجالات الإبداع في حاجة إلى النقد فهو يقوم العمل الأدبي من الناحية الفنية وبيان قيمته الموضوعية وقيمه التعبيرية والشعورية. وهو الذي يميز الجيد من الأدب والرديء منه . بدون نقد جاد ونزيه وموضوعي لا يمكن لأي إبداع أن يستقيم.
28-لقد حصلت على الكثير من الجوائز. فماذا تقدّم الجائزة للمبدع؟
تقدم له الكثير الدفع المعنوي والشهرة والحصول على بعض المال.
29-أيّ الجوائز التي حصلت عليها هي الأقرب إلى نفسك؟ ولماذا؟
جائزة الدولة التشجيعية لأنها أخرجتني من الظل،ولفتت انتباه النقاد لتجربتي القصصية وفتحت لي أبواب الشهرة .
30-ما هو العمل الإبداعيّ الذي يحلم ساسي حمام بإنجازه؟
احلم بعمل يجلب انتباه القارئ والناقد ويكون له دور ايجابي في المجتمع.
31- الواقع العربيّ الحالي بما فيه من تعقيدات هل يحرّضك على الكتابة عنه؟
حقيقة أنّ الواقع العربي الحالي بما فيه من غموض وضبابية في الرؤية والرؤيا ودم ودموع وتعقيدات في العلاقات الاجتماعية وظهور عقليات وعادات كنا ظننا أننا أقبرناها إلى الأبد تحفز وتحرض على الكتابة وإبداء الرأي فيها وكتبت عددا من القصص في هذا الشأن.
32- ما رأيك بما أنجزه بعض المبدعين العرب في دعم ظاهرة الرّبيع العربيّ؟
بعدما يسمى بالربيع العربي غاب المشهد الثقافي او كاد وترك الساحة للسياسة والسياسيين وبقي المثقفون يحاولون الدفاع عن حياتهم وعن المكتسبات الثقافية وعن الثقافة بصفة عامة.
33-هل يعدّ ساسي حمام نفسه أديباً ملتزماً؟ وما هي حدود التزامه؟
نعم أنا ملتزم ليس بعقيدة معينة أو بايديلوجيا ولكن ملتزم بالإنسان .
34-ماهو العمل الإبداعي الذي سنراه في القريب يصدر لساسي حمام؟
عندي عدد من المخطوطات ربما انشر احدها مجموعة قصصية او رواية .
35-ماهو حلم ساسي حمام؟
أن أرى الإنسان العربي في أحسن حالاته.
36-هل هناك أجناس أدبيّة كتب ساسي حمام فيها ولكنّه لم ينشر ما كتبه؟
أنا بدأت حياتي الأدبية بالمسرح وأول نص كتبته ونشرته مسرحية في فصل واحد. ثم تحولت للقصة القصيرة وكتبت الشعر وقصيدة النثر والنقد ولي في ذلك ما يؤثث ديوانا ولكنني لم اشعر يوما أني شاعر أو ناقد رغم نشرتها في مجلات ذات أهمية .
37-هل تؤمن بالمبدع الذي يكتب في أكثر من حقل إبداعيّ؟
ليس إيمانا ولكن يمكن للمبدع أن يكتب في أكثر من حقل إبداعي ورأينا كتابا كبارا كانوا فنانين تشكيليين وشعراء وقاصين وروائيين ونقاد.
38-أين الحبّ والمرأة والوطن في إبداع ساسي حمام؟
الحب والمرأة والطن ثلاثة لا يمكن لأي مبدع تجاوزها أو تجاهلها وهي مدار عملي الابداعى وهي موجدة تصريحا وتلميحا ورمزا.
39-هل ترى أنّ من الضّروري أن يتفرّغ المبدع لإبداعه؟أم لا مانع من أن يحترف مهنة غير الإبداع لأجل تأمين معيشته؟
لا بد للحكومات أن تحمي حقوق المبدعين ولابد للمبدع من الاحتراف ولا بد للحكومات أن تدفع للمبدعين منحا أو جرايات ليتفرغ المبدع لإبداعه ونزعة الهواية في الأدب سبب رئيسي في تأخر الابداع العربي وكم من عبقرية قتلها الجري وراء الرغيف واللهاث وراء متطلبات الحياة.
40-ماذا تعني الكلمات التّالية لساسي حمام:
-الوطن: طمأنينة
-القضيّة: إيمان
-الحلم: أساس الحياة
-الحبّ: حياة
-الجسد: قناع
-الخلود: سراب
-الموت: حياة أخرى
-الأبناء: زينة الحياة
-الحبيبة: روح
-الحقيقة: ألم
-الخديعة: لؤم
-الثّورة: وجود
1677 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع